ومن التابعين بإحسان أيضا أبناء المهاجرين، وأبناء الأنصار، فهؤلاء الأبناء وإن لم يشاركوا في الأحداث لكنهم تضرروا وعانوا وكابدوا... فهذا يفقد أباه في المعارك فيصيبه اليتم وهذا تضيق أحواله المادية لكون والده ممن أنفق أمواله في سبيل الله ولم يبق لأهله وأبنائه إلا القليل، فأبناء المهاجرين والأنصار المولودون على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لحقهم بعض الأذى وشاركوا في شيء من الهجرة والنصرة ولو كانوا داخل بيوتهم فهم من أفضل التابعين بإحسان، ويدخل في التابعين بإحسان ولكن بدرجة أقل من حسن إسلامه من طلقاء قريش، وعتقاء ثقيف وغير هؤلاء، وحسن الإسلام يعني اجتناب كبائر الذنوب وصلاح السيرة ولا يشترط أن يشك الرجل في الإسلام حتى يقال أنه لم يحسن إسلامه!!، والإحسان في هذه الآية مجمل سيأتي شرحه وبيانه في الآية اللاحقة في الدليل الثالث.
إذن فالمهاجرون والأنصار لم يشترط الله فيهم (الإحسان)؛ لأن الهجرة والنصرة اللتين تقتضيان الإنفاق والجهاد في أيام الضعف فهما من أفضل الأعمال، ولا يحتاج هذا لقيد الإحسان فلم يقل ( ... من المهاجرين بإحسان والأنصار بإحسان)؛ لأن الرجل إن قام بالهجرة التي تقتضي ترك الأوطان والأولاد من أجل الدين فهجرته غاية الإحسان، كما أن النصرة (التي أجلبت على الأنصار قبائل العرب) مع تحملهم مهمة حماية الإسلام في أيامه الأولى لا تحتاج لقيد الإحسان؛ لأنها في الذروة منه.
أما بعد قوة الإسلام والمسلمين، فأصبحت الهجرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تعود على نفس المهاجر بالمصلحة، بعد أن كانت قبل ذلك تعود على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمصلحة، وزاد هذا الأمر بعد فتح مكة فأصبح الالتحاق بالمسلمين يعني الغنيمة والسلامة؛ لكثرة المال والأمن من الأعداء.
صفحة ٢٧