كان لدى بازان تسامح أكثر مما يظن تجاه الأسلوب السوفييتي في مونتاج الأفلام الصامتة. لكنه، بوصفه مهندس نظرية عن الفيلم الناطق، وجده غير مناسب عموما. على سبيل المثال، سخر بازان من الطريقة الصبيانية، حسب تعبيره، التي توجه بها سلسلة أفلام كابرا بعنوان «لماذا نقاتل» (واي وي فايت) المشاهد كما يفعل محاضر يستخدم عرضا لصور ثابتة للإيضاح، بدلا من أن يدع تلك الصور ترينا ما بها (أي أن تخفي أكثر مما تظهر، كما في نصه الفرنسي).
8
يشيد بازان بالفعل بالمونتاج السوفييتي على حساب مونتاج كابرا، وتثبت ذلك مراجعته الحماسية لفيلم «باريس 1900» (فدريه، 1947)، فهو لم يكن رافضا من حيث المبدأ لتوليفات الأفلام الإخبارية. ما كان يهمه في هذا الجهد هو «البراعة والذكاء في المونتاج»، الذي - على خلاف أسلوب براوست - «أحال المفارقة المتعلقة بماض موضوعي، وبذكرى خارج وعينا، إلى كون السينما آلة لاسترجاع الزمن، وأوفق لخسارته».
9
باختصار، يمكن أن يقودنا المونتاج، بالمعنى القوي، إلى النظر بمزيد من العمق إما داخل الصور، وإما بعيدا عنها تجاه معنى ما، اختيرت لتوضحه. وبعكس كابرا، الذي ضخم شذرات ومقاطع فيلمية حتى صارت مناسبة لمقولته، فإن نيكول فدريه نظمت مشاهدها الأرشيفية بحيث يكون لكل منها صدى أعمق مما لو عرض بذاته. مكن المونتاج في هذه الحالة، وبشكل متناقض، اللحظة السحرية؛ لذا ينهي بازان مراجعته المؤثرة بالإشادة بحصافة فدريه في إدراك أن «الصدفة والواقع يظهران موهبة أكبر مما يظهره كل صناع الأفلام في العالم.»
بشكل عام، فإن المونتاج بالمعنى القوي انحسر في الأفلام الروائية حينما دخل الصوت الصورة. كان جودار الذي وبخ بازان عام 1956 في مقاله «المونتاج: همي الجميل» يبذل كل ما يستطيع لاسترجاعه، وخصوصا بعد عام 1965. لكن جودار، كما يشير تيموثي برنار في ملحوظاته عن بازان، كان هو أيضا نصيرا قويا للتفكير في الفيلم أو السينما بمعايير «الديكوباج»،
10
وهو أمر تعلمه من بازان الذي أخذ مقاله الشهير «تطور لغة السينما» من حيث الأساس من مقال مفهرس طويل، عنونه ببساطة بكلمة «ديكوباج».
11
التفرقة بين مصطلحي «المونتاج» و«الديكوباج» (إلى جانب المصطلح العام «التحرير») محورية. وكما قال مالرو ، فإن «الديكوباج » هو نتاج قرار صناع الأفلام مقدما بشأن كيفية تحليل عمل روائي فيما يخص أثره الدرامي (المنطقي)، وتصميمه المكاني الزماني. يرتبط بقوة بهذا المفهوم الأولوية التي يتمتع بها مكان وزمان مستمران تتم في نطاقهما الانتقاءات، ويرتب العمل الروائي. عند التفكير من الناحية المكانية بشأن سياق معين أو جزء درامي، تظهر سمات معينة من تصميم المشهد، ويدخل «الديكوباج» بوصفه التصور الزماني بشأن الطريقة التي يمكن أن يتكشف بها العمل الروائي منظرا تلو الآخر. سبقت هذه المصطلحات ظهور مفهوم «العالم السردي» النظري،
صفحة غير معروفة