ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

دادلي أندرو ت. 1450 هجري
61

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

تصانيف

ربما لا يكون الأمر الجوهري أن يكون الفيلم «مخلصا» على نحو صارم للرواية. ما يمكن للأدب بالفعل أن يجلبه للسينما ليس مستودعا للموضوعات المهمة بقدر ما هو إحساس بماهية «الحكي». وما يهم هو فصل الفيلم عن «المشاهدة» حتى يمكنه في النهاية التواصل مع «الكتابة». من وجهة النظر هذه، ليست أعمال مثل «السيد ريبوا» («مسيو ريبوا»)، أو «الستارة القرمزية» («لا ريدو كراموازي») ... أو «صباح الخير أيتها التعاسة» («بونجور تريستيس») الذي صدر مؤخرا، قصصا «ممثلة» [تصميم مشاهد]، ولكنها أعمال «مكتوبة» بالكاميرا والممثلين. وسواء أكانت تتضمن اقتباسات أم لا، فمن الواضح أنه، بهذا المعنى، ينبغي أن ننتظر ونأمل الإحلال الأصيل للسينما محل الرواية.

26

قبل أن يختتم تروفو مقاله، ولكي يهزم العدو، أشهر سلاحه، فيلم «يوميات قس في الأرياف»، أفضل اقتباس عرفه، وهو اقتباس حافل بأمثلة تعبيرية رائعة للكتابة السينمائية. أبرز تروفو مشهد الاعتراف، الشهير في فيلم بريسون؛ حيث لم يغير بريسون الحوار ولا السياق؛ بدلا من ذلك، مرر تيارا سينمائيا قويا لشحن ما هو في الكتاب بالفعل: شخصية تخرج بالتدريج من الظل، تلمع عيناها بتحد وغضب. في السيناريو الذي سبق أن عرضه بيير بوس في البداية على بيرنانوس، عولج هذا المشهد نفسه بكامله، وحول إلى فرجة. ربما كانت نسخة «الجودة» ذات طابع «سينمائي» للغاية، لكنها لم تكن معبرة عن برنانوس ولا سينما حقيقية؛ ولذا رفض كما يوضح تروفو شامتا. بمصطلحات سارتر حينئذ، كانت نسخة بريسون «أصيلة» بينما كانت نسخة بوس زائفة بوضوح.

أصبح مقال تروفو فورا معيارا للإخراج الأصيل المتوثب الذي ميز ثقافة السينما الفرنسية لما تبقى من عقد الخمسينيات وخلال عهد «الموجة الجديدة». انتزعت الحداثة السينمائية، باتخاذها من «الكاميرا-القلم» مجازا تعريفيا لها، السلطة من أيدي كتاب السيناريو ومنتجي الاستوديوهات، ونقلتها إلى أيدي السينمائيين. كان التوقيت مثاليا؛ لأنه في تلك اللحظة بالتحديد، أصبحت أولوية «المخرج الأصيل» (

auteur ) مركز النقاشات التي كانت تعقد في نوادي السينما والمجلات. وبتحولها إلى عقيدة تقريبا في «كاييه»، بدت سياسة المخرج الأصيل ضرورية من أجل نضج الشكل الفني. وإذ كان جودار يكتب مثل تروفو في الدوريتين نفسيهما - «كاييه دو سينما» و«آرت» - فإنه رفع مخرجيه المفضلين على أكتاف كتاب عظماء (فيلم نيكولاس راي ««انتصار بطعم الهزيمة» [بتر فيكتوري] هو أشبه بفيلم «فلهلم مايستر» (1958) ... أكثر الأفلام المصبوغة بروح جوته»، وجوزيف مانكيفيتس هو إعادة تجسيد لجون جيرودو ... إلخ).

27

كان جودار واثقا بأن كتاب ذلك الوقت الذين يشبهون ستيندال سيخرجون لصنع الأفلام. ففي النهاية، السينما مثل الأدب «ليست حرفة، إنها فن. لا تعني عملا جماعيا. دائما ما يكون المرء وحيدا في موقع التصوير كما لو كان أمام صفحة بيضاء. وتعني الوحدة طرح أسئلة، ويعني صنع الأفلام الإجابة عن تلك الأسئلة. لا شيء يمكن أن يكون أكثر رومانسية من هذا من وجهة نظر كلاسيكية.»

عند هذه النقطة، احتج بازان، وعارض متبعيه الشباب. على الرغم من أنه كان يصرح علنا بأن صانع الفيلم «في النهاية هو ند الروائي»؛

28

فإن اهتمامه بالوثائقيات دفع التأليف إلى هوامش اهتمامه النقدي، وفي مرات عدة خارج نطاق الاهتمام بالكامل. ترسخ الوثائقيات اختلاف الوسيط السينمائي عن الفنون التقليدية؛ لأنها تمتلك القدرة على تقليص مكان الإنسان في عالم يظهر أحيانا مرتبا بعناية إلهية، وأحيانا أخرى لا مباليا وعشوائيا. تتبع بازان مصير الخيال والرغبة في أعمال صناع الأفلام الذين كرسوا أنفسهم لشيء ما وراء أنفسهم؛ ما وراء نوعهم البيولوجي؛ شيء أشار بازان إليه على نحو غامض بأنه «زمن الشيء».

صفحة غير معروفة