سلسلة مع المعاصرين (2)
مع سليمان العلوان
في كتابه الاستنفار
حول الصحبة والصحابة
تأليف
حسن بن فرحان المالكي
---
المقدمة
الملحوظات على كتاب العلوان
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعد
فقد اطلعت على مصورة من كتاب (الاستنفار للذب عن الصحابة الأخيار) للأخ الكريم سليمان العلوان في الرد علي وإن لم يصرح بذلك في الكتاب، لكن عدم تصريحه لا يقدم في الموضوع ولا يؤخر لأنه من الواضح في استعراضه لكثير من القضايا التي طرحتها ، وكذلك ما شاع وذاع بأن هذا رد على المالكي بل جاء هذا التصريح من بعض الأخوة الذين نشروا مصورة الكتاب في الإنترنت.
ومن خلال قراءة مصورة الكتاب تبين لي أنه يرد على أكثر من فكرة بعضها نقول بها فكانت فرصة للحوار مع الأخ العلوان في هذا الكتاب حول تلك النقاط، وأما النقاط الأخرى التي رد بها على آخرين فقد أتفق مع الأخ سليمان في مخالفتهم الرأي.
على أية حال: أنا مع عنوان كتاب الأخ سليمان تماما في (الذب عن الصحابة الأخيار)! فهذا العنوان يحمل ضابطين في غاية الأهمية وإن لم يدركهما الأخ الكريم كعادة كثير من الأخوة الذين تجد لأحدهم المؤلفات والمحاضرات ولو سألته عن أبرز المصطلحات والألفاظ التي يستخدمها لما عرف ماذا تعني لما عرف ضوابطها أو لنقل المعاني الحقيقية لها، وهذه من الأخطاء الكبيرة التي تجثم في بطون مصنفات غلاة العقائديين في كل زمان ومكان.
والأخ سليمان العلوان بما أنه تعرض لبعض المواقف بيني وبينه فمن حقي تصحيح بعض ما أورده، لكن الأخ العلوان يبدو أنه كسائر الأخوة الذين يتكلمون بما لا يضبطون من المصطلحات والألفاظ.
صفحة ١
والأخ العلوان كنت أسمع عنه كل خير، وقد سبق أن تهاتفنا ثم التقيت به في بريدة في القصيم بعد أن دعاني مشكورا لمنزل أحد معارفه وكان معي الدكتور عبد الله اليحيى والشيخ يوسف العتيق ومعه ثلة من الأخوة وجرى حوار بيني وبينه في جو غير مهيأ عن عبد الله بن سبأ ثم انتقل بنا لموضوعات أخرى كمعاوية وعبد الله بن الزبير والوليد بن عقبة وابن عبد البر والشيعة وابن تيمية، كل هذا في حوالي ربع ساعة فقط! وكان الحوار جريا في مضمار سباق مع رفع صوت، وكان ابن تيمية المحطة الأخيرة من حوارنا، وسبب دخولنا في ابن تيمية أنني قلت أن معاوية لم يقاتل عليا إلا للملك وليس بسبب طلب دم عثمان فاستعظم هذا القول.
فقلت له: إن كنت ولا بد فاستنكر على ابن تيمية أنه يتهم الإمام علي بهذا فاستنكر هذا ، فرفض أن يكون ابن تيمية قد قال هذا الكلام.
فأحضرت له بعض الكلام الذي قاله ابن تيمية في هذا الموضوع وكان معي في مذكرة في السيارة، فاختلفنا في دلالته، فلما حاولت أن أنقله إلى أقوال أخرى في الموضوع نفسه، كان الجو قد (تكهرب) والوجوه قد احمرت والحوقلات تنطلق من المجلس، والتسبيحات والحسبلات وطلبات الهداية! وقام مع أصحابه يريد الإنصراف، وصاحب البيت ذكر أن عنده شغلا! فحاولت تهدئة الجو وتلطفت معه في الخطاب وأخبرته بأننا رغم الاختلاف نحبه في الله ولا نريد منه أن يكابر في إنكار بعض الحقائق فقام هو وزملاؤه كالطاردين لنا وعلمت أنه فسر تلطفي في الخطاب بالضعف أيضا!! كعادة هؤلاء الأخوة فهم يطالبونك بالهدوء والكلمة الهادئة فإذا فعلت هذا اتهموك بالضعف وزادهم هذا انتفاخا.
على أية حال كتب العلوان الآن بين يدي وكتبي بين يديه وسيعلم ويرى الباحثون من أضعف علما وعقلا وإنصافا ، أما التفاخر مع (الدبش) والتقاعس عن المناظرات العلنية فهذا ليس ديدن أهل المروءة فضلا عن أهل العلم.
صفحة ٢
ويعلم الله أنني قد نصحت أخانا العلوان -عبر الهاتف- بالتواضع العلمي لأنني[1] رأيته كثير الجزم في أمور لا يعرف منها إلا القليل مثلما جزم ببراءة الوليد بن عقبة وجزم بأن معاوية مأجور على لعنه علي بن أبي طالب!! وجزم في أول الأمر بإثبات قصة ابن سبأ ثم رجع عن ذلك -عبر اتصال لي معه وقال بالحرف الواحد (معظم ما ذكره سيف بن عمر عن ابن سبأ باطل)، وأما قصة الوليد فزعم يومها أنه ليس فيها إلا إسناد واحد ضعيف فقلت له: عندي في القصة ستة أسانيد فأنكر، فقلت له: كيف تنكر وأنت لم تبحث الحديث؟
فقال: أنا يوميا بين هذه الأسانيد!!
فعرفت عندها أن الرجل -هدانا الله وإياه- لا يحترم البحث ولو كان يحترمه لما حاول أن يلزم الباحثين بأمور لم يبحثها!!
وكان يكرر في حديثه معنا (قلت في دروسي!!) فمثل هذه العبارات (التفاخرية) لا تليق بطالب العلم الحريص على التواضع خاصة وأنه شاب صغير ومثل هذه العبارات توحي بأنه لا رجاء فيه! وأنه قد اختار طريق (المشيخة) فلا تواضع مع الضيوف ولا مع المعلومات ولم نصل يومها الرياض إلا وقد أشاع هو واتباعه الإشاعات نتيجة كتابة كتبتها له مع بحث عن عبد الله بن سبأ وقلت له ما معناه: بأننا لن نكابر وسنرجع إلى الحق متى ما وجدناه وحثثته في الخطاب -فيما أذكر- على التواصل العلمي لنستفيد من بعض.
فأشاعوا فيما بعد وكتبوا لمن كتبوا أن فلانا أتانا!! واستتبناه!! وكتب لنا رجوعه.. وشيء من هذا الذي يدل على ضعف في التربية قبل الضعف الأخلاقي والعلمي، وكنا نظن أننا قد تجاوزنا هذه التصرفات التي أقل ما يقال عنها أنها غير لائقة من طالب علم.
على أية حال (هذه نبلي قد نثرتها) فلينثر من شاء نبله، والدليل والبرهان سيكون الفيصل في الموضوع.
---
صفحة ٣
[ 1] يعني براءته من نزول الآية (.. إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا..) وذكر العلوان أنه لم يأت في هذا إلا إسناد واحد ضعيف، فقلت له: عندي في ذلك ستة أسانيد فلم يعقل هذا وطالب بالاثبات!! ثم ذكرت له قول ابن عبد البر من إجماع أهل التأويل على نزولها في الوليد فقاطعني بصوت عال (أهل العلم ذموا طريقة ابن عبد البر في الكلام عما شجر بين الصحابة)! وهكذا يخلطون الأمور، وسيتبين هنا الفصل في هذه الأمور المتقاطعة التي ألقاها الأخ العلوان جزافا بتسرع منه هداه الله للتواضع لكن بعض الناس لا يأتيهم التواضع إلا إجبارا.
أما الملحوظات على كتاب العلوان:
الملحوظة الأولى:
قوله ص2: (فإن من العقائد والأصول المقررة في الإسلام حب الصحابة من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان واعتقاد فضيلتهم وصدقهم والترحم على صغيرهم وكبيرهم وأولهم وآخرهم وصيانة أعراضهم وحرماتهم).
أقول: الكلام السابق كلام حق أريد به باطل كما سنوضح.
أما الحق فما ذكره من حب الصحابة من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، لكن يبدو أن الأخ لا يعرف (المهاجرين) ولا (الأنصار) ولا (ضابط الإحسان)، وإنما -كما قلت سابقا- يردد كلاما لا يفهمه ولا يعقله، ولو لم يكن (شرط الإحسان) في القرآن الكريم لقال لنا صاحبنا (لا يشترط الإحسان في من رأى النبي (ص)! وكتابه يسير على هذا المنهج، أي يسير على مدح من وصف بالصحبة ولو كان من أصحاب الصحبة العامة الذين ساءت سيرتهم ، بل ولو كان من أظلم الناس.. ولو نزل القرآن بذمه..كما لا أظنه يعرف كلمة (عقيدة) ولا (الأصول) ولو عرف كل مصطلح من هذه المصطلحات لكان أكثر تواضعا وأقل جزما.
ثم هو يطعن في بعض الصحابة من المهاجرين والأنصار لأنه يطعن في كل الخارجين على عثمان وقد كان فيهم مهاجرون وأنصار وتابعون بإحسان!!
صفحة ٤
فهم لا يوردون الكلام السابق إلا للدفاع عن الطلقاء فقط أما غيرهم فهم غير جادين في الدفاع عنهم بل غير جادين في ترك الطعن فيهم.
ولم يكتف بهذا حتى جعل الدفاع عن الوليد بن عقبة ومعاوية وبسر وأمثالهم من (الضرورات الخمس التي جاءت الشرعية بالمحافظة عليها وضبط حقوقها)!!
أما قلت لكم: إنه لا رجاء فيه، ولكن لا نستبعد أن يهديه الله للحق.
الملحوظة الثانية:
أتفق مع ما ذكره ص3 من أن هتك عرض المسلم (من كبائر الذنوب ومن التشبه بالمنافقين) لكنه يعد لعن معاوية لعلي على المنابر مما يؤجر عليه معاوية أجرا واحدا!
ولا أدري كيف يجتمع في عقل طالب علم هذه النظرية مع هذا التطبيق؟! اللهم إلا أن نكون صنيعة فكرية أموية لم ننتبه لها لأننا لا نقرأ التاريخ ولا نعرف أثره على العقائد والمواقف والعقول.
الملحوظة الثالثة:
ذكر من أن أعظم من ذلك (غمس الألسنة والأقلام في أهل العلم ومحاولة إسقاط قدرهم بأوهام من هنا وهناك والدخول في نياتهم مقاصدهم..)!!.
أقول: والأخ العلوان أيضا مع هذه النظرية إلا أنه يؤلف الكتب في تبديع أهل العلم (ومحاولة إسقاطهم) كما فعل مع ابن الجوزي وابن حجر وكما تلفظ في المجلس نفسه على ابن عبد البر..وكما فعل في تبديع أباغدة ووهبي سليمان غاوقجي والكوثري والصابوني وعبد الجواد ياسين وغيرهم.
ثم الأخ العلوان من تيار غلاة السلفية وهم من أهتك خلق الله لأعراض العلماء في الماضي والحاضر، وإن شئتم فاسألوا المتقدمين عن أبي حنيفة واسألوا المتأخرين عن القرضاوي والغزالي وستعلمون حقيقة كلامي هذا (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون).
ثم أورد الأخ العلوان ص3 أثرا عن ابن المبارك (من استخف بالعلماء ذهبت آخرته)!!.
قلت: هذا جيد لو يعرف الأخ سليمان معنى (الاستخفاف) ومعنى (العلماء) ويبين الفرق بين أقول ابن المبارك وأقوال الأنبياء!
الملحوظة الرابعة:
ثم ينظر هل التزم بهذه النصيحة أم لا؟
صفحة ٥
وهل صح الإسناد إلى ابن المبارك أم لا؟[1]
والأثر قد رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن محمد بن العباس الضبي عن محمد بن أبي علي عن الفضل بن محمد بن نعيم عن علي بن حجر عن أبي حاتم الفراهيجي عن فضالة النسوي عن ابن المبارك.
وأترك الحكم على الإسناد للأخ سليمان!!
الملحوظة الخامسة:
ونقل عن الطحاوي ص3، ثناء عاطرا على العلماء وهذا لا يخالف فيه أحد، ولا أدري لماذا أورده الأخ سليمان هنا.
وللأسف أن المتمذهبين من سائر المذاهب إذا عظموا حق العلماء فإنهم لا يقصدون إلا علماء مذهبهم أما علماء المذاهب الأخرى فلا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة.
ولو شئت أن أنقل عشرات الشواهد لنقلت.
الملحوظة السادسة
ونقل ص3 عن ابن عساكر، (أن لحوم العلماء مسمومة) وهذه قالها ابن عساكر ضد غلاة الحنابلة الذين كانوا يذمون أبا الحسن الأشعري وأظن الأخ سليمان ممن يذمه لأن الأشعري لم يصح رجوعه الكامل وبقي على مذهب ابن كلاب هذا ما رجحه ابن تيمية ومن المعاصرين الشيخ عبد الرحمن المحمود، فنقل قول ابن عساكر الأشعري ص3 ثم ذم الأشاعرة ص6!! ثم الأخ سليمان ممن يقع في العلماء لكن من يقع فيهم كابن الجوزي والقرضاوي يخرجهم من العلم إلى الجهل!!
الملحوظة السابعة:
وذكر ص4 أن أهل العلم قد عدوا بسط اللسان في الصحابة الكرام زندقة!!
أقول: لكننا لا نجد الأخ سليمان يتهم بني أمية بالزندقة وقد بسطوا ألسنتهم وسيوفهم في أهل بدر[2]!! بل هو من أشد الناس دفاعا عنهم!! فهذا تناقض.
الملحوظة الثامنة:
وأثنى في الصفحات (4،5) على الصحابة ونحن معه في هذا، وقد وعد ص5 بأنه سيكتب كتابه لدفع عدوان الظالمين لهم! ثم لم نجد هذا الدفاع بل وجدناه يساند الظالمين لهم! ويدافع عنهم لا عن المظلومين وهذا من أسرار (النصب) في الغلو السلفي فهم يتفاخرون بالدفاع عن الصحابة ولما تنظر مؤلفاتهم تجدهم يدافعون عمن ظلم الصحابة!!
صفحة ٦
ومكمن الخلل عندهم أنهم يدافعون عن الظلمة ممن ترجم له من أصحاب الصحبة العامة ويتركون أصحاب الصحبة الشرعية الخاصة.
فيدافعون عن ظلمة الطلقاء والأعراب في ظلمهم لأهل بدر والرضوان.
الملحوظة التاسعة:
ثم ذم الأخ سليمان ص6 الفرق الإسلامية من شيعة ومعتزلة وأشاعرة وماتريدية.. ولا تعليق.
الملحوظة العاشرة:
ثم ذكر ص6 أنه لقي نفرا من الناس كانوا يتحدثون عن العدل والإنصاف ف (عمت الارتياحية! وهشوا وبشوا وبلغ التفاعل والحماس أشده)!!
وهذا ما استدل به بعض الأخوة أنه يقصدني لكنني لا أظن ذلك لأنني شخص واحد وهو يتحدث عن (نفر) وأنهم تحدثوا في العدل وهشوا له وبشوا!! وأنا لا أذكر أنه وقع بيني وبينه (هش) ولا (بش) وإنما كان لقاء سريعا اشتعل بالحوار والصياح من أول الجلسة إلى آخرها في أقل من ربع ساعة! إلى أن انتهى إلى ما يشبه الطرد من صاحب البيت الذي كنا ضيوفا عنده جميعا أنا والأخ سليمان ومن معنا.
الملحوظة الحادية عشرة:
ثم ذكر ص6 أن هؤلاء النفر (تسارعوا في الكذب ورواية الأباطيل وجهدوا في تنقص مسلمة ما قبل الفتح وجماعات ممن أسلم بعد ذلك وبالأخص معاوية ).
أقول: لا أعرف مراد الأخ سليمان لكن هؤلاء يبدو أنهم أهل حق وعلم، وأنا لا أثق في كلام الأخ سليمان في زعمه أنهم (تنقصوا) بلا دليل فلعلهم ذموا من يستحق الذم، وخاصة أنه ذكر أنهم (انتقصوا معاوية)! وغلاة السلفية يعدون وصفه بالبغي والظلم (انتقاصا) مع أنه ثابت بالأدلة الصحيحة لا يخالف ذلك إلا مقلد أو ناصبي أو مغفل.
الملحوظة الثانية عشرة:
ثم ذكر ص6 أنهم لما انتقصوا معاوية استغرب دعواهم الإنصاف؟!
أقول: لا غرابة فالانصاف لا يعني مدح الظالم ولا المنافق ولا الفاسق.
صفحة ٧
أما اعتباره معاوية ص7 (ممن جند الله المفلحين الذين أقام الله بهم دينه)!! فهذا كذب، فهؤلاء هم المهاجرون والأنصار[3]، أما الطلقاء والأعراب والمنافقين فلا يصح وصفهم بأنهم من جند الله المفلحين حتى لو شاركوا في الغزوات القليلة الأخيرة كحنين والطائف وتبوك، ولهم محاولات لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوات كلها ، ولعلهم اجتهدوا!.
بل الطلقاء لم يصح شهودهم إلا حنين وما بعدها.
بل معاوية على وجه الخصوص ووالده أبو سفيان كانوا ممن يتمنون هزيمة النبي (ص) يوم حنين[4] ولم يخرجوا إلا للغنائم أما يوم تبوك فالظاهر والله أعلم أنهم حاولوا الاشتراك في اغتيال النبي (ص) في ليلة العقبة وهذا يدل عليه حديث عمار وحذيفة في صحيح مسلم.
الملحوظة الثالثة عشرة:
ثم ذكر عن نفسه ص7 بأنه جهد في الهرب من غضب الله وسخطه فاطلق العنان في الدفاع عن الطلقاء وخاصة معاوية!!
قلت: وما يدريه أن يكون هرب من رضا الله لسخطه في الدفاع عن الظلمة وأهل البغي ومبدلي السنة الذين ثبت ذمهم في الأحاديث والآثار.
ألا يخشى أن قوله بأجر معاوية على كل مظالمه فيه معاندة للرسول (ص) وللمهاجرين والأنصار الذين كانوا على ذم أفعال الرجل وأفعال أمثاله ممن غيروا وظلموا واستأثروا وفعلوا وفعلوا[5].
ألا يخشى الأخ سليمان أن يكون من الذين زين لهم الشيطان سوء أعمالهم؟! لماذا لا يراجع الفرد منا نفسه ويدرس الموضوع بهدوء ويظهر الحقيقة للناس.
الملحوظة الرابعة عشرة:
ثم نقل عنهم ص7 أن هؤلاء النفر لم يكن جوابهم إلا أن قالوا: هذه المسألة اجتهادية، وليست من القطعيات؟!
قلت: إن كانوا قد قالوها فقد أخطأوا، فذم الظلم والظلمة من القطعيات، وليست من الخيارات للإنسان أن يجتهد ويمدح قتل عمار أو لعن علي أو الملك العضوض أو الأثرة أو.. الخ.
صفحة ٨
لعل هؤلاء المغفلين! الذين يتحدث عنهم الأخ سليمان أرادوا مجاملة الأخ سليمان ولم يفهم هذا منهم وظن ذلك ضعفا!! فجرؤوه على الركون للذين ظلموا وأن يكون ظهيرا للمجرمين!! عفى الله عنهم.
الملحوظة الخامسة عشرة:
ثم ذكر ص7 أنه علم بعد جوابهم السابق أنهم (دعاة هدم وفساد وليسوا من الإصلاح والعدل في شيء)؟!
قلت: إن كانوا قد عدوا مدح الظلم والظلمة من الاجتهاد فهو صادق في ذمهم!! أما الأخ سليمان فيبدو أنه من أهل العدل، ولو لم يكن منهم لما نفى عنهم العدل بالكلية؟! ولما علم من قولهم (بأن الأمر اجتهادي) أنهم دعاة هدم وفساد!!
فهذا منه عدل عجيب!!
الملحوظة السادسة عشرة:
ذكر ص8 أن من سمات أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم للصحابة الأخيار.. والذب عن حرمانهم وأعراضهم من رموز الجراحين وثلب العابثين وألسنة الحاقدين.
قلت: وهذا الكلام منه فيه إخراج الأخ سليمان لمعاوية وولاته من السنة والجماعة! لأن قلوبهم وألسنتهم لم يسلم منها الصحابة الأخيار فلم يكن بنو أمية جراحين! فقط ولا عابثين وحاقدين بل سفاكين لدماء هؤلاء الصحابة في صفين والمدينة النبوية ومكة ومصر وغير من البلاد.
الملحوظة السابعة عشرة:
وذكر ص8 الزجر والتغليظ على من غمس لسانه في البهت والآثام وسلب من الصحابة العدالة.. فولغ في حرمانهم وجمع مساويهم وعثراتهم.
قلت: وهذا جيد فبنوا أمية أذن يستحقون الذم لأنهم لم يغمسوا ألسنتهم في البحث فقط وإنما تجاوزوا ذلك إلى اللعن على المنابر وفرض ذلك في الأمة وولغوا في حرمات السابقين إلى الإسلام وافتروا عليهم عثرات لم يفعلوها.
الملحوظة الثامنة عشرة:
ثم ذكر الأخ سليمان ص8 أن الإمام أحمد أنكر على (من جمع الأخبار التي فيها طعن على بعض أصحاب رسول الله (ص) وأن من جمع الأحاديث الرديئة وكتبها يستأهل الرجم)!!.
صفحة ٩
قلت: هذه الأحاديث المروية لعلها التي يرويها غلاة الشيعة أو غلاة النواصب والخوارج أما الأحاديث في ذم أفعال معاوية فلا يقصدها أحمد لأنه قد رواها في مسنده[6]!!
فلعله يريد بالرجم من يتهم الخلفاء الأربعة وعمارا وحذيفة وابن مسعود وعبادة بن الصامت وأمثالهم وقد جمع في ذمهم النواصب وغلاة الشيعة فلا تفسر كلمة أحمد بخلاف ما روى في المسند وغيره!!
الملحوظة التاسعة عشرة:
قوله ص9 فويل لمن تعرض للصحابة بسوء وأوقد نار الفتنة وجرأ السفهاء والغوغاء على الوقيعة فيهم؟!
قلت: الأخ سليمان هل يقصد معاوية؟! فهذه الصفات تنطبق عليه بدرجة كبيرة!! فقد أوقد نار الفتنة وجرأ سفهاء أهل الشام على التنافس في قتل البدريين ووضع لهم الجوائز في ذلك ، دعك من لعنهم والوقيعة فيهم؟!
الملحوظة العشرون:
ثم ذكر ص9 حديث (لا تسبوا أصحابي..) مع أن هذا الحديث فيه أبلغ رد على معاوية الذين سن لعن علي، لأن الحديث كان المخاطب به خالد بن الوليد وهو أفضل من معاوية، لسبه عبد الرحمن بن عوف مرة واحدة لخصومة آنية فهذا لا يقارن مع من سن لعن علي على المنابر!! خصوصا وأن عليا أفضل من عبد الرحمن بن عوف، واللعن أعظم من السب، كما أن اللعن عشرات السنين أطول من سب في لحظة خصومة!! واللعن على المنبر أسوأ من الشتم في ديار بني جذيمة!!
الملحوظة الحادية والعشرون:
ذكر الأخ سليمان ص10 أن حديث (لا تسبوا أصحابي) لا تصح فيها زيادة المناسبة وهي ما وقع من سب خالد بن الوليد لعبد الرحمن بن عوف فزعم أن الزيادة غير محفوظة حتى لو وردت في صحيح مسلم!!
صفحة ١٠
فقال: (هذه الزيادة في سبب ورود الحديث غير محفوظة، فقد رواه عن الأعمش سفيان الثوري وشعبة ووكيع وأبو معاوية وغيرهم وهم أضبط وأحفظ الناس لحديث الأعمش ولم يذكروا هذه الزيادة على أنه فد اختلف على جرير (بن عبد الحميد) فيها فقد رواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح عن جرير بدونها، ولذا أعرض عنها البخاري، وقال مسلم في صحيحه بعد ذكر الرواة عن الأعمش (وليس في حديث شعبة ووكيع ذكر عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد).
ثم أتبعها بقوله: وهذا هو الصواب!!
قلت: أولا: أنا مع الأخ سليمان أنه ما كل لفظة ولا كل حديث ورد في أحد الصحيحين يكون بالضرورة صحيحا، فهناك أحاديث وألفاظ ضعيفة في الصحيحين أو أحدهما وقد ضعف بعض أحاديث الصحيحين علماء كبار كأحمد وابن معين ومن المتأخرين ابن تيمية ومن المعاصرين الألباني، فليس عندي اعتراض على تضعيف والأخ سليمان لحديث في صحيح مسلم إذا رأى الأخ سليمان ضعفه بالعلم لا بالهوى.
لكنني في الوقت نفسه أطلب منه أن يعامل الآخرين بالمثل فإذا ضعفوا حديثا في صحيح مسلم أن يذكر ما فعله هنا ولا يصيح بأن فلانا يريد هدم الصحيحين!! فعليه ألا ينس وأن ينظر في حجة الطرف الآخر، ولا يبادر لاستعداء الغوغاء زاعما بأن هذا (فتح باب شر، وجرأة على أحاديث تلقتها الأمة بالقبول و..) إلى آخر ما نعرفه من عبارات القوم عندما يشنعون على طلبة العلم الآخرين إذا فعلوا الفعل نفسه، فلا بد أن يكون منهجنا واضحا إما القبول مطلقا بنقد بعض أحاديث الصحيحين بعلم، أو المنع مطلقا.
والأخ سليمان أرى أنه لا يمانع إذا حصل ذلك بعلم وهذه فائدة جليلة نثني عليه بإيرادها وقد كنا نرى نحو هذا فيشنع علينا بعض طلبة العلم، فالآن معي من يشاركني في هذا الأمر فلان وفلان وسليمان العلوان..
الأمر الثاني:
أن تلك الزيادة (قصة عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد) صحيحة وقد وردت في صحيح مسلم وغيره من طريق أبي سعيد وغيره.
صفحة ١١
أما من أهملها من المحدثين فهذا معروف في منهج المحدثين أنهم قد يذكرون نص الحديث ويتركون السبب أو المناسبة اختصارا.
والسبب (سبب ورود هذا الحديث) ثابت من طرق أخرى غير ما في صحيح مسلم فقد روى عبد الله بن أحمد في كتاب الفضائل (1/56) من طريقين عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن أبي أوفى وذكر القصة وهذا سند قوي وقد صححه المحقق أيضا[7].
ورواه أحمد في الفضائل (1/55) عن الشعبي مرسلا وفيه القصة (شكا عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى رسول الله (ص)..).
وروى أحمد في المسند (4/530)[8] بسند صحيح عن أنس بن مالك قال (كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي (ص).. الحديث).
ورويت القصة من حديث أبي هريرة -عند ابن عساكر وأبي نعيم بإسنادين من طريق ذكوان عن أبي هريرة.
فرواه ابن عساكر (35/269) من طريقين عن الحسن بن علي الجعفي عن زائدة بن قدامة عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة بلفظ (وقع بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد بعض ما يكون بين الناس... الحديث).
وكذا رواه ابن عساكر (35/269) من طريق أبي نعيم من طريق زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن ذكوان عن أبي هريرة[9] وأنا أتفق مع الأخ سليمان أن ذكر أبي هريرة في الإسناد وهم، وأن الصواب الأعمش عن ذكوان أبي صالح -وهو راوية أبي هريرة- وسبب الوهم أن أبا صالح هو راوية أبي هريرة فبعضهم سلك الجادة فوهم وقد وهم مسلم في اخراجه الحديث من مسند أبي هريرة.
وقد يكون الوهم ممن بعد مسلم كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر في الجزء الذي أخرجه في تخريج الحديث[10].
على أية حال: القصة ثابتة بما سبق من حديث أنس ومن طريق جرير عن الأعمش بالإسناد المذكور.
ووردت الزيادة من حديث ابن أبي أوفى أو مرسل الشعبي ويضاف على ذلك:
صفحة ١٢
- ما رواه ابن عساكر (35/271) بسند مرسل صحيح عن الحسن البصري قال (كان بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد كلام، فقال (دعوا لي أصحابي.. الحديث)
إذن فهذه القصة ثابتة حديثيا للأسانيد السابقة ولتجوز المحدثين في رواية الحديث مختصرا.
وقد روى القصة أصحاب السير والمغازي ومنهم الواقدي في المغازي (3/880) رواه بسند صحيح عن سلمة بن الأكوع، والواقدي مختلف فيه وقد وثقه عشرة من المحدثين وهو إمام في المغازي وقد روى القصة والحديث[11] في حديث طويل وفيه (وأعرض رسول الله (ص) عن خالد وغضب عليه وبلغه ما صنع بعبد الرحمن، فقال: يا خالد ذروا لي أصحابي.. الحديث).
وروى الواقدي أيضا (3/881) قصة خصومة خالد وعبد الرحمن بن عوف من سند صحيح (معمر عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف) فيه ذكر للمناسبة وليس فيه ذكر للحديث.
والخلاصة: أن سبب الحديث أو مناسبة الحديث التي أنكرها العلوان ثابتة وكنت أتمنى من الأخ سليمان أن يستوعب طرق الحديث قبل جزمه بأن الزيادة غير محفوظة!!
لأن هذا الكلام الذي أتى به الأخ سليمان ليس كلام المحدثين لسبب بسيط وهو أن كل الأحاديث النبوية مشهورة بلا ذكر للأسباب، فالسبب غالبا بل دائما لا يرويه إلا رجال أقل في العدد من رواة الحديث نفسه.
والأخ سليمان يقر أسبابا لبعض الأحاديث مع أننا نستطيع بمنهجه أن نثبت أنها غير محفوظة!! لأن رواة (النص) سيكونون أكثر من رواة السبب مع النص!!
الملحوظة الثانية والعشرون:
أورد الأخ سليمان ص11 أثر ابن عمر (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره).
قلت: وهذا إن صح ففيه رد على من كان يسب الصحابة الكبار من غلاة النواصب بالدرجة الأولى لأنهم الذين كانت لهم الدولة يومئذ، وقد يقصد بها عبد الله بن عمر أيضا من كان يسب أحد الخلفاء الثلاثة وخاصة عثمان.
الملحوظة الثالثة والعشرون:
صفحة ١٣
نقل ص11 قولا عن محمد بن صبيح السماك في إنكاره على من سب الصحابة، ورغم أنه لم يورد لهذا الأثر إسنادا إلا أننا نتفق معه ومع الإمام محمد بن صبيح في جريمة سب الصحابي، وهذه قد أنكرناها على غلاة الشيعة وغلاة النواصب فوافقنا الأخ سليمان في الانكار على غلاة الشيعة وتأثيمهم لكنه حكم بالأجر لمن سب عليا من غلاة النواصب كمعاوية ومروان وهذه مفارقة عجيبة إذ كيف نعد ساب أحد الخلفاء الثلاثة آثما وساب علي مأجورا فهذا نصب منسوب للسلفية ظلما وعدوانا.
فنحن بحمد الله منهجنا مطرد في الانكار على الجميع.
ولا يوافقنا غلاة الشيعة إلا في ذم ساب علي، كما لا يوافقنا النواصب وغلاة السلفية إلا في ذم ساب الثلاثة والصواب ذم الحالتين فلهما الحكم نفسه.
وكلمة الإمام محمد بن صبيح جيدة تصلح لأن توجيهها لمعاوية وبسر ومروان وحريز وعبد الملك وغلاة الشيعة ونحوهم من الذين كانوا يسبون كبار الصحابة ويلعنونهم على المنابر أو في بطون الدفاتر.
الملحوظة الرابعة والعشرون:
وذكر الأخ سليمان ص12 أن الصحابة خير الناس بعد الأنبياء وهذا حق إذا أراد به أصحاب الصحبة الشرعية أومن تبعهم بإحسان لا من أساء السيرة من أصحاب الصحبة العامة الذين خصص كتابه في الدفاع عنهم.
الملحوظة الخامسة والعشرون:
ثم ذكر حديث الأمنة ص12 وقد سبق الكلام عليه في جوابنا على شيخنا السعد، فليراجع هناك وهذا نصه:
( كذلك استدل الشيخ بحديث ( النجوم أمنة للسماء فإذا ذهب النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون). ص6
أقول في استدلاله وكلامه عدة ملحوظات أبرزها:
صفحة ١٤
أولا: ما سبق ذكره وهو أن هذا لا يصح إلا في الصحبة الشرعية مثل (لا تسبوا أصحابي) ومثل (أنا وأصحابي حيز والناس حيز..) فلماذا نعمم الحديث وعندنا ما يخصصه في أحاديث أخرى؟! والنصوص تفسر بعضها سواء كانت قرآنية أو حديثية.
ثانيا: أما قول شيخنا عن هذا الحديث (أنه عام ولا يخص أحدا دون أحد)! فنحن وشيخنا يبدو أننا بحاجة ماسة للتعمق في اللغة أكثر! فاللغة العربية وأساليبها لا تقل أهمية عن تعلم علل الأسانيد والمتون، ولأن اللغة واسعة ويأتي فيها الخطاب العام أو المطلق الذي يراد به الخاص وهذا كثير في القرآن والسنة. وقد تحدث عنه الشافعي في كتابه (الرسالة) بل قد سبقت أمثلة كما في حديث (لا تسبوا أصحابي) ونحوه،
فهذا مثل حديث أفضلية القرون الأولى ليس المقصود أن القرن الأول خال من الأشرار، وإنما جاء التفضيل من خيرية مخصوصة لبعض أصحاب تلك القرون لا كلهم فالقرن الذي كان فيهم النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” أفضل من القرن الثاني حتى وإن وجد في ذلك القرن أشرار كالمنافقين والظلمة وإن شئت قل كأبي جهل وعبد الله بن أبي، ومسرف بن عقبة وبسر والحكم والحجاج وزياد والمختار.. الخ.
ويستطيع المجادلون على طريقتكم هذه أن يلزموكم الثناء على هؤلاء لأن النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” أثنى على القرن الأول كله ولم يستثن الكفار ولا المنافقين ولا الظلمة ولا أهل الفسق والفجور! وقد علم بأنهم سيفجرون ويفسقون ويظلمون...الخ.
فلو فعلوا ذلك فلن تجدوا لهم جوابا إلا كان جوابا لنا عليكم في إخراج من ساءت سيرته من الأعراب والطلقاء ونحوهم.
فنحن ندعو للتفصيل وعدم الاستدلال بالعمومات والإطلاقات في موضع النزاع وهذا التفصيل ليس محرما لا شرعا ولا عقلا، بل يدل عليه الشرع والعقل والإنصاف وهو طريق أهل العلم.
صفحة ١٥
ثالثا: هناك أحاديث أخرى لا يجوز فهمها هذا الفهم التعميمي الذي يطالبنا به شيخنا وعلى سبيل المثال حديث (تعلموا من قريش ولا تعلموها) وحديث (نساء قريش خير نساء ركبن الإبل) وحديث (لا تمس النار مسلما رآني ولا من رأى من رآني)!
فهذه الأحاديث -رغم تحفظي في تصحيحها- إلا أنه قد صححها بعض المحدثين قديما وحديثا، فهل يقول عاقل بتعميم هذا في كل المفردات المنتسبة للألفاظ السابقة؟! هل كل قرشية تكون أفضل من كل أنصارية؟!
وهل -حقا- كل القرون الثلاثة الأولى مبشرون بالجنة عن بكرة أبيهم؟!
أم يكون الجواب أن هذا مشروط بالاستقامة أو أن التفضيل من وجه دون وجه أو أن بعضهم روى هذه الأحاديث بالمعنى فأخطأ وأن ظاهر بعض هذه الأحاديث تعارض نصوصا أقوى بل بعضها لا يحتاج لدراسة أسانيدها ولا يجوز التمسك بظاهر ألفاظها والجمود عليه لتعارضها مع الشرع والعقل والحقائق التاريخية؟
رابعا: برواية مثل هذه الأحاديث وهذا الفهم السيء لها من التمسك بظاهرها والجمود عليه وعدم النظر في المخصصات الأخرى ذم أهل الرأي والمعتزلة أهل الحديث، وإلا ماذا سيكون جواب أهل الحديث لو قال لهم المعتزلة: أنتم تروون عن النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” ما يخالف أصل الإسلام وتجعلون الحديث متناقضا مع القرآن وقول النبي “صلى الله عليه وآله وسلم” لا يتناقض مع القرآن الكريم ولا مع العقل وأنتم تروون لنا أن المسلمين في القرون الثلاثة الأولى مبشرون بالجنة، وعلى هذا يلزمكم أن تجعلوا الحجاج وعبد الله بن أبي وأمثالهم في هذا الأمر من الحصانة كأبي بكر وعمر وأهل بدر وأصحاب بيعة الرضوان تماما؟!إذ جعلتم الجميع مبشرا بالجنة!.
صفحة ١٦
إذن فنحن نحتاج لآلية فهم بحيث لا نسيء لشرع ربنا ونسيء للنصوص الشرعية ونسيء للعقل وندافع عن الظلمة بأفعال العادلين وعن الفسقة بسبق السابقين، ثم كل هذا نعرضه باسم الدفاع عن الحديث والدفاع عن العقيدة والدفاع عن الصحابة! ( دعاوى وظلمات بعضها فوق بعض)! جرنا لهذه الدعاوى والظلمات التعصب والخصومات المذهبية، ومازالت تلك الخصومات تشغلنا عن تدبر معاني كتاب ربنا والنظر فيما ثبت من قول نبينا ومعرفة الدلالات والتحقق من ذلك ثم رد ما تعارض مع النصوص الأقوى وما تعارض مع البدهيات والمسلمات الدينية والعقلية والتاريخية.
خامسا: الشيخ وهم في الإسناد فقال (أخرج مسلم من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال ... .) ثم همش عند لفظة ( أبيه) بقوله (أي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه)! وهنا خطآن إنما صحة الإسناد هو: عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبيه -يعني أبا موسى الأشعري- ولعل هذا خطأ من الناسخ أيضا.
صفحة ١٧
سادسا: الحديث من طريق مجمع بن يحي عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري وهذا الحديث وإن كان في مسلم إلا أن البعض قد يعله بأبي بردة بن أبي موسى فقد كان من الشهود زورا على حجر بن عدي رضي الله عنه بأنه (كفر كفرة صلعاء)! ففرح زياد بن أبيه بهذه الشهادة وأمر الشهود أن يشهدوا على مثلها! فمثل هذا الرجل وإن وثقه بعض أهل الحديث لكن التاريخ يدينه! وهي قضية أخرى على جانب كبير من الأهمية فالاعتماد على توثيق الرجال أو تضعيفهم بعيدا عن معرفة سيرة الرجل وتاريخه مما قصر في استيفائه كثير من المحدثين فلذلك وثق بعضهم خالد القسري وأمثاله!، ثم آل أبي موسى الأشعري فيهم انحراف عن أهل البيت ولا نأمن أن يكونوا وضعوا هذا الحديث معارضة للحديث الآخر وهو(النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف... الحديث) رواه الحاكم وصححه (3/162) والصواب أنه ضعيف الإسناد ولكن له شواهد عن أبي سعيد وعلي وأنس وسلمة بن الأكوع ويشهد له حديث الثقلين وهو متواتر.
سابعا: معنى الحديث (أتى أصحابي ما يوعدون) مشكل عندكم فما الذي أتى الصحابة بموت النبي “صلى الله عليه وآله وسلم”؟ فهذا كأنه يتفق مع من يثبت أن الاختلافات بين الصحابة بدأ من يوم السقيفة كما هو رأي أبي الحسن الأشعري وغيره، بل يدل عليه ما تواتر في التواريخ، أما غلاة السلفية فلا يثبتون الخلاف بين الصحابة إلا في عهد الإمام علي! أما الخلافات السابقة في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عن الجميع فينكرونها، فلا يعترفون بخلاف الأنصار ولا بقاء بعضهم ممتنعا عن بيعة أبي بكر، ولا يعترفون بخلاف بني هاشم ومن معهم كالزبير والبراء بن عازب وغيرهم الذين لم يبايعوا نحو ستة أشهر.
وغير ذلك مما هو مشهور في التواريخ بل بعضه في صحيح البخاري، كما لا يعترفون بثورة بعض الصحابة على عثمان، ويظنون أن الخارجين مجموعة من السبئية! وقد ذكرت هذه الاختلافات إجمالا في مقدمة كتاب العقائد تحت عنوان (الجذور السياسية للخلافات العقدية).
الملحوظة السادسة والعشرون:
كما نقل ص13 أثر ابن مسعود (إن الله نظر في قلوب العباد.. الأثر) وقد تكلمنا على معناه في البحث الأصلي (كتاب الصحبة) وأوضحنا أنه منصرف للصحابة من المهاجرين والأنصار وليس منصرفا لمن بعدهم فضلا عمن أساء السيرة.
الملحوظة السابعة والعشرون:
صفحة ١٨
ثم ذكر ص14 أثرا آخر عن ابن مسعود (من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد .. الأثر) وهو منقطع وقد بين الأخ سليمان هذا أيضا ولو صح فالمراد بالصحابة عند ابن مسعود وغيره من الصحابة غير المراد من الصحابة عند غلاة الحنابلة والسلفية.
فإن ابن مسعود كان يفرق بين الصحبة الخاصة والصحبة العامة وهم يظنون أن ابن مسعود قال كلمته السابقة لمدح الوليد بن عقبة ومعاوية وأمثالهم!!
الملحوظة الثامنة والعشرون:
ثم نقل عن ابن تيمية ص15 نقله أثر ابن مسعود مع أنه قد بين ضعفه قبل ذلك، فهذه شهادة على أن ابن تيمية يستشهد أحيانا بالآثار الضعيفة!! وهذا ما يحاربوننا من أجله إذ جعلوا ابن تيمية معصوما أو يكاد.
الملحوظة التاسعة والعشرون:
ثم نقل ص15 عن ابن أبي حاتم تعريف أصحاب رسول الله (ص) ولو تأمله الأخ سليمان لعرف أن التعريف لا ينطبق على معاوية ولا الوليد ولا أبي الغادية.. وإنما يرد في أصحاب الصحبة الخاصة وهذا واضح من قول أبي حاتم (فأما أصحاب رسول الله (ص) فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة..) في أثر طويل إنشائي، لا يفيد حماية ظلمة الطلقاء من الذم أو العقوبة أو الفسق.
وأبو حاتم رحمه الله كان حنبليا متشددا أوصله تشدده مع أبي زرعة رحمهما الله إلى أن تركا الحديث عن البخاري رحمه الله وضعفاه وظلماه واتهماه بما هو منه بريء.
الملحوظة الثلاثون:
أيضا ما نقله الأخ سليمان ص16 عن أبي نعيم الأصبهاني لا ينزل إلا في أصحاب الصحبة الخاصة وهذا واضح في قوله (سمحت نفوسهم بالنفس والمال والولد والأهل والدار ففارقوا الأوطان وهاجروا الأخوان وقتلوا الآباء والإخوان.. الخ).
فهل هذا يصح في مثل معاوية والوليد؟!
أفيقوا أيها الغلاة (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا).
صفحة ١٩
بل أبو نعيم قد بين في نهاية الأثر أن الصحابة هم المهاجرون والأنصار فقط كما يظهر من كلامه لأنه ذكر الآيات التي وردت فيهم من سورة الحشر ثم قال (فمن انطوت سريرته على محبتهم ودان الله بتفضيلهم ومدتهم وتبرأ ممن أضمر بغضهم فهو الفائز بالمدح الذي مدحهم الله تعالى فقال (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا.. الآية).
أقول: فنحن نبرأ ممن أضمر بغض المهاجرين والأنصار من غلاة السلفية وغلاة النواصب ولا ريب أن أوائل أولئك كانوا ظلمة بني أمية كزياد ومعاوية والوليد وبسر وأبي الغادية ونحوهم.
فكلام أبي نعيم صحيح أنه يجب محبة المهاجرين والأنصار والبراءة ممن عاداهم، ومعاوية الذي يدافع عنه الأخ سليمان قد عادى بقية أهل بدر وأهل الرضوان الذين كانوا قاتلوه بصفين وقتل منهم المئات ولعنهم وتسلط على أبنائهم من بعدهم وغير ذلك مما يطول ذكره.
الملحوظة الواحدة والثلاثون:
ثم نقل الأخ سليمان ص17،18 نقولات حسنة جيدة في مدح الصحابة لكنها لا تنزل على ظلمة الطلقاء الذين خصص كتابه في الدفاع عنهم.
الملحوظة الثانية والثلاثون:
وما ذكره ص19 من شمول الآية (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان..) لجميع الصحابة صحيح وهم المهاجرون والأنصار بنص الآية!!.
لكن في التابعين من بعد المهاجرين والأنصار شرط مهم في الآية وهو (الإحسان) فمن تبع المهاجرين والأنصار بإحسان كان له الأجر العظيم.
أما من تبعهم بغير إحسان كأبي الغادية والحكم وأبي الأعور وحرقوص بن زهير والوليد ومعاوية وبسر والمختار[12].. فلا تشملهم الآية.
الملحوظة الثالثة والثلاثون:
أما ما ذكره الأخ سليمان ص20 من شمول الصحبة لكل مسلم لقي النبي (ص) فقد تمت مناقشة هذا الأمر في البحث الأصلي (كتاب الصحبة والصحابة).
صفحة ٢٠