الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
عباده في رؤية أوليائه، وكان يقول في معنى حديث أكثر أهل الجنة البله معناه الأبله في دنياه الفقيه في دينه، وكان رضي الله عنه يقول: من أثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله تعالى بموت القلب، وكان يقول: العاصي خير من المدعي لأن العاصي يطلب طريق التوبة، والمدعي يتخبط في خبال دعواه، وكان يقول: أفواه العارفين فاغرة لمناجاة القدرة، وكان يقول: الولي قد يكون مستورا، ولكن لا يكون مفتونا، وكان يقول: من لم يسمع من نهيق الحمار مثل ما يسمع من صوت العود، ودواخل المغنين فهو كذاب.
رضي الله عنه.
ومنهم أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن محمومة النصراباذي
رضي الله عنه
شيخ خراسان في وقته نيسابوري الأصل، والمولد والمنشأ يرجم إليه في أنواع من العلوم من حفظ السنن، وجمعها، وعلوم التواريخ، وعلم الحقائق، وكان أوحد المشايخ في وقته علما، وحالا صحب أبا بكر الشبلي وأبا علي الروذباري وأبا محمد المرتعش، وغيرهم من المشايخ أقام بنيسابور ثم خرج في آخر عمره إلى مكة، وحج سنة ست وستين وثلاثمائة، وأقام بالحرم مجاورا، ومات سنة سبع وستين وثلاثمائة، وكتب الحديث، ورواه، وكان ثقة، وكان رضي الله عنه يقول: من الأدب إذا اشتهر الإنسان بالزهد، ورمى الدنيا أن يتظاهر بإمساكها بين الناس ليقطع نسبة الزهد إليه، والمدار على القلب فإن الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وكان رضي الله عنه يقول: إذا بدا لك شيء من بوادي الحق فلا تلتفت معه إلى جنة، ولا إلى نار، ولا تخطرهما ببالك ثم إذا رجعت عن ذلك الحال فعظم ما عظم الله، وقيل له إن بعض الناس يجالس النسوان، ويقول: أنا معصوم في رؤيتهن فقال رضي الله عنه: ما دامت الأشباح باقية فالأمر والنهي مخاطب بهما العبد لا سيما العزاب، وكان يقول: من عمل على رؤية الجزاء كانت أعماله بالعدد، والإحصاء، ومن عمل على المشاهدة أذهلته المشاهدة عن التعداد، والعدد، وفي رواية من عمل بالعدد كان ثوابه بالعدد قال تعالى: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " " الأنعام: 160 " ومن عمل على المشاهدة كان أجره لا عد له لقوله تعالى: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " " الزمر: 15 " وكان رضي الله عنه يقول: دماء المحبين تجيش، وتغلي وهم واقفون مع الحق على مقام إن تقدموا غرقوا، وإن تأخروا حجبوا، وكان يقول: الجذب أسرع من السلوك فإن كل جذبة من الحق تغني العبد عن أعمال الثقلين، وكان يقول: أصل التصوف هو ملازمة الكتاب، والسنة، وترك الأهواء، والباع، وتعظيم حرمات المشايخ، وإقامة المعاذير للخلق، والمداومة على الأوراد، وترك ارتكاب الرخص، والتأويلات، وما ضل أحد عن هذا الطريق إلا انحط عن مقام الرجال، وكان رضي الله عنه يقول: الزاهد غريب في الدنيا، والعارف غريب في الآخرة، وكان رضي الله عنه يقول: إنما سمى الله تعالى أصحاب الكهف فتية لأنهم آمنوا بلا واسطة وكان رضي الله عنه يقول: ليس للأولياء سؤال إنما هو الذبول، والخمول وكان يقول: نهايات الأولياء بدايات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان رضي الله عنه يقول: الجمع عين التوحيد، والتفرقة حقيقة التجريد، وهو أن يكون العبد فانيا لله تعالى يرى الأشياء كلها به، وله، وإليه، ومنه.
ومنهم أبو الحسن علي بن إبراهيم الحصري
رضي الله تعالى عنه
بصري الأصل سكن بغداد، ومات بها يوم الجمعة في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة كان شيخ العراق في وقته، ولم ير مثله في زمانه من المشايخ، ولا أتم مقالا منه، ولا أحسن لسانا، ولا أعلى مكانا متوحدا في طريقته ظريفا في شمائله، وحاله.
له لسان في التوحيد يختص به، ومقام في التجريد، والتفريد لم يشاركه فيه أحد بعده، وهو أستاذ العراقيين، وبه تأدب من تأدب منهم صحب الشبلي، وإليه كان ينتمي، وصحب غيره من المشايخ، وكان رضي الله عنه يقول: مكثت زمانا إذا قرأت القرآن لا أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأقول من الشيطان الرجيم حتى يحضر كلام الحق.
قلت: ولعل هذا وقع منه قبل الكمال فإن الكمال يقرأ المراتب، ولا ينفي منها شيئا، وقد أمر الله عز وجل أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الشيطان فلو كان عدد شهوده كمالا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك والله أعلم.
وكان رضي الله عنه يقول: عرضوا، ولا تصرحوا التعريض أستر، رضي الله عنه.
ومنهم أبو عبد الله أحمد بن عطاء بن أحمد الروذباري
رحمه الله تعالى
ابن أخت أبي علي الروذباري
صفحة ١٠٥