دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

محمد حسن عبد الغفار ت. غير معلوم
122

دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

تصانيف

اتباع الصديق للنبي ﷺ إن أروع الأمثلة التي ضربها الرعيل الأول، ذلك الرعيل الزكي النقي الذي تمكن من ربوع الأرض مشارقها ومغاربها، والذي تمكن من رقاب العباد، وعبّد العباد لرب العباد؛ لأنهم تمسكوا بسنة النبي ﷺ، موقفهم في المحنة والشدة التي كانت بعد موت النبي ﷺ، ففي الصحيح عن أبي هريرة ﵁: أن النبي ﷺ لما مات ارتد من ارتد من العرب، وكفر من كفر من العرب، وما بقي إلا قلة من المؤمنين، فلما حدثت الفتنة وأطلت برأسها على أهل المدينة والحجاز ومكة قام أبو بكر ﵁ وأرضاه يعلمنا بلسان حاله أن هذه الأمة لن تثبت إلا بالتمسك بسنة النبي ﷺ. فقام خطيبًا في الناس بعد ما مات رسول الله ﷺ بعد أن قام عمر في وجه الناس يقول: إن محمدًا لم يمت، وإنما ذهب إلى ربه، وليرجعن وليقطعن أيدي المنافقين، فقام أبو بكر، فقال: على رسلك يا عمر، فما سكت، فقال: إليك عني. ثم قام خطيبًا في الناس فقال: أيها الناس! من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ومن هنا وقفت الأمة وثبتت على أرض راسخة، وبعد هذا الثبات ثبتت مرة أخرى في حرب الردة عندما قام عمر يعارض أبا بكر ﵁ وأرضاه في قتال قوم قالوا: لا إله إلا الله. فقال: كيف تقاتلهم؟ وقد قال رسول الله ﷺ (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وقد قالوها. ولكن أبا بكر كان أفقه من عمر، فقاس الأمر وفيه نص صريح عن النبي ﷺ، فقال متمسكًا بسنة النبي ﷺ -لأن فيها النجاة-: والله والذي نفسي بيده لو منعوني عناقًا أو عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول ﷺ لقاتلتهم عليه. ولذلك قال إسحاق بن راهويه ﵁ وأرضاه: ثبت الله هذا الدين بـ أبي بكر في حرب الردة، وبـ أحمد بن حنبل في الفتنة. والغرض المقصود: أن أبا بكر ثبت وثبتت معه الأمة في التمسك بسنة النبي ﷺ. وهناك أمثلة تبين كيف كان يتحرى سنة رسول الله ﷺ، فلما جاءته الجدة تسأله عن ميراثها قال لها: أما في كتاب الله فلا أعلم لك فرضًا ولا أعلم لك شيئًا، ثم قال: وأما في سنة النبي ﷺ فلا أعلم ولعله غاب عني سنة من سنن النبي ﷺ، فارجعي إلي حتى أسأل الناس، فجمع المهاجرين والأنصار فسألهم عن نصيب أو عن فرض الجدة، فقام المغيرة بن شعبة وقال: سمعت رسول الله ﷺ جعل لها السدس، فقام محمد بن مسلمة أيضًا فقال: وأنا سمعته من رسول الله ﷺ، فقضى لها بالسدس. فقد كان يتمسك ويعض بالنواجذ على سنة النبي ﷺ وعلى نهجه ﷺ، ولذلك أصبح بعد رسول الله ﷺ ينادى بخليفة رسول الله ﷺ، بل أصبح أفضل الأمة بعد نبينا ﷺ. وعندما جاءه عمر بن الخطاب يقول له: اعزل خالدًا؛ لأن خالدًا في قتال مسيلمة قتل مالك بن نويرة، فجاء أخوه ينعى ذلك، وكان خالد متأولًا، في ذلك؛ لأنه سمعه يقول: إن صاحبكم قد فرض على الناس الزكاة، فقوله: صاحبكم، يقصد به رسول الله ﷺ. فقال خالد: صاحبنا! أوليس بصاحب لك؟! فقتله، وحسبه ارتد ولم يكن كذلك، فتأول فقتله، فكان القتل تأولًا. فقام عمر فقال: اعزل خالدًا فقد قتل المسلمين، فقال له أبو بكر -وانظر إلى دقة نظر أبي بكر؛ لأنه قد وفق بحق وثبت بحق بالتمسك بسنة النبي ﷺ، فكان تمسكه بها رفعة ونصرًا لهذا الدين- فقال له: والله والذي نفسي بيده لا أغمد سيفًا سله رسول الله ﷺ. وكان ذلك راجعًا إلى عضه على سنة النبي ﷺ بالنواجذ؛ لأن رسول الله ﷺ أمّر خالد بن الوليد على سرية، فقتل بعض من قال: صبأنا صبأنا، وأرادوا الإسلام ولكنهم أخطئوا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فلما قالوا: صبأنا صبأنا حسب خالد أنهم على الكفر فقتلهم، وهم كانوا يريدون أن يقولوا له: خرجنا من هذا الدين ودخلنا في دين الإسلام، ولكنهم لم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فقتلهم متأولًا، فقال النبي ﷺ بعد ما بلغه الأمر: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد)، أي: إن هذا فعل لا يصح، ولم يعزله النبي ﷺ، وأقره على عمله، فكان حري بـ أبي بكر أن يفعل مثل ما فعل النبي ﷺ، فيقول: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد، ولا يعزله من مكانه؛ لأن رسول الله ﷺ فعل ذلك، فلما عظ بالنواجذ على فعل النبي ﷺ كان ذلك نصرًا للإسلام. وأيضًا أمر رسول الله ﷺ أسامة بن زيد على جيش عرمرم ليغزو الروم، فلما توفي رسول الله ﷺ وكان أسامة من الصغر بمكان قال عمر: اعزل أسامة. يعني: اجعل أحدًا من أشياخ المهاجرين أو الأنصار ليكون أميرًا عليهم، فقال له أبو بكر ﵁ وأرضاه: والله لا أنزع أحدًا وضعه رسول الله ﷺ؛ فإن الخير كل الخير في ما وضعه رسول الله ﷺ. فثبت الله له الأمة بتمسكه بسنة النبي ﷺ.

13 / 10