وينبغي أن تسمو همتك إلى الكمال، فإن خلقا وقفوا مع الزهد، وخلقا تشاغلوا بالعلم، وندر أقوام جمعوا بين العلم الكامل والعمل الكامل. واعلم أني قد تصفحت التابعين ومن بعدهم فما رأيت أحظى بالكمال من أربع أنفس: سعيد بن المسيب، وسفيان الثوري، والحسن البصري، وأحمد بن حنبل؛ وقد كانوا رجالا إنما كانت لهم همم ضعفت عندنا، وقد كان في السلف خلق كثير لهم همم عالية، فإذا أردت أن تنظر إلى أحوالهم فانظر في كتاب " صفة الصفوة "، وإن شئت " أخبار سعيد " و" أخبار سفيان " و" أخبار أحمد بن حنبل "، فقد جمعت لكل واحد منهم كتابا.
فصل في فضل الحفظ والصدق
وقد علمت يا بني أنني قد صنفت مائة كتاب، فمنها " التفسير الكبير " عشرون مجلدا، و" التاريخ " عشرون مجلدا، و" تهذيب المسند " عشرون مجلدا، وباقي الكتب بين كبار وصغار يكون خمس مجلدات، ومجلدين وثلاثة، وأربعة، وأقل وأكثر؛ كفيتك بهذه التصانيف عن استعارة الكتب وجمع الهمم في التأليف. فعليك بالحفظ، فإن الحفظ رأس المال، والتصرف ربح، واصدق في الحالين في الالتجاء إلى الله سبحانه، فراع حدوده، قال الله تعالى: {إن تنصروا الله ينصركم} [سورة محمد/7]، {فاذكروني أذكركم} [سورة البقرة/152]، {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [سورة البقرة/140].
فصل في أن البركة والنفع مقرون بالعمل بالعلم
وإياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به، فإن الداخلين على الأمراء والمقبلين على أهل الدنيا، قد أعرضوا عن العمل بالعلم، فمنعوا البركة والنفع به.
فصل في النية الصالحة مع العمل بعلم
وإياك أن تتشاغل بالتعبد من غير علم، فإن خلقا من المتزهدين والمتصوفة ضلوا طريق الهدى إذ عملوا بغير علم.
صفحة ١١