193

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

الناشر

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٢ هجري

مكان النشر

دمشق

تصانيف

Creeds and Sects
فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: «آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ»:
مَجِّدُوا اللَّهَ فَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْلٌ ... رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيرَا
بِالْبِنَاءِ الْأَعْلَى الَّذِي سَبَقَ الْخَلْـ ... ـقَ وَسَوَّى فَوْقِ السَّمَاءِ سَرِيرَا
شَرْجَعًا مَا يَنَالُهُ نَظَرُ الْعَيْ ... نِ يَرَى دُونَهُ الْمَلَائِكَ صُوَرَا.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ إِحْصَاؤُهُ، فَتَارَةً يُخْبِرُ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ اسْتِوَاءَهُ عَلَى الْعَرْشِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَتَارَةً يُخْبِرُ بِعُرُوجِ الْأَشْيَاءِ وَصُعُودِهَا وَارْتِفَاعِهَا إِلَيْهِ، وَتَارَةً يُخْبِرُ بِنُزُولِهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَتَارَةً يُخْبِرُ بِأَنَّهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] وَقَوْلِهِ ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] .
وَتَارَةً يُخْبِرُ بِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَتَارَةً يَجْعَلُ بَعْضَ الْخَلْقِ عِنْدَهُ دُونَ بَعْضٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ - وَمَنْ عِنْدَهُ - إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف: ١٨ - ٢٠٦]
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فَلَوْ كَانَ مُوجِبُ الْعِنْدِيَّةِ مَعْنًى عَامًّا لِدُخُولِهِمْ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ مَخْلُوقٍ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَتِهِ بَلْ مُسَبِّحًا لَهُ سَاجِدًا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] وَهُوَ سُبْحَانُهُ وَصَفَ الْمَلَائِكَةَ بِذَلِكَ رَدًّا عَلَى الْكُفَّارِ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ عِبَادَتِهِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ هَذِهِ النُّصُوصُ مِنْ إِثْبَاتِ عُلُوِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ هُوَ الْحَقُّ أَوِ الْحَقُّ نَقِيضُهُ إِذِ الْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنِ النَّقِيضَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ جَلَّ شَأْنُهُ نَفْسُهُ فَوْقَ الْخَلْقِ أَوْ لَا يَكُونَ فَوْقَ الْخَلْقِ كَمَا يَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ سُبْحَانَهُ لَا فَوْقَهُمْ، وَلَا فِيهِمْ، وَلَا دَاخِلَ الْعَالَمِ، وَلَا خَارِجَهُ، وَلَا مُبَايَنٌ وَلَا مُحَايَثٌ
وَتَارَةً يَقُولُونَ هُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كِلَا الْمَقَالَتَيْنِ يَدْفَعُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ نَفْسُهُ فَوْقَ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ أَوْ نَفْيَهُ، فَإِنْ كَانَ نَفْيُ ذَلِكَ هُوَ الْحَقَّ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يُبَيِّنْ هَذَا قَطُّ لَا نَصًّا، وَلَا ظَاهِرًا، وَلَا الرَّسُولُ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ

1 / 193