المسائل الفقهية التي حمل النهي فيها على غير التحريم - من كتاب الطهارة إلى باب صلاة التطوع
تصانيف
الدليل الثاني: عن عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ ﵁ (^١): «أَنَّه كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا؛ أَتَّخِذُهُ مُصَلَّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ) (^٢).
وجه الاستدلال: أن طلب الصحابي ﵁ من النبي ﷺ أن يصلي في مكان في بيته -لفضل موضع صلاته ﷺ ليتخذه مصلى، وإجابته لذلك -دليل على جواز إيطان المكان الفاضل للصلاة (^٣).
يمكن أن يُناقش: بأن دلالته على الجواز في البيوت، وهو خارج محل النزاع، ولا يُقاس عليه المسجد؛ للفرق، ولورود النص فيه.
الدليل الثالث: أن معرفة موضع مَنْ يُقصد -كالعالم والمفتي- من تسهيل طرق الخير؛ للحاجة إليهما (^٤).
يمكن أن يُناقش: بأن ملازمة العالم والمفتي لموضع معين للدرس والإفتاء لا يلزم منه أنه يلازمه للصلاة، ولا يصلي في غيره! فليس ذلك الإيطان المقصود في هذه المسألة.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: حديث سلمة ﵁ الذي استدل به أصحاب القول الثاني.
وجه الاستدلال: أن في الحديث دليلًا على أنه لا بأس أن يلزم المصلي مكانًا معينًا من المسجد يصلي فيه تطوعًا، ويُكره له أن يوطن مكانًا لا يصلي فرضه إلا فيه، وبذلك يُجمع بين الأحاديث (^٥).
(^١) هو: عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بن سالم بن عوف وأمه من مزينة، كان إمام قومه بني سالم، آخى رسول الله ﷺ بين عتبان بن مالك وعمر بن الخطاب، شهد عتبان بن مالك بدرًا وأحدًا والخندق، وذهب بصره على عهد النبي ﷺ، وحديثه في الصحيحين من طريق أنس، ومحمود بن الربيع، وغيرهما عنه، ومات أيام معاوية. يُنظر: أسد الغابة (٣/ ٥٥١)، الإصابة (٤/ ٣٥٨).
(^٢) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله (١/ ١٣٤) برقم: (٦٦٧)، ومسلم كتاب الإيمان، باب مَنْ لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (١/ ٤٥٥) برقم: (٣٣).
(^٣) يُنظر: البيان والتحصيل (١/ ٣٧٠)، الفروع (٣/ ٥٩)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٩/ ٢٠٩).
(^٤) يُنظر: إكمال المعلم (٢/ ٤٢٩)، المنهاج شرح صحيح مسلم (٤/ ٢٢٦)، المبدع (٢/ ١٠٢).
(^٥) يُنظر: فتح الباري، لابن رجب (٤/ ٥٠)، كشاف القناع (١/ ٤٩٤).
1 / 258