محبة الرسول بين الاتباع والابتداع
الناشر
رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إدارة الطبع والترجمة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٤هـ
مكان النشر
الرياض
تصانيف
لأجل هذا كان التفكر سبيلا من سبل الوصول إلى هذه المحبة. فإذا تفكر المسلم في النفع الحاصل له من جهة الرسول ﷺ وأنه سبب نجاته في الدنيا والآخرة، وأدرك ذلك بقلبه يقينا عظمت عند ذاك محبة النبي ﷺ في قلبه.
وبعد أن تبين لنا وجوب محبة الرسول ﷺ بأدلته من القرآن والسنة. أود أن أشير إلى أن هذه المحبة- كما قال ابن رجب (١) - على درجتين:
١ - إحداهما- فرض: وهي المحبة التي تقتضى قبول ما جاء به الرسول ﷺ من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه، من تصديقه في كل ما أخبر به وطاعته فيما أمر به من الواجبات، والانتهاء عما نهي عنه من المحرمات، ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر لا بد منه، ولا يتم الإيمان بدونه.
٢ - والدرجة الثانية: فضل، وهي المحبة التي تقتضى حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته، في أخلاقه، وآدابه، ونوافله، وتطوعاته، وأكله، وشربه، ولباسه، وحسن محاضرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة. والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه، واهتزاز القلب من محبته، وتعظيمه، وتوقره ومحبة استماع كلامه، وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين. ومن أعظم ذلك الاقتداء به في زهده في الدنيا والاجتزاء باليسير منها، ورغبته في الآخرة (٢) .
ومما سبق يتبين لنا أن المحبة والإيمان أمران متلازمان في قلب المؤمن تلازما مطردا يزيد أحدهما بزيادة الآخر وينقص بنقصانه.
_________
(١) هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (٧٢٦ هـ - ٧٩٥ هـ) محدث. فقيه. من تصانيفه: شرح سنن الترمذي، فتح الباري شرح صحيح البخاري لم يكمله، جامع العلوم والحكم. ذيل طبقات الحنابلة وغيرها. انظر. الأعلام ٣ / ٢٩٥.
(٢) استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس. لأبي الفرج عبد الر حمن بن رجب الحنبلي. طبع مطبعة الإمام. مصر ص٣٤، ٣٥.
1 / 49