لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
﵇ فِي نُزُولِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، فَنَشْهِدَ شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِلِسَانِهِ، مُصَدِّقٍ بِقَلْبِهِ، مُسْتَيْقِنٍ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ نُزُولِ الرَّبِّ، مِنْ غَيْرِ أَنَّ نِصْفَ الْكَيْفِيَّةِ لِأَنَّ نَبِيَّنَا الْمُصْطَفَى لَمْ يَصِفْ لَنَا كَيْفِيَّةَ نُزُولِ خَالِقِنَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ يَنْزِلُ، وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا وَلَّى نَبِيَّهُ ﵇ بَيَانَ مَا بِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ وَمُصَدِّقُونَ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَنْ ذِكْرِ النُّزُولِ غَيْرُ مُكَلِّفِينَ لِلْعُقُولِ بِصِفَةِ الْكَيْفِيَّةِ، إِذِ النَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَصِفْ لَنَا كَيْفِيَّةَ النُّزُولِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ بِأَسَانِيدِهِ.
[تَنْبِيهَاتٌ]
[التنبيه الأول التأويل الذي يحيل هذه النصوص بمنزلة تأويلات القرامطة والباطنية في الحج والصلاة]
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: الَّذِي يُلْزِمُ مَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ صِفَةِ النُّزُولِ يُلْزِمُ مِثْلَهُ مَنْ قَالَ بِصِفَةِ الْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ لَهُ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ إِلَّا الْأَعْرَاضُ الَّتِي لَا تَقُومُ إِلَّا بِجَوَارِحِنَا، فَكَمَا نَقُولُ نَحْنُ وَإِيَّاهُمْ حَيَاتُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ لَيْسَتْ بِأَعْرَاضٍ، بَلْ هِيَ صِفَاتٌ كَمَا يَلِيقُ بِهِ لَا كَمَا تَلِيقُ بِنَا، فَنَقُولُ نَحْنُ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ نُزُولُهُ وَفَوْقِيَّتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُكَيَّفٍ بِكَيْفِيَّةٍ وَلَا انْتِقَالٍ يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ، بَلْ هُوَ كَمَا أَخْبَرَ هُوَ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ مِمَّا يَلِيقُ بِجَلَالِ عَظْمَتِهِ وَبَاهِرِ كِبْرِيَائِهِ، لِأَنَّ ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ثُبُوتٌ وَعِلْمُ وُجُودٍ بِلَا كَيْفِيَّةٍ وَلَا تَحْدِيدٍ، فَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، فَسَبِيلُهُ وَاحِدٌ مِنَ النُّزُولِ، وَالْيَدُ وَالْقَدَمُ وَالْوَجْهُ وَالْغَضَبُ وَالرِّضَا وَغَيْرُهَا فَاحْفَظْهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ - فِي رِسَالَتِهِ الْحَمَوِيَّةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ الصَّرِيحِ، وَلَا فِي النَّقْلِ الصَّحِيحِ مَا يُوجِبُ مُخَالَفَةَ الطَّرِيقَةِ السَّلَفِيَّةِ أَصْلًا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَاءَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ بِالِاضْطِرَارِ، كَمَا أَنَّهُ جَاءَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَالتَّأْوِيلُ الَّذِي يُحِيلُهَا عَنْ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ، ثُمَّ إِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ يُوَافِقُ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ، وَإِنْ كَانَ فِي النُّصُوصِ مِنَ التَّفْصِيلِ مَا يَعْجِزُ الْعَقْلُ عَنْ دَرْكِ تَفْصِيلِهِ عَلَى أَنَّ الْأَسَاطِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَالْفُحُولَ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الْعَقْلَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْيَقِينِ فِي عَامَّةِ الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ
1 / 247