والواقع أنها ثلاثة نصوص لكنها بمعنى واحد فلو تدبرنا ثلاث آيات كريمة الأولى: قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين)[32].
والثانية قوله تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم)[33].
نجد هاتين الآيتين نزلتا في حق المسلمين من المهاجرين والأنصار يوم أحد، فأخبر الله عز وجل أنه قد عفى عنهم عصيانهم وتنازعهم وانهزامهم أمام الكفار ولم يقيد هذا العفو بالمشيئة، وكان المنهزمون يوم أحد من المهاجرين والأنصار، ومن هؤلاء المنهزمين صحابة كبار مثل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه منهم أيضا (ورد في مسند أحمد ما يدل على ذلك).
فحفظ الله لهم سابقتهم وأخبر بالعفو عنهم من غير تقييد بالمشيئة أما يوم حنين فقد كان جيش المسلمين خليطا من المهاجرين والأنصار والطلقاء وسائر من لحق من الأعراب والمتنطعين كذي الخويصرة، فلذلك لما انهزموا لم يخبر الله بالعفو عن الجميع، وإنما قال: (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء)، كما في قوله تعالى في الآية الثالثة هنا: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين[34] وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم)[35].
أقول: ومن هذه الآية نعلم سر تعليق العفو بالمشيئة، بخلاف الآيات في حق المسلمين المنهزمين يوم أحد إذ كانت جازمة بالعفو عنهم.
صفحة ٣٨