وهذا يتفق أيضا مع قول الله عز وجل يوم تبوك (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة..)، مع أن جيش المسلمين كان فيه غير هؤلاء كثير من الطلقاء والأعراب والعتقاء ونحوهم، ممن لم يخبرنا الله بالتوبة عليهم، كما لم يخبرنا بالسخط عليهم، فيتوقف فيهم، إلا من أظهر منهم الصلاح والصدق وحسن الإسلام، فيحب ويوالى لهذا، ومن ساءت سيرته وكثر ظلمه فيبغض لهذا، ويبرأ منه المؤمنون، ومن كان بين ذلك يحب فيه الحق والعدل، ويبغض فيه الباطل والظلم[36].
فرجل مثل الوليد بن عقبة، أو بسر بن أبي أرطأة، أو ذي الخويصرة وأمثالهم كيف لا يبغض وتذم سيرته؟! كيف والشرع يأمرنا بحب الطاعات وأهلها، وببغض المعاصي والمظالم وأهلها، خاصة إذا كانت غالبة على سيرتهم، بينما نحن نتشدق بالولاء والبراء ليل نهار، ومن زعم أن هناك فرقا في الولاء والبراء بين ظلمة القرن الأول فيوالون، وظلمة سائر العصور فيعادون فعليه الدليل والبرهان.
النص الحادي عشر.. من النصوص القرآنية:
قوله عز وجل: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) (البقرة، 218).
أقول: هذه الآية في فضل المهاجرين فقط ولولا أن بعض المعاصرين يعممها في جميع الصحابة لما أوردتها هنا.
صحيح أننا نجد مثل الإمام قتادة فيما ينقل عنه يفسر هذه الآية بقوله: (أثنى الله على أصحاب نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أحق الثناء فقال... ثم ذكر الآية ثم قال: (هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون وأنه من رجا طلب ومن خاف هرب) (الدر المنثور (1/605).
أقول: لا يريد قتادة ب (أصحاب محمد) هنا إلا المهاجرين، والعلماء قد يطلقون اللفظ العام ويريدون به الخصوص، وقتادة لا يرى شمول هذه الآية للأنصار فضلا عن المتأخرين فضلا على من ليس صحابيا!!
صفحة ٣٩