ما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلا منهم والكذب مذموم إلا فيهم وإذا ذموا ثلبوا وإذا مدحوا سلبوا وإذا رضوا رفعوا الوضيع وإذا غضبوا وضعوا الرفيع وإذا افتروا على أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم حد ولم يمتد إليهم يد إلى آخر ما قال في وصفهم وفي الفقرة الأخيرة إشارة إلى ما حكي عن الفرزدق انه أنشد سليمان بن عبد الملك قصيدته التي يقول فيها:
فبتن بجانبي مصرعات * وبت افض الاغلاق الختام فقال له ويحك يا فرزدق أقررت عندي بالزنا ولا بد من حدك فقال له كتاب الله تعالى يدرأ عني الحد قال وأين؟ قال قوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر انهم في كل واد يهيمون وانهم يقولون ما لا يفعلون) فضحك وأجازه وعن هذه القصة اخذ صفي الدين الحلي قوله:
نحن الذين اتى الكتاب مخبرا * بعفاف أنفسنا وفسق الألسن والخوارزمي يأتي في اخطب خوارزم.
(أبو بكر الرازي) محمد بن زكريا الطبيب المشهور، نقل عن كتاب تأريخ
الحكماء للشهرزوري وغيره ان هذا الرجل كان في مبدأ امره صائغا ثم اشتغل بعلم الإكسير فرمدت عيناه بسبب أبخرة العقاقير فذهب إلى طبيب ليعالجه فقال لا أعالجك حتى آخذ منك خمسمائة دينار فدفع إليه ذلك فقال هذا الكيمياء لا ما اشتغلت به، فترك الإكسير واشتغل بالطب حتى نسخت تصانيفه تصانيف من قبله من الأطباء المتقدمين، وتولى رياسة أطباء مارستان بغداد. حكي عنه انه كان يجلس في مجلسه ودونه التلاميذ، ودونهم تلاميذهم، ودونهم تلاميذ آخرون. فكان يجئ الرجل فيصف ما يجد الأول من يلقاه فان كان عندهم علم وإلا تعداهم إلى غيرهم فان أصابوا وإلا تكلم الرازي وكان رؤوفا بالمرضى ومولعا بالعلوم الحكمية وله فيها مصنفات
صفحة ٢٣