لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية-١٤٠٢ هـ
سنة النشر
١٩٨٢ م
مكان النشر
دمشق
يُسَلِّمْ لِلْمَنْقُولِ، وَقَابَلَهُ بِالرَّدِّ بِالْمَعْقُولِ، فَهُوَ ضَالٌّ مَخْبُولٌ، فَمَذْهَبُنَا هُوَ مَا وَافَقَ صَحِيحَ الْمَنْقُولِ، وَصَرِيحَ الْمَعْقُولِ الَّذِي يَجْمَعُ مَا فِي الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الصَّوَابِ، وَيَجْتَنِبُ مَا فِيهَا مِنَ الْخَطَأِ وَالِارْتِيَابِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ الْحَقِّ بِمَا ضَرَبَهُ فِيهِ مِنَ الْأَمْثَالِ لِلْخَلْقِ، وَيَذْكُرُ لَكَ مِنَ الْبَرَاهِينِ، مَا يُفِيدُ لِسَلِيمِ الصَّدْرِ عَيْنَ الْيَقِينِ، فَإِذَا تَأَمَّلَ الْعَاقِلُ الْفَهِيمُ نِهَايَةَ مَا يَذْكُرُهُ أَهْلُ النَّظَرِ مِنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ، يَجِدُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ أَكْمَلَ مِنْهُ وَأَوْضَحَ بَيَانًا، مَعَ سَلَامَتِهِ مِنَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ، وَزُبَالَاتِ أَفْهَامِ الرِّجَالِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُهُ مُتَلَقًّى مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ وَلَا مُنْتَفِعٍ بِهِ، بَلْ ضَرُّهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، وَعَلَامَةُ هَذَا الْعِلْمِ - كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ - أَنْ يَكْتَسِبَ صَاحِبُهُ الزَّهْوَ وَالْفَخْرَ، وَالْعُجْبَ وَالْخُيَلَاءَ، وَطَلَبَ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالْمُنَافَسَةِ فِيهَا وَطَلَبَ مُبَاهَاةِ الْعُلَمَاءِ، وَمُمَارَاةِ السُّفَهَاءِ، وَصَرْفِ وُجُوهِ النَّاسِ إِلَيْهِ.
وَمُرَادِي بِالشَّيْخِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ أُطْلِقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَمُرَادِي بِالْمُحَقِّقِ تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَبِالْعَلَّامَةِ ابْنُ مُفْلِحٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ غَالِبَ مَا فِي هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ سَتَمُرُّ بِكَ فِي مَحَالِّهَا، وَإِنَّمَا قَصَدْتُ جَمْعَهَا لَكَ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهَا، وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[تفسير بسملة المتن]
[تفسير البسملة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
" بِسْمِ اللَّهِ " أَيْ بَاسْمِ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ الْأَعْظَمِ، الْمَوْصُوفِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ، فَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُهُ فِعْلًا خَاصًّا مُؤَخَّرًا أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ اسْمًا عَامًّا مُقَدَّمًا، أَمَّا أَوْلَوِيَّةُ كَوْنِهِ فِعْلًا ; فَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعَمَلِ، وَحِينَئِذٍ فَمَحَلُّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ النَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ، وَأَمَّا أَوْلَوِيَّةُ كَوْنِهِ خَاصًّا ; فَلِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَتَقْدِيرُ أُؤَلِّفُ عِنْدَ التَّأْلِيفِ أَوْلَى مِنْ أَبْتَدِئَ، وَكَذَا عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيُقَدَّرُ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ مَا يُنَاسِبُهُ، وَأَمَّا أَوْلَوِيَّةُ تَقْدِيرِهِ مُؤَخَّرًا فَلِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا الِاهْتِمَامُ بِالِابْتِدَاءِ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَفْظًا وَتَقْدِيرًا ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى -
1 / 28