[وقال بعضهم: خلق الله الأرضَ أولًا، ثم خلق السماء، ثم دَحَا الأرض بعد أن خلق السَّماء. وقيل: خلق الله تعالى زمردة خضراء كغلظِ السماوات والأرض، ثم نظر إليها نظر العظمة، فانْماعَتْ، يعني ذابت فصارت ماء، فمن ثمَّ يُرى الماءُ دائمًا يتحرَّك من تلك الهيبة. ثم إنَّ الله تعالى رفع من البحر بخارًا وهو الدُّخان الذي ذكره في قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ (^١) فخلق السَّماء من الدُّخان، وخلق الأرض من الماء، والجبالَ من موج الماء. وقال وهْب: أوَّل ما خلق الله تعالى مكانًا مظلمًا، ثم خلق جوهرةً فأضاءت ذلك المكان، ثم نظر إلى الجوهرة نظرةَ الهيبةِ فصارت ماء، فارتفع بخارها وزَبَدُها، فخلَقَ من البخار السماوات، ومن الزَّبَد الأرضين. وروى عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ أنه قال: "إنَّ الله ﷿ خَلَقَ خَلْقَهُ من ظُلْمَةٍ، ثم ألقى عليهم مِن نوره، فمن أصابَهُ يومئذٍ من ذلك النُّور اهْتَدَى، ومن أخطأه ضَلَّ" (^٢).
وقال عمر بن الخطاب ﵁ لكعب الأحبار: ما أوَّلُ شيءٍ ابتدأ الله تعالى من خلقه؟ قال كعب: كتب الله كتابًا لم يكتبْه قلمٌ ولا دواة، أي مداد؛ كتابه الزَّبرجدُ واللؤلؤ والياقوت: إنني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وأنَّ محمّدًا عبدي ورسولي، سبقَتْ رحمتي غضبي. قال كعب: فإذا كان يوم القيامة أخرج الله ذلك الكتابَ، فيخرج من النار مثلَيْ عددِ أهلِ الجنَّة فيدخلهم الجنة.
وقال سلمان وعبد الله بن عمرو: إنَّ لله تعالى مائةَ رحمةٍ كما بين السماء والأرض، فأنزل منها رحمةً واحدةً إلى أهل الدُّنيا، فبها يتراحم الجنُّ والإِنس، وطيرُ السَّماء، وحيتانُ الماء، وما بين الهواء ودوابّ الأرض وهوامها. وادخر عنده تسعًا وتسعين رحمةً، فإذا كان يوم القيامة أنزل تلك الرحمة إلى ما عنده فيرحم بها عباده] (^٣). والآثارُ في هذا الباب كثيرةٌ، وهذا كله يُبيِّنُ أن السماواتِ والأرضَ خُلِقَتْ
_________
(^١) سورة فصلت الآية ١١.
(^٢) رواه أحمد في "مسنده" ٢/ ١٧٦، ١٩٧، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ١٩٣ - ١٩٤، وقال: "رواه أحمد بإسنادين، والبزار، والطبراني، ورجال أحد إسنادي أحمد ثقات".
(^٣) ما بين القوسين زيادة لم ترد في النسخ الأربع المعتمدة، وهي في المطبوع فقط، ولعلها من زيادات النساخ.
1 / 61