لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين

عبد الغفار مكاوي ت. 1434 هجري
72

لحن الحرية والصمت: الشعر الألماني في القرن العشرين

تصانيف

42

ولكن لم يتطرف فيه أحد - بقدر علمي - كما تطرف جومرنجر وطائفة من الشعراء الذين يكتبون في هذه الأيام مثل: فرانز مون، وأرنست ياندل، وبيتر هيرتلنج وكونراد باير وجرهاردروم،

43

وغيرهم ممن سنتحدث عن بعضهم بعد قليل، ويعد جومر ينجر أول من نادى بما يوصف اليوم بالشعر المجسم أو الشعر الملموس

الذي يحاول أن يعيد للكلمة المفردة أهميتها ووزنها وفاعليتها واستقلالها، بحيث تصبح هذه الكلمة - فيما يقول أحد رواد هذا التيار - كالزنزانة المنفردة التي تحمل كل إمكانيات تأثيرها، وهناك تجارب عديدة من هذا النوع نرجو أن نعرض لشيء منها في القسم التالي من هذا الحديث، وما أوردنا «القصيدة» السابقة في هذا السياق إلا لأنها قد ظلمت نفسها، أو ظلمتنا وظلمت الأحباب والعشاق، حين سمت نفسها قصيدة حب ... (4) اللعب

الشعر نهر حي، حركة دائمة لا تتوقف، وقد لمحنا بعض المقومات التي تميز القصيدة الحديثة، وتترك أثرها على معظم ما يكتب من الشعر منذ أن أتم نسيجه، وأحكم بناءه الرواد الثلاثة الكبار، كما أشرنا إلى ما يبذل في الشعر الألماني منذ سنوات قليلة من جهود في سبيل مزيد من التجريد، والتجريب، والموضوعية، والبعد عن الفردية، والنزعة العاطفية، والتأثر بالأنظار والتصورات الجديدة في العلوم والفنون المختلفة، إلى جانب محاولات جديدة يائسة مع اللغة - وهي محاولات مخيفة حقا، ولكنها تلمس القلب بأمانتها وإخلاصها، وتأسر العقل بذكائها وسعة اطلاع أصحابها.

أتكون هذه التجارب والمحاولات صادرة عن نزعة اللعب التي تميز الإنسان منذ أن بدأ ينتج فنا، وتجعله إنسانا بحق كما قال الشاعر الكبير فريدريش شيلر (1759-1805م)؟ أليست التجربة والمغامرة في الأدب أو في غيره نوعا من اللعب الفطري الكامن في نفوس الأطفال الكبار الذين نسميهم فنانين وشعراء؟

إن ما أقصده باللعب مرتبط باتجاه الشعر الحديث والمعاصر إلى المزيد من التجريد والتخلي عن الذات، فهو يساعدها من ناحية على حماية نفسها من القوى الخارجية، التي تريد أن تدمرها وتلغيها؛ ولهذا يصبح محاولة للاحتجاج والنجاة في آن واحد، الاحتجاج على عوامل القهر والظلم والإحباط المحيطة بها، والسخط على «غابة» العواطف والانفعالات، التي فتحت عينيها فوجدتها تتكاثف في أرض الشعر، وتهدد بالالتفاف حول الشاعر وخنق أنفاسه - ومن الطبيعي أن يفزع الشاعر إلى اللعب والتجربة، لينجو من الأدغال القديمة والطوفان الموروث، الذي يغرق ذاته بأمواج العواطف والأحزان والآلام ... وأن يميل إلى «العبث» بالألفاظ والتراكيب والصور والاستعارات والرموز والأساطير، لينقذ نفسه من المحنة التي توشك أن تطبق عليه، ويتخفف من أعباء التراث الذي يشعر أنه لا يستطيع أن يستمر فيه ... ليلعب إذن لعله أن يجد مخرجا من المحنة، أو يجد البهجة في الفرحة البريئة التي تصاحب اللعب، وليحذر كذلك من المجازفة التي تلازمه!

ويصف هانز آرب

Hans Arp. - (وهو كما تقدم شاعر ورسام ونحات تجريدي كتب قصائده بالفرنسية والألمانية، وأسهم في تأسيس الحركة الدادية والسيريالية في سويسرا وفرنسا) - يصف هذه الحالة بأبيات يقول فيها عن الشاعر الذي تهيأ للعب الحر:

صفحة غير معروفة