لمسات بيانية في نصوص من التنزيل - كتاب
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
عمان - الأردن
تصانيف
والجواب: أنَّ هذا يسمى التفاتًا في علم البلاغة، والالتفاتُ قد يكون عدولًا من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [يونس: ٢٢] . فعدل من الخطاب إلى الغيبة.
وللالتفات فائدةُ عامةٌ وفوائد يقتضيها المقام، أما الفائدة العامة فهي "أنَّ الكلامَ إذا نُقِلَ من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظًا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد".
ومن فوائده التي اقتضاها المقام "أنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام تَعلَّقَ العلمُ بمعلومٍ عظيمِ الشأن، حقيق بالثناء، وغاية الخضوع والاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، فقيل: إياك يا مَنْ هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة، لا نعبد غيرك، ولا نستعينه، ليكون الخطاب أدلَّ على أن العبادة له، لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به".
ومنها: أنه لما وُصِفَ بأنه رب العالمين عُلِمَ أنه حاضرٌ في كل مكان وزمان وليس غائبًا ذلك لأنه رب العالمين جميعًا، فلا يغيب عنهم، ولا يغيبون عنه، فلما علم حضوره نودي بنداء الحاضر المخاطب.
"ونظير هذا أنك تذكر شخصًا متصفًا بأوصاف جليلة مُخْبِرًا عنه إخبار الغائب ويكون ذلك الشخص حاضرًا معك، فتقول له: إياك أقصد، فيكون في هذا الخطاب من التلطُّف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ (إياه) .
1 / 47