236

دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

تصانيف

شبهة أن الفقر عائق عن التعدد والرد عليها
الشبهة الثانية: أن الفقر عائق عن التعدد، فإن من النساء من تقول: أنت لا تقدر أن تطعمنا، أتذهب لتحضر امرأة أخرى لتطعمها! اتق الله فينا، فأنت لا تكفي بيتك أصالة فكيف تفتح بيتًا آخر؟ وقد وافقهن الفقهاء في ذلك، فلم يجوزوا للفقير أن يعدد، وهذا فيه نظر؛ إذ إن الأدلة المتوافرة متضافرة على أن الفقير لا يحرم عليه التعدد، بل يسن له أن يعدد، ولعل الله أن يرزقه بها، وعندنا أدلة في ذلك وإن كانت ضعيفة لكن نستأنس بها مع الأدلة الصحيحة، فخير البشر على الإطلاق رسول الله ﷺ كان يعاني من شظف العيش، كما قالت عائشة ﵂ وأرضاها: ما كان يوقد نار في بيته شهرًا كاملا، وليس عندهم إلا الأسودان التمر والماء، وعنده تسع من النساء، بل خيرهن: ﴿إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب:٢٨].
فدل ذلك على أن الفقر ليس بعائق عن الزواج والتعدد، والصحابة الذين حملوا الدين إلينا حتى جاءنا غضًا طريًا منهم من تزوج على فقرٍ مدقع، فهذا رجل كان بجانب النبي ﷺ فجاءت امرأة تهب نفسها للنبي ﷺ فصعد النبي ﷺ فيها النظر وخفض، ثم وجد أنه لا طلب له فيها، فقال له الرجل: (يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجني إياها، فسأله أن يعطيها صداقًا، فقال: ما معي شيء، قال النبي ﷺ: التمس ولو خاتمًا من حديد، قال: ما عندي إلا إزاري، فقال: لو أعطيتها إزارك جلست بلا إزار، ما معك من القرآن؟ قال: البقرة وآل عمران، قال: زوجتكها بما معك من القرآن) يريد على تعليمك لها من القرآن.
واستنبط العلماء من ذلك أن التعليم يجوز أن يؤخذ عليه أجرة، والمقصود أن النبي زوجه إياها وما معه إلا إزار لو أعطاها إياه لجلس بغير إزار، فبرغم ما كان عليه من فقر لم ينكر النبي ﷺ عليه ذلك، بل أقره على ذلك.
وجاء عن عمر بسند صحيح أنه قال: التمسوا الغنى بالنكاح.
وفي حديث ضعيف يستأنس به أن رجلًا جاء للنبي ﷺ فقال: (يا رسول الله! اشتدت علي الفاقة -أي: شكا الفقر- فقال النبي ﷺ: انكح)، وهو رجل فقير متزوج بواحدة، فذهب فنكح الثانية، ثم عاد إلى النبي ﷺ وقال: (يا رسول الله! اشتدت الفاقة، فأمره بالنكاح) فذهب وتزوج الثالثة وكذلك في الرابعة، فلما تزوج الرابعة كانت لها صنعة فعلمت الثلاث؛ فأصبح تاجرًا كبيرًا، قال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة:٢٨]، وقال أيضًا: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور:٣٢].
فالصحيح أن الفقر ليس بعائق للنكاح؛ لأن أفضل البشر كان زاهدًا فقيرًا، ولم يكن عنده من المال شيء، وكان تحته تسع من النساء، فلا ينبغي أن تردد النساء: أنت لا تكفينا في بيتنا فلا يحق لك أن تفتح بيتًا آخر، فالذي رزقها سيرزق غيرها.

20 / 15