لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
الناشر
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٠٢ هجري
مكان النشر
دمشق
تصانيف
العقائد والملل
إِلَّا عَلَى الْمِرِّيسِيِّ) فَبَدَأَ مِنْهَا بِالْوَجْهِ، ثُمَّ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ، وَالْفَرَحِ وَالْكُرْهِ، وَالضَّحِكِ وَالْعَجَبِ وَالسُّخْطِ، وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ، وَالْأَصَابِعِ وَالْكَفِّ وَالْقَدَمِ وَالْيَدِ وَالْيَمِينِ وَالْعَيْنِ، وَالْإِتْيَانِ، وَالْمَجِيءِ، وَالنَّفْسِ وَالتَّكْلِيمِ.
قَالَ: عَمَدَ الْمُخَالِفُ إِلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ فَنَسَّقَهَا، وَنَظَّمَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ قَرَّرَهَا أَبْوَابًا فِي كِتَابِهِ، وَتَلَطَّفَ بِرَدِّهَا بِالتَّأْوِيلِ كَتَلَطُّفِ الْجَهْمِيَّةِ، مُعْتَمِدًا فِيهَا عَلَى الْمِرِّيسِيِّ، وَيُدَلِّسُ عِنْدَ الْجُهَّالِ بِالتَّشْنِيعِ بِهَا عَلَى قَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَيُصَدِّقُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهَا بِغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ، فَزَعَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِهَا يُكَيِّفُونَهَا وَيُشْبِهُونَهَا بِذَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا بِزَعْمِهِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا اجْتِهَادَ رَأْيٍ، لِيُدْرَكَ كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَوْ يُشَبَّهَ شَيْءٌ مِنْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا هُوَ فِي الْخَلْقِ، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ كَمَا أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ لَيْسَ كَصِفَاتِهِ شَيْءٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: فَقُلْنَا لِلْمُعَارِضِ الْمُدَلِّسِ بِالتَّشْنِيعِ أَنَّ قَوْلَهُ كَيْفِيَّةُ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَتَشْبِيهُهَا بِمَا هُوَ فِي الْخَلْقِ خَطَأٌ، فَإِنَّا لَا نَقُولُ كَمَا قُلْتَ، فَنَحْنُ لَا نُكَيِّفُهَا، وَلَا نُشَبِّهُهَا وَلَا نَكْفُرُ بِهَا، وَلَا نُكَذِّبُهَا، وَلَا نُبْطِلُهَا بِتَأْوِيلِ الضَّلَالِ كَمَا أَبْطَلَهَا الْمِرِّيسِيُّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنَ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي تَكْيِيفِ صِفَاتِ اللَّهِ، فَإِنَّا لَا نُجِيزُ اجْتِهَادَ الرَّأْيِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي نَرَاهَا بِأَعْيُنِنَا، وَنَسْمَعُهَا بِآذَانِنَا، فَكَيْفَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَمْ تَرَهَا الْعُيُونُ، وَقَصُرَتْ عَنْهَا الظُّنُونُ، غَيْرَ أَنَّا لَا نَقُولَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْمِرِّيسِيُّ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتَ كُلَّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ السَّمْعُ مِنْهُ غَيْرَ الْبَصَرِ وَأَنَّ الرَّحْمَنَ، بِزَعْمِكُمْ لَيْسَ يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ سَمْعًا مِنْ بَصَرٍ، وَلَا بَصَرًا مِنْ سَمْعٍ، وَلَا وَجْهًا مِنْ يَدَيْنِ، وَلَا يَدَيْنِ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ كُلُّهُ - بِزَعْمِكُمْ - سَمْعٌ وَبَصَرٌ وَوَجْهٌ وَيَدٌ وَنَفْسٌ وَعِلْمٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]، وَقَالَ ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ٧٧]، وَقَالَ تَعَالَى ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] وَلَمْ يَقُلْ يَسْمَعُ اللَّهُ فَلَمْ يَذْكُرِ الرُّؤْيَةَ فِيمَا يَسْمَعُ، وَلَا السَّمْعَ فِيمَا يَرَى - إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ الَّذِي رَدَّ بِهِ عَلَى الْمِرِّيسِيَّةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ: بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ ثَابِتَةِ السَّنَدِ صَحِيحَةِ الْقِوَامِ، رَوَاهَا عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
1 / 246