249

معارج القبول بشرح سلم الوصول

محقق

عمر بن محمود أبو عمر

الناشر

دار ابن القيم

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م

مكان النشر

الدمام

تصانيف

وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ الْعَشْرَ الْآيَاتِ١. وَلَوْ ذَهَبْنَا نَنْقُلُ الْأَحَادِيثَ فِي قَالَ اللَّهُ وَيَقُولُ وَيَتَكَلَّمُ وَيُنَادِي وَنَحْوِ ذَلِكَ لَطَالَ الْفَصْلُ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ مَتَى شَاءَ بِكَلَامٍ حَقِيقَةً يُسْمِعُهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنَّ كَلَامَهُ قَوْلٌ حَقِيقَةً كَمَا أَخْبَرَ وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ﴾ وَقَالَ: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ وَقَالَ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ وَالْقُرْآنُ كَلَامُهُ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِهِ حَقِيقَةً كَمَا شَاءَ وَهُوَ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَحْثُهُ قَرِيبًا، وَكَلَامُهُ تَعَالَى صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِمَوْصُوفِهَا، فَصِفَاتُ الْبَارِي ﵎ قَائِمَةٌ به أزلية بأزليته بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ لَمْ تُجَدَّدْ لَهُ صِفَةٌ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا، وَلَا تَنْفَدُ صِفَةٌ كَانَ مُتَّصِفًا بِهَا، بَلْ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
كَلَامُهُ جَلَّ عَنِ الْإِحْصَاءِ ... وَالْحَصْرِ وَالنَّفَادِ وَالْفَنَاءِ
لَوْ صَارَ أَقْلَامًا جَمِيعُ الشَّجَرِ ... وَالْبَحْرُ تُلْقَى فِيهِ سَبْعَةُ أَبْحُرِ
وَالْخَلْقُ تَكْتُبُهُ بِكُلِّ آنِ ... فَنَتْ وَلَيْسَ الْقَوْلُ مِنْهُ فَانِ
قَالَ اللَّهُ ﵎: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الْكَهْفِ: ١٠٩] وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [لُقْمَانَ: ٢٧] قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَلَالِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى

١ البخاري "٥/ ٢٦٩-٢٧٢" في الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا.
ومسلم "٤/ ٢١٢٩-٢١٣٦/ ح٢٧٧٠" في التوبة، باب حديث الإفك وقبول توبة القاذف.

1 / 255