بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
خير مَنْطُوق بِهِ أَمَام كل مقَال، وَأفضل مصدر بِهِ كل كتاب فِي كل حَال، مُقَدّمَة تَنْزِيل الْقُرْآن، وَآخر دَعْوَى سكان منَازِل الْجنان، لمن رسمت آيَات جبروته على صفحات الْأَنْفس والآفاق، ورقمت سطور عظموته فِي جباه السَّبع والطباق، ثمَّ أولى مَا قفي بِهِ ذَلِك، وَأَحْرَى مَا شفع بِهِ للسالك، هُوَ التحنن والاستغماد والاستجلاب، حَسْبَمَا سرد رب الأرباب، على أنفس جَوْهَرَة توجت بهَا هَامة تهَامَة، وأصوب سهم استخرج من كنَانَة كنَانَة، وأسنى أنوار السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وأبهى أسرار ملكوته بالطول وَالْعرض، وَأحمد من حمد وَحمد، وأوفى من وعد وعهد، مُحَمَّد الَّذِي ابتهجت بيمن أخمصيه سرة الْبَطْحَاء، وباهت بترب نَعْلَيْه حظائر الْقُدس فَوق الْقبَّة الشماء، وعَلى حواريه الَّذين اجتهدوا فِي تأسيس قَوَاعِد الْكَلم، واستفرغوا فِي تشييد ضوابط الحكم.
وَبعد: فمذ أميطت عني التمائم، ونيطت بِي العمائم، قدر الله لي أَن ألازم الْكتاب وأداوم الْفُنُون، وأكتحل بإثمد اللَّيَالِي لتنوير الْعُيُون، ملتقطا فرائدها، ومرتبطا بِالْكِتَابَةِ فوائدها، مَا رَأَيْت فَنًّا إِلَّا وَكنت فِيهِ خَطِيبًا، مَا ألفيت غصنا إِلَّا وصرت فِيهِ عندليبا. وَالْكتاب إِلَيّ أحب من كل حبيب، وأعجب لدي من كل عَجِيب. فَإِن الْعلم فَخر يبْقى على مُرُور الأحقاب، وَذكر يتوارثه الأعقاب بعد الأعقاب، وَأول الْمجد وَآخره، وباطن الشّرف وَظَاهره، بِهِ يترقى على كل الْمَرَاتِب، وَبِه يتَوَصَّل إِلَى المآرب والمطالب؛ وَهُوَ الأرتع مرعاه، وَهُوَ الأرفع مسعاه يمْلَأ الْعُيُون نورا، والقلوب سُرُورًا؛ وَيزِيد الصُّدُور انشراحا، ويفيد الْأُمُور انفساحا؛ وَهُوَ الْغنم الْأَكْبَر والحظ الأوفر والبغية الْعُظْمَى والمنية الْكُبْرَى، وتعريف الْمَعْرُوف من بَاب الْمَرْدُود، كَمَا أَن الزِّيَادَة على
1 / 15