واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسا، وكل نفس خزانة، فاحذر أن تذهب نفسا في غير شيء، فترى يوم القيامة خزانة فارغة فتندم.
وقد قال رجل لعامر بن عبد قيس: قف أكلمك! فقال: أمسك الشمس.
وقعد قوم عند معروف [الكرخي] رحمه الله، فقال: أما تريدون أن تقوموا، فإن ملك الشمس يجرها لا يفتر.
وفي الحديث: "من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة"، فانظر إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخل.
وقد كان السلف يغتنمون اللحظات، فكان كهمس [بن الحسن التميمي] يختم القرءان في كل يوم وليلة ثلاث مرات، وكان أربعون رجلا من السلف يصلون الفجر بوضوء العشاء، وكانت رابعة لا تنام الليل، فإذا طلع الفجر هجعت هجعة خفيفة وقامت فزعة وقالت لنفسها: النوم في القبور طويل.
فصل في أن الحياة الدنيا قصيرة يجب اغتنامها
ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد، رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج رأى مدة قصيرة، وعلم أن اللبث في القبور طويل، فإذا تفكر في يوم القيامة، علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة أو النار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلا فإنه يمضي منها ثلاثون في النوم، ونحو من خمس عشر في الصبا، فإذا حسبت الباقي، كان أكثره في الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا، فبماذا تشتري الحياة الأبدية، وإنما الثمن هذه الساعات؟!
فصل في نقض اليأس والقنوط، والإقبال على الجد والعمل
صفحة ٦