الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
الناشر
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
سنة النشر
1315 هـ
الله عنه يقول: من لم يجعل قبلته على حقيقه ربه فسدت صلاته، وكان يقول: رؤي مجنون بني عامر في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال: غفر لي، وجعلني حجة على المحبين.
وكان رضي الله عنه يقول: من أقبل على الآخرة وركن إليها أحرقته بنورها، وصار سبيكة ذهب ينتفع به ومن أقبل على الله أحرقه بنور التوحيد، وصار جوهرا لا قيمة له، وقيل له مرة ما هي الدنيا؟ فقال رضي الله عنه ما دنا من القلب، وشغل عن الحق.
رضي الله عنه.
ومنهم أبو بكر الطمستاني
رضي الله تعالى عنه ورحمه
كان من أجل المشايخ، وأعلاهم حالا منفردا بحاله، ووقته لا يشاركه أحد فيه من أبناء جنسه، ولا يدانيه، وكان الشبلي رضي الله عنه يقول به، ويجله، ويكرمه، صحب إبراهيم الفارسي، وغيره من مشايخ الفرس، وكانوا جميعا يحترمونه.
ورد نيسابور، ومات بها سنة أربعين وثلاثمائة، وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه جالسوا الله كثيرا، وجالسوا الناس قليلا، يريد بذلك العزلة، وكان يقول: خير الناس من رأى الحق في غيره، وعلم أن السبيل إلى الله غير السبيل الذي عليه هو ولو ارتفع في المرتبة، وذلك ليرى تقصير نفسه عما كلف به، وكان رضي الله عنه يقول: من اتبع الكتاب، والسنة، وهاجر إلى الله بقلبه، واتبع آثار الصحابة لم تسبقه الصحابة إلا بكونهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه يقول: اليقظة لأهل اليقظة لعمارة الآخرة كما أن الغفلة لأهل الغفلة لعمارة الدنيا.
قلت: هذا إذا لم يقصد المحترف بحرفته نفع العباد واقتصر على جمع الدنيا فقط فإذا نوى بحرفته نفع العباد فقد عمر الدنيا، والآخرة، والله أعلم.
وكان رضي الله عنه يقول: كل من استعمل الصدق بينه، وبين الله تعالى شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله قلت: وكان شيخنا الشيخ محمد بن عنان رضي الله عنه من أهل هذا المقام فكان لا يقدر أن يرد على أحد كلاما أبدا رضي الله تعالى عنه.
وكان يقول: ماذا أصنع، والكون كله عدو لي، وكان يقول: الوصل بلا فصل فإذا جاء الفصل فلا وصل، وكان يقول: النفس كالنار إذا طفئت في موضع تأججت في موضع كذلك النفس إذا هذبت من جانب تأثرت من جانب، وكان رضي الله عنه يقول: إن لم تقدروا على أن تصحبوا الله بالأدب فاصحبوا من يصحبه لتوصلكم بركات صحبته إلى صحبة الله رضي الله عنه.
ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد الدينوري
رحمه الله تعالى آمين
صحب يوسف ين الحسين، وعبد الله بن الخراز، وأبا محمد الجريري، وأبا العباس بن عطاء، ولقي رويما وورد نيسابور، إلى سمرقند، ومات بها بعد الأربعين والثلاثمائة، وكان رضي الله عنه يقول: العلماء متفاوتون في ترتيب مشاهدات الأشياء فقوم رجعوا من الأشياء إلى الله فشاهدوا الأشياء حيث الأشياء ثم رجعوا عنها إلى الله، وقوم رجعوا من الله إلى الأشياء من غير غيبتهم عنه فلم يروا شيئا إلا ورأوا الحق قبله، وقوم بقوا مع الأشياء لأنهم لم يكن لهم طريق منهم إلى الله، وكان يقول عن أهل زمانه نقضوا أركان التصوف، وهدموا سبيلها، وغيروا معانيها بأسام أحدثوها سموا الطمع زيادة، وسوء الأدب إخلاصا، والخروج عن الحق شطحا، والتلذذ بالمذموم طيبة، واتباع الهوى ابتلاء، والرجوع إلى الدنيا، وصولا، وسوء الخلق صولة، والبخل حلاوة، والسؤال عملا، وبذاءة اللسان سلامة، وما كان هكذا طريق القوم إنما درجوا على الحياء، والأدب، والزهد في الحظوظ.
رضي الله عنهم أجمعين.
ومنهم أبو عثمان سعيد بن سلام المغربي
رضي الله تعالى عنه
من القيروان من قرية يقال لها كوكب أقام بالحرم الشريف مدة، وكان شيخه، وصحب أبا علي بن الكاتب حبيبا المصري. وأبا عمرو الزجاجي، ولقي النهرجوري ، وأبا الحسين بن الصائغ الدينوري، وغيرهم من المشايخ، ولم ير مثله في علو الحال، وصون الوقت وصحة الحكم بالفراسة، وقوة الهيبة، ورد نيسابور، ومات بها سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وأوصى أن يصلي عليه الإمام أبو بكر بن فورك، وكان يقول: من حفظ جوارحه تحت الأوامر فهو في اعتكاف على الدوام، وكان رضي الله عنه يقول: أبي الملك الجبار إلا أن يختبر أولياءه بتسليط عدوهم عليهم ليرى كيف صبرهم عليه فإن صبروا على بلوى عدوهم جللهم بعلمه، وحباهم بوصله، وأسكنهم في جواره، ونعمهم بمشاهدته، ولذذهم بذكره، وأوصلهم بمعرفته، وجعلهم أئمة يقتدي بهم، ونجاة لعباده، ورحمة في أرضه.
قلت: ومعنى صبرهم على عدوهم أن يصبروا على مجاهدته في ترك ما يأمرهم به، ولا يتقلقوا من كثرة وساوسه فيطيعوه والله أعلم، وكان رضي الله عنه يقول: إن الله جعل أنس
صفحة ١٠٤