وقال الله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ (^١) إلى قوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ (^٢).
وقال الله تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (^٣). وقال الله تعالى: ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ (^٤). وقال الله تعالى عن مؤمنِ آلِ فرعونَ أنه (^٥) قال لقومه: ﴿يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ (^٦).
والمَتاعُ: هو ما يتمتَّعُ به صاحبُه بُرْهةً ثم ينقطِعُ ويفنَى. فما عِيبَتِ الدُّنيا بأبلغَ (^٧) من ذِكرِ فنائِها وتقلُّب أحوالِها، وهو أدلُّ دليلٍ على انقضائها وزَوالِهَا، فتتبدَّلُ صحتُها بالسُّقْمِ، ووجودُها بالعدَمِ، وشبيبتُها بالهرَمِ، ونعيمُها بالبؤسِ، وحياتُها بالموتِ، فتفارِقُ الأجسامُ النفوسَ (^٨)، وعمارتُها بالخراب، واجتماعُها بفُرْقةِ الأحبابِ، وكُلُّ ما فوقَ التُّرابِ ترابٌ.
قال بعضُ السَّلَفِ في يوم عيدٍ، وقد نظرَ إلى كثرة النَّاسِ وزينةِ لباسِهم: هل تَرَوْنَ إلَّا خِرَقًا تبلَى، أو لحمًا يأكلُه الدُّودُ غدًا؟. كان الإِمامُ أحمدُ ﵁ يقولُ: يا دارُ، تخرَبينَ ويموتُ سُكانُك. وفي الحديث: عجبًا لمن رأى الدُّنيا وَسُرْعَةَ تَقلُّبِها بأهلِها كيفَ يطمئنُّ إليها. قال الحَسَن: إنَّ الموتَ قد فَضَحَ الدُّنيا فلم يَدَعْ لذِي لُبٍّ بها فرحًا. وقال مُطَرِّف (^٩): إنَّ هذا الموتَ قد أفسَدَ على أهل النَّعيم نعيمَهم، فالتمِسُوا نعيمًا لا مَوْتَ فيه.
[وقال بعضهم: ذهَبَ ذِكرُ الموت بلذة كل عيشٍ وسرورِ كلِّ نعيمٍ، ثم بكى
_________
(^١) سورة الحديد الآية ٢٠.
(^٢) سورة الحديد الآية ٢١.
(^٣) سورة الأعلى الآية ١٦ و١٧.
(^٤) سورة التوبة الآية ٣٨.
(^٥) لفظة "أنه" سقطت من (آ).
(^٦) سورة غافر الآية ٣٩.
(^٧) في ب، ط: "بأكثر".
(^٨) في ع: "للنفوس".
(^٩) هو مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير العامري البصري، الفقيه العابد، المجاب الدعوات، مات سنة ٩٥ هـ، وقيل غير ذلك. (شذرات الذهب ١/ ٣٨٦) طبع دار ابن كثير.
1 / 70