واستر نفسك بثوبين جميلين، لا يشهرانك بين أهل الدنيا برفعتهما، ولا بين المتزهدين بضعتهما، وحاسب نفسك عند كل نظرة وكلمة وخطوة، فإنك مسؤول عن ذلك، وعلى قدر انتفاعك بالعلم ينتفع السامعون، ومتى لم يعمل الواعظ بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل الماء عن الحجر؛ فلا تعظن إلا بنية، ولا تمشين إلا بنية، ولا تأكلن إلا بنية، ومع مطالعات أخلاق السلف ينكشف لك الأمر.
فصل في كتب مفيدة
وعليك بكتاب " منهاج المريدين " فإنه يعلمك السلوك، فاجعله جليسك ومعلمك، وتلمح كتاب " صيد الخاطر " فإنك تقع بواقعات تصلح أمر دينك ودنياك، واحفظ كتاب " جنة النظر " فإنه يكفي في تلقيح فهمك للفقه، ومتى تشاغلت بكتاب " الحدائق " أطلعك على جمهور الحديث، وإذا التفت إلى كتاب " الكشف " أبان لك مستور ما في الصحيحين من الحديث، ولا تشاغلن بكتب التفاسير التي صنفتها الأعاجم، وما ترك " المغني " و" زاد المسير " حاجة إلى شيء من التفاسير، وأما ما جمعته لك من كتب الوعظ فلا حاجة بعدها إلى زيادة أصلا.
فصل في المداراة والحلم
وكن حسن المداراة للخلق، مع شدة الاعتزال عنهم، فإن العزلة راحة من خلطاء السوء، ومبقية للوقار، فإن الواعظ خاصة ينبغي أن لا يرى متبذلا، ولا ماشيا في سوق ولا ضاحكا، ليحسن الظن به، فينتفع بوعظه.
فإذا اضطررت إلى مخالطة الناس فخالطهم بالحلم عنهم، فإنك إن كشفت عن أخلاقهم لم تقدر على مداراتهم.
فصل في الحفاظ على الحقوق ومراعاة عواقب الأمور
وأد إلى كل ذي حق حقه، من زوجة أو ولد أو قرابة، وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودعها إلا أشرف ما يمكن، ولا تهمل نفسك وعودها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه، وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه، كما قيل:
صفحة ١٢