مباحث الأمر التي انتقدها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى
الناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة والثلاثون
سنة النشر
العدد (١٢٣)
تصانيف
تَفْسِير القرءان، وغاص فِي دَقِيق مَعَانِيه، بطبع سيال وخاطر إِلَى مواقع الْإِشْكَال ميال، واستنبط مِنْهُ أَشْيَاء لم يسْبق إِلَيْهَا، وبرع فِي الحَدِيث وَحفظه، فَقل من يحفظ مَا يحفظه معزوًا إِلَى أُصُوله، وصحابته مَعَ شدَّة استحضار لَهُ وَقت إِقَامَة الدَّلِيل، وفَاق النَّاس فِي معرفَة الْفِقْه، وَاخْتِلَاف الْمذَاهب، وفتاوى الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِحَيْثُ إِنَّه إِذا أفتى لم يلْتَزم بِمذهب بل بِمَا يقوم دَلِيله عِنْده، وأتقن الْعَرَبيَّة أصولًا، وفروعًا وتعليلًا، واختلافًا، وَنظر فِي العقليات وَعرف أَقْوَال الْمُتَكَلِّمين، ورد عَلَيْهِم، وَنبهَ على أخطائهم، وحذر مِنْهُم، وَنصر السّنة بأوضح حجج وأبهر براهين”.
وَكَانَ ﵀ متواضعًا فِي تَعْلِيمه للنَّاس، يجلس تَحت كرسيه ويدع صدر الْمجْلس عِنْد جُلُوسه للتدريس، وَيجْرِي فِي درسه مجْرى السَّيْل، وَيصير مُنْذُ يتَكَلَّم إِلَى أَن يفرغ كالغائب عَن الْحَاضِرين مغمضًا عينه من غير تعجرف، وَلَا توقف، وَلَا لحن، وَإِذا فرغ من درسه فتح عَيْنَيْهِ، وَأَقْبل على النَّاس بِوَجْه طلق بشوش، وَخلق دمث، كَأَنَّهُ قد لَقِيَهُمْ حِينَئِذٍ.
وَكَانَ لَا يسأم مِمَّن يستفتيه، أَو يسْأَله، وَيقف مَعَه حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يُفَارِقهُ كَبِيرا أَو صَغِيرا، رجلا، أَو امْرَأَة، حرا، أَو عبدا، ويجيب السَّائِل ويفهمه بلطف وانبساط.
وَكَانَ ﵀ عَالما متعمقًا فِي علمه، متبصرًا بِالسنةِ، ذابًا عَنْهَا، مُحَاربًا لمخالفتها شَدِيد الاهتمام بِالْعلمِ بِمَا ينْهَى عَنهُ من الْمُنْكَرَات، تأصيلًا، وتفريعًا حَتَّى يَقُول ﵀: “أَنا أعلم كل بِدعَة حدثت فِي الْإِسْلَام، وَأول من ابتدعها، وَمَا كَانَ سَبَب ابتداعها”١.
وَكَانَ يَدْعُو إِلَى ذَلِك، ويحض عَلَيْهِ، وَينْهى عَن أَن يقدم الْإِنْسَان على
_________
١ - مَجْمُوع الْفَتَاوَى ٣/١٨٤.
1 / 370