بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
خير مَنْطُوق بِهِ أَمَام كل مقَال، وَأفضل مصدر بِهِ كل كتاب فِي كل حَال، مُقَدّمَة تَنْزِيل الْقُرْآن، وَآخر دَعْوَى سكان منَازِل الْجنان، لمن رسمت آيَات جبروته على صفحات الْأَنْفس والآفاق، ورقمت سطور عظموته فِي جباه السَّبع والطباق، ثمَّ أولى مَا قفي بِهِ ذَلِك، وَأَحْرَى مَا شفع بِهِ للسالك، هُوَ التحنن والاستغماد والاستجلاب، حَسْبَمَا سرد رب الأرباب، على أنفس جَوْهَرَة توجت بهَا هَامة تهَامَة، وأصوب سهم استخرج من كنَانَة كنَانَة، وأسنى أنوار السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وأبهى أسرار ملكوته بالطول وَالْعرض، وَأحمد من حمد وَحمد، وأوفى من وعد وعهد، مُحَمَّد الَّذِي ابتهجت بيمن أخمصيه سرة الْبَطْحَاء، وباهت بترب نَعْلَيْه حظائر الْقُدس فَوق الْقبَّة الشماء، وعَلى حواريه الَّذين اجتهدوا فِي تأسيس قَوَاعِد الْكَلم، واستفرغوا فِي تشييد ضوابط الحكم.
وَبعد: فمذ أميطت عني التمائم، ونيطت بِي العمائم، قدر الله لي أَن ألازم الْكتاب وأداوم الْفُنُون، وأكتحل بإثمد اللَّيَالِي لتنوير الْعُيُون، ملتقطا فرائدها، ومرتبطا بِالْكِتَابَةِ فوائدها، مَا رَأَيْت فَنًّا إِلَّا وَكنت فِيهِ خَطِيبًا، مَا ألفيت غصنا إِلَّا وصرت فِيهِ عندليبا. وَالْكتاب إِلَيّ أحب من كل حبيب، وأعجب لدي من كل عَجِيب. فَإِن الْعلم فَخر يبْقى على مُرُور الأحقاب، وَذكر يتوارثه الأعقاب بعد الأعقاب، وَأول الْمجد وَآخره، وباطن الشّرف وَظَاهره، بِهِ يترقى على كل الْمَرَاتِب، وَبِه يتَوَصَّل إِلَى المآرب والمطالب؛ وَهُوَ الأرتع مرعاه، وَهُوَ الأرفع مسعاه يمْلَأ الْعُيُون نورا، والقلوب سُرُورًا؛ وَيزِيد الصُّدُور انشراحا، ويفيد الْأُمُور انفساحا؛ وَهُوَ الْغنم الْأَكْبَر والحظ الأوفر والبغية الْعُظْمَى والمنية الْكُبْرَى، وتعريف الْمَعْرُوف من بَاب الْمَرْدُود، كَمَا أَن الزِّيَادَة على
1 / 15
الْحَد نُقْصَان من الْمَحْدُود، وَأَيْنَ هَذَا الشّرف؟ إِذْ لَا يدْرك بالأماني، وَلَا ينَال بالتهاون والتواني. وَقد يسر الله ذَلِك لأسلافنا الْكِرَام، صُدُور الْأَنَام وبدور الْأَيَّام، حَتَّى صرفُوا جهدهمْ واجتهادهم، وبذلوا أعمارهم وأعصارهم، فبلغوا قاصية الْمَقَاصِد، وملكوا نَاصِيَة المراصد، فألفوا وأجادوا، وصنفوا وأفادوا، فَبَقيَ لَهُم الذّكر الْبَهِي، على مر الدهور وَالْأَيَّام، وَالشُّكْر السّني على كرّ الشُّهُور والأعوام؛ نور الله ضريحهم، وَغفر كنايتهم وصريحهم.
وَلما وفقني الله الْجَمِيل، لهَذَا الْمطلب الْجَلِيل، أدرت أَن أنخرط فِي سلكهم، وأعقد مَعَهم الخناصر، قبل أَن تبلى السرائر وتفنى العناصر، وأكون بِخِدْمَة الْعلم موسوعا، وَفِي حَملته منظوما، وَفِي رياضه راتعا، وَفِي أفقه طالعا، وأستنير فِي ظلم الزَّمَان بِهَذَا الْمِصْبَاح، وأطير فِي دَرك النجاح بِهَذَا الْجنَاح.
لكني كنت فِي عصر عضت فِيهِ أَبنَاء الْعلم نَوَائِب الزَّمن، ونشبت فيهم مخالب المحن، وخصتني من بَينهم بأصعب أَمر وخيم، ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم.
وَلَوْلَا أَن منّ الله سُبْحَانَهُ علينا فِي هَذَا الزَّمَان بِمن أعنه عنايته معطوفة على تربية أهل الْعرْفَان، وأزمة عاطفته مصروفة إِلَى إسعاف مطَالب الْعلمَاء، كُنَّا فِي زَاوِيَة الخمول وبادية الأفول هباء. وَهُوَ الْوَزير الأكرم والدستور الأفخم، الملكي النسم، الْقُدسِي الشيم، الأصدق الأحق الأوفر. الأعدل الأجمل الأوقر سمي النَّبِي الأوفى فِي عَالم الْإِنْشَاء، مصطفى باشا يسر الله لَهُ مَا يَشَاء، وَمَا زَالَت قُلُوب عنيده أكنة أسنة عبيده. وَهُوَ نظام المفاخر والمآثر. غوث الشاكي وغيث الشاكر؛ إِن لفظ فالإصابة تقدم لفظته. وَإِن لحظ فالإجابة تخْدم لحظته؛ تشْتَمل أردية عواطفه مناكب الْآفَاق. وتمتلي من أَوديَة عوارفه مطامح الأحداق. جلب الْقُلُوب فَصَارَ ظَاهرهَا فِي كل بَاطِن، وحنت إِلَيْهِ الْجَوَارِح فحركت كل سَاكن؛ بل ملك الدَّهْر فامتطى لياليه أداهم. وقلد بيض أَيَّامه صوارم؛ ووهب أقماره دَنَانِير ودراهم. وَجعل أوقاته ولائم؛ ينحني الْهلَال لتقبيل أقدامه، ويمتد كف الثريا لاستحداب صوب غمامه. ويتضاءل كل مِنْهُمَا فَيصير هَذَا غرَّة فرسه وَهَذَا حلية لجامه. وَلما تنبه الدَّهْر لمحاسنه وتيقظ. بَعْدَمَا تحرى وتحقد وَتحفظ. كَاد من الخجل يضيق صَدره وَلَا ينْطَلق لِسَانه. حَتَّى عرق بالندى جبين النسيم. والورد قد احمر مِنْهُ وَجهه الوسيم؛ وابتل جنَاح الْهَوَاء. واغرورقت مقلة
1 / 16
السَّمَاء فابتسمت ثغور الْآفَاق عَن شنب قطرها. وأشرقت الأَرْض بِنور رَبهَا. وأرضعت حوامل المزن أجنة الأزهار فِي أحشاء الْأَرَاضِي. فالخلق كلهم فِي التكافي والتصالح والتراضي. وَلِهَذَا صَار لِوَاء النَّصْر فِي كل جَانب مديد. وخاب كل جَبَّار عنيد.
وَلما رَأَيْت فضلاء الأقطار وعلماء الْأَمْصَار يجلبون إِلَى حَضرته الرفيعة وساحته المنيعة مَا زَالَت ملْجأ للأفاضل، وملاذا للأواخر والأوائل، بضائع صنائع أفكارهم، وبدائع رسائلهم وأسفارهم [فصاروا مغمورين بذوارف عوارفه الَّتِي تصل إِلَيْهِم على الدَّوَام، ومنتظمين بهَا أَحْوَالهم غَايَة الانتظام، لَا سِيمَا الراحلين إِلَيْهِ القاطعين السباسب والفلوات عائذين بِهِ من مكاره الدهور والنكبات، فَلم أدر أَي شَيْء أجعله ذَرِيعَة للوصول إِلَى ذَلِك الجناب، وأتشرف بتقبيل أنامله الَّتِي تشاهد مِنْهَا آثَار الهطال من السَّحَاب] . فاستفضت من فياض ذوارف العوارف. واستعنت بالنُّون والقلم فِي تَبْيِين المعارف، [مَعَ مَا بِي من مقاساة الأحزان، ومعاداة الزَّمَان بِحَيْثُ أتجرع كؤوسا علق بهَا العلقم، بل أَشد سما من الأرقم، وأتطلب رضى الْأَيَّام، وَهِي عَليّ أضرّ حقدا من الْكبر، وأتلقى الخطوب عاديا من الْبَصَر فَامْتنعَ الرَّاحَة بِالْكِنَايَةِ بَكَيْت، كامتناع الْفَاء من خبر لَعَلَّ وليت، حَتَّى لقِيت يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا، ووهن الْعظم مني واشتعل الرَّأْس شيبا]؛ فَقَامَ الْقَلَم فِي محراب أَطْرَاف البنان، وَركع وَسجد، على مصلى القرطاس واضطرب وارتعد قَائِلا:
(كَأَن فمي قَوس لساني لَهُ يَد ... كَلَامي لَهُ نزع بِهِ أملي نبل)
(كَأَن دواتي مطفل حبشية ... بناني لَهَا بعل وَنَفْسِي لَهَا نسل)
فَجرى مِنْهُ كتاب بديع الْمِثَال، منيع المنال، مُحِيط تنصب إِلَيْهِ الجداول وَلَا يزْدَاد، وتغترف من لجته السحب فَمَا لَهُ من نفاد، تزهى بِهِ الألسن، وترمق نَحوه الْأَعْين، ويحمله الحذاق على الأحداق. من سَافر فِيهِ نظر، وَكَانَ الذَّوْق السَّلِيم رَفِيقه، علم أَنه تأليف جليل، يضْرب بِهِ الْأَمْثَال على الْحَقِيقَة.
نعم قد جمعت فِيهِ مَا فِي تصانيف الأسلاف من الْقَوَاعِد وَلَا كالروض للأمطار، وتسارعت لضبط مَا فِيهَا من الْفَوَائِد وَلَا كَالْمَاءِ إِلَى الْقَرار، منقولة بأقصر عبارَة وأتمها،
1 / 17
وأوجز إِشَارَة وأعمها، وترجمت هَذَا الْمَجْمُوع الْمَنْقُول، فِي المسموع والمعقول، ورتبتها على تَرْتِيب كتب اللُّغَات، وسميتها بالكليات، راجيا من الله محو السَّيِّئَات، وتخليد الذّكر الْجَمِيل على الْأَيَّام، والتعيش بعد مشارفة الْحمام. وَالْجَامِع الْفَقِير، إِلَى الله الْغَنِيّ الْخَبِير، أَبُو الْبَقَاء الْحُسَيْنِي الكفوي الْحَنَفِيّ، خص باللطف الْجَلِيّ والخفي، يسْأَل مِمَّن نظر فِيهِ أَن يصلح ببنانه مَا عثر عَلَيْهِ فِيهِ من زلل الْقَلَم الفاتر، وخلل الخاطر الضَّعِيف الخائر، أَو يستر بِعَين الْحبّ نقصي كَيفَ مَا كَانَ، فَإِن رقصي على مِقْدَار تنشيط الزَّمَان، وَمَا قل من زل فِي جرداء التَّأْلِيف، بل هُوَ مصايبه.
(وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا ... كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه)
وَيَد الأفكار قَاصِرَة عَن تنَاول مَا يرام، والصباغة فِي الصِّنَاعَة على النصاعة أصعب مرام، وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل. نعم الْمولى وَنعم الْوَكِيل.
1 / 18
(فصل الْألف)
الْألف: بِكَسْر اللَّام، هِيَ أول حُرُوف المعجم، وَأول اسْم الله تَعَالَى، وَأول مَا خَاطب الله بِهِ عباده فِي الْوُجُود بقوله: ﴿أَلَسْت بربكم﴾ وَهِي من أقْصَى الْحلق وَهُوَ مبدأ المخارج
و[الْألف]: بِالسُّكُونِ اسْم علم لكَمَال الْعدَد بِكَمَال ثَالِث رُتْبَة، مُذَكّر وَلَا يجوز تأنيثه بِدَلِيل ﴿يمددكم ربكُم بِخَمْسَة آلَاف﴾، وَقَوْلهمْ: (هَذِه ألف دِرْهَم)، لِمَعْنى الدَّرَاهِم وآلفه يؤالفه إلافا، وآلفه يؤلفه إيلافا، والإيلاف فِي التَّنْزِيل لِمَعْنى الْعَهْد وَاللَّام فِيهِ للتعجب أَي: اعجبوا لِإِيلَافِ قُرَيْش، أَو مَوْصُولَة بِمَا قبلهَا أَي: لتألف قُرَيْش
وألفه يألفه: أعطَاهُ ألفا
وَألف بَينهمَا تأليفا: أَي أوقع الألفة
والألفة: بِالضَّمِّ اسْم من الائتلاف
والإلف: كالفسق الاليف
ثمَّ الْألف وَسَائِر الْحُرُوف الَّتِي يتركب مِنْهَا الْكَلَام مسميات لأسماء تتهجى، واسميتها لدخولها فِي حد الِاسْم واتصافها بخواصه، وَبِه صرح الْخَلِيل، وَأَبُو عَليّ وَمَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود وَهُوَ: " لَا أَقُول ألف حرف " إِلَخ المُرَاد المسميات، أَي مُسَمّى هَذَا اللَّفْظ حرف من يشهده فَلهُ حَسَنَة، لِأَن النَّبِي ﵊ بصدد بَيَان ثَوَاب مسميات الْأَلْفَاظ الَّتِي تتهجى بهَا لَا الْكَلِمَات وَلَا المركبات مِنْهَا، إِذْ اللَّائِق بمقام التَّرْغِيب تَكْثِير الْفَائِدَة، فالحسنة بِعَدَد الْحُرُوف مُطلقًا مَكْتُوبَة كَانَت أَو ملفوظة كالألفاظ فِي (الحواميم) و(الطواسين) و(كهيعص) و(طه) و(ص) و(ق) و(الر) وَكَذَا (الرَّحْمَن) و(إِبْرَاهِيم) و(إِسْحَق) و(إِسْمَعِيل) وَكَذَا ألف (هَذَا) و(هَؤُلَاءِ) و(أُولَئِكَ) و(لَكِن) و(لَكِن) و(ثلث) و(ثلثين) وَقد تقرر فِي فنه أَن المُرَاد من مَوْضُوع الْقَضِيَّة ذَاته لَا لَفظه إِلَّا أَن يَقْتَضِي الْمقَام ذَلِك، وَإِطْلَاق الْمُتَقَدِّمين على هَذِه الالفاظ بالحروف بعد الْبُرْهَان على اسميتها
1 / 19
يصرف إِلَى التسامح أَو يدْفع بِالْعرْفِ المتجدد
[ألف الْقطع]: فَكل مَا ثَبت فِي الْوَصْل فَهُوَ ألف الْقطع، ك (أَحْمد) و(أحسن)
[ألف الْوَصْل]: وَمَا لم يثبت فَهُوَ ألف الْوَصْل ك (استخرج) و(استوفى): [الْألف المجهولة]: كل ألف لإشباع الفتحة فِي الِاسْم أَو الْفِعْل فَهِيَ الْألف المجهولة، كألف (فَاعل) و(فاعول) [الْألف المحولة]: كل ألف أَصْلهَا وَاو أَو يَاء، ك (بَاعَ) و(قَالَ) فَهِيَ المحولة
وكل ألف التَّأْنِيث فَهِيَ على (فعلى) مُثَلّثَة الْفَاء، ك (طُوبَى) و(ذكرى) و(مرضى)
كل كلمة فِي آخرهَا ألف، إِن كَانَت حروفا فَيكْتب الْجَمِيع بِالْألف إِلَّا (بلَى) و(على) و(حَتَّى) وَكَذَا إِذا كَانَت مَبْنِيَّة إِلَّا (أَنى) و(مَتى) و(لَدَى)
وَإِن كَانَت أَسمَاء معربة زَائِدَة على الثَّلَاثَة فَصَاعِدا فَيكْتب جَمِيعهَا بِالْيَاءِ لَا غير، لِأَن الْوَاو تنْقَلب إِلَى الْيَاء فِيهَا إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَ قبل الْألف يَاء نَحْو (الْعليا) و(الدُّنْيَا) كَرَاهَة الْجمع بَين الياءين، إِلَّا فِي نَحْو (يحيى) و(رَبِّي) علمين للْفرق
وَإِن كَانَت الْأَسْمَاء المعربة ثلاثية فَحِينَئِذٍ ينظر إِلَى أَصْلهَا الَّذِي انْقَلب مِنْهُ الْألف، فَإِن كَانَ يَاء فَيكْتب بِالْيَاءِ تَنْبِيها على أَصْلهَا ويعدل عَن جَوَاز إمالتها، وَإِن كَانَ واوا فَيكْتب بِالْألف ك (عَصا) وَالْفِعْل الثلاثي ينظر إِلَى أَصله، فَمَا زَاد فبالياء لَا غير، وَقد نظم بعض الأدباء:
(إِذا الْفِعْل يَوْمًا غم عَنْك هجاؤه ... فَألْحق بِهِ تَاء الْخطاب وَلَا تقف)
(فَإِن تَرَ قبل التَّاء يَاء فَكَتبهُ ... بياء وَإِلَّا فَهُوَ يكْتب بِالْألف)
(وَلَا تحسب الْفِعْل الثلاثي وَالَّذِي ... تعداه والمهموز فِي ذَاك يخْتَلف)
وَإِن كَانَ منونا فالمختار أَنه يكْتب بِالْيَاءِ وَهُوَ قِيَاس الْمبرد وَقِيَاس الْمَازِني أَنه يكْتب بِالْألف، وَقِيَاس سِيبَوَيْهٍ أَن الْمَنْصُوب يكْتب بِالْألف وَمَا سواهُ بِالْيَاءِ وَإِن جهل كَون الْألف من الْوَاو وَالْيَاء بِأَن لم يكن شَيْء مِمَّا ذكر، فَإِن أملت فالياء نَحْو (مَتى) وَإِلَّا فالألف وَقد نظمت فِيهِ:
(وَكتب ذَوَات الْيَاء بِالْألف جَائِز ... وَكتب ذَوَات الْوَاو بِالْيَاءِ بَاطِل)
(وَقصر ذَوي مد يجوز بِلَا مرا ... وَمد ذَوي قصر خطاء وعاطل)
(وتذكير تَأْنِيث من الْعَكْس أسهل ... فَلَا تنس واحفظ أَنْت فِي الْعَصْر كَامِل)
كل همزَة بعْدهَا حرف مد: كصورتها فَإِنَّهَا تحذف، وَلذَلِك كتبُوا نَحْو (خطأ) فِي حَال النصب بِأَلف وَاحِدَة و(مستهزؤن) بواو وَاحِدَة و(مستهزئين) بياء وَاحِدَة، وَقد تقلب الْهمزَة فِي نَحْو (مستهزئين) فَيكْتب بياءين، وَلم يَفْعَلُوا فِي (مستهزؤن) كَذَلِك، فكأنهم لما استثقلوا الواوين لفظا استثقلوهما خطأ وَلَيْسَ الْيَاء فِي الاستثقال مثلهَا
كل كلمة اجْتمع فِي أَولهَا همزتان وَكَانَت الْأُخْرَى
1 / 20
سَاكِنة فلك أَن تصيرها واوا إِن كَانَت الأولى مَضْمُومَة، أَو يَاء إِن كَانَت الأولى مَكْسُورَة، أَو ألفا إِن كَانَت الأولى مَفْتُوحَة
كل اسْم مَمْدُود فَلَا تَخْلُو همزته إِمَّا أَن تكون أَصْلِيَّة فتتركها فِي التَّثْنِيَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَتَقول: (خطاآان)
وَإِمَّا أَن تكون للتأنيث فتقلبها فِي التَّثْنِيَة واوا لَا غير فَتَقول: (صفراوان) و(سوداوان)
وَإِمَّا أَن تكون منقلبة عَن وَاو أَو يَاء أَصْلِيَّة مثل (كسَاء) و(رِدَاء) أَو مُلْحقَة مثل (علْبَاء) و(حرباء) ب (سرداح) و(شملال)، فَأَنت فِيهَا بِالْخِيَارِ إِن شِئْت تقلبها واوا مثل التَّأْنِيث، وَإِن شِئْت تتركها همزَة مثل الْأَصْلِيَّة وَهُوَ أَجود فَتَقول: (كساآن) و(رداآن)
كل كلمة أَولهَا همزَة وصل مَفْتُوحَة دَخَلتهَا همزَة الِاسْتِفْهَام وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: الأولى: لَام التَّعْرِيف
وَالثَّانيَِة: (ايمن الله) و(ايم الله)
فَإِن همزَة الْوَصْل لَا تكون مَفْتُوحَة إِلَّا فيهمَا
[الْألف الفاصلة]: وَالْألف الفاصلة تثبت بعد وَاو الْجمع فِي الْخط ك (شكروا) لتفصل بَين الْوَاو وَمَا بعْدهَا
والفاصلة: بَين عَلَامَات الْإِنَاث وَبَين النُّون الثَّقِيلَة ك (افعلنان)
[ألف الْعِوَض]: وَألف الْعِوَض تبدل من التَّنْوِين ك (رَأَيْت زيدا)
وَألف الصِّلَة: اجتلبت فِي أَوَاخِر الْأَسْمَاء
وَألف الْوَصْل: فِي أَوَائِل الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال
وَألف النُّون الْخَفِيفَة:: ك (نسفعا)
وَألف الْجمع: ك (مَسَاجِد) و(جبال)
وَألف التَّفْضِيل وَالتَّقْصِير: ك (هُوَ أكْرم مِنْك) و(أَجْهَل مِنْهُ)
وَألف النداء: (أَزِيد) تُرِيدُ يَا زيد
وَألف الندبة: (وازيداه)
وَألف التَّأْنِيث: كمدة (حَمْرَاء) وَألف (سكرى) و(حُبْلَى)
وَألف التَّثْنِيَة: كَمَا فِي (يذهبان) و(الزيدان)
وَالْألف مُشْتَركَة: بَين الْعَام وَالْخَاص، وَقد راعوا فِي وضع الِاسْم التشابه حَيْثُ سموا الْهمزَة وَالْألف باسم وَاحِد، والتمييز بِوَضْع الِاسْم للألف، ونبهوا على كَثْرَة الْألف وَقلة الْهمزَة بذلك، حَيْثُ لم يسموا الْهمزَة باسم خَاص
وَقد يُطلق الْألف على الْهمزَة إِمَّا لكَونهَا اسْما للساكنة والمتحركة جَمِيعًا كَمَا قيل، أَو على سَبِيل الْمجَاز، لكَونهَا تكْتب بِصُورَة الْألف إِذا كَانَت فِي أول الْكَلِمَة
وَوضع الْخط: أَن يكْتب كل كلمة على صُورَة لَفظهَا بِتَقْدِير الِابْتِدَاء بهَا وَالْوَقْف عَلَيْهَا نَحْو (مَه أَنْت) إِلَّا إِذا اتَّصل (مَا) الاستفهامية بِحرف الْجَرّ، فَإِنَّهُ لَا يكْتب بِالْهَاءِ نَحْو: (حتام) و(إلام) و(علام) وَذَلِكَ لشدَّة الِاتِّصَال حَيْثُ صارتا كالشيء الْوَاحِد
وللاتصال الْمَذْكُور أَيْضا كتب (مِم) و(عَم) بِغَيْر النُّون وَيكْتب (أَنا زيد) بِالْألف إِذْ الْوَقْف كَذَلِك؛ وَمِنْه: ﴿لَكنا هُوَ الله رَبِّي﴾
وتاء التَّأْنِيث: فِي نَحْو (رَحْمَة) بِالْهَاءِ إِذْ الْوَقْف بهَا
1 / 21
وَيكْتب الْمنون الْمَنْصُوب بِالْألف، وَغير الْمَنْصُوب بالحذف، إِذْ الْوَقْف كَذَلِك
([الْألف اللينة وَالْألف المتحركة])
وَالْألف على ضَرْبَيْنِ: لينَة ومتحركة فاللينة تسمى ألفا، والمتحركة تسمى همزَة
قَالَ بَعضهم: الْألف إِذا تحركت صَارَت همزَة، والهمزة إِذا سكنت ومدت صَارَت ألفا، وَلِهَذَا شبهوهما بالهواء وَالرِّيح وَقد نظمت فِيهِ:
(كألف يُرِيك الدَّهْر فِي أعين الورى ... وَلَو شَاءَ يبدى للعيون كهمزة)
(فكم من سُكُون مد بِالرِّيحِ كالهوا ... إِلَيْك فكم فِي الْغَيْب عون بنصرة)
وَذكر ابْن جني فِي " سر الصِّنَاعَة " أَن الْألف فِي الأَصْل اسْم الْهمزَة، واستعمالهم إِيَّاهَا فِي غَيرهَا توسع
وَاتفقَ العارفون بِعلم الْحُرُوف على أَن الْألف لَيست بِحرف تَامّ، بل هِيَ مَادَّة جَمِيع الْحُرُوف، فَإِن الْحَرْف التَّام هُوَ الَّذِي يتَعَيَّن لَهُ صُورَة فِي النُّطْق وَالْكِتَابَة مَعًا، وَالْألف لَيست كَذَلِك، فَإِن صورتهَا تظهر فِي الْخط لَا فِي النُّطْق، عكس الْهمزَة، فَإِن الْهمزَة تظهر صورتهَا فِي النُّطْق لَا فِي الْخط فمجموع الْهمزَة وَالْألف عِنْدهم حرف وَاحِد
وَالْألف إِن كَانَت حَاصِلَة من إشباع الحركات كَانَت مصوتة، وَإِلَّا فَهِيَ صامتة، سَوَاء كَانَت متحركة أَو سَاكِنة وَالْألف إِذا كَانَت صامتة تسمى همزَة
والمصوتة، هِيَ الَّتِي تسمى فِي النَّحْو حُرُوف الْمَدّ واللين، وَلَا يُمكن الِابْتِدَاء بهَا، والصامتة مَا عَداهَا والمصوتة لَا شكّ أَنَّهَا من الهيئات الْعَارِضَة للصوت، والصوامت فِيهَا مَا لَا يُمكن تمديده كالباء وَالتَّاء وَالدَّال والطاء، وَهِي لَا تُوجد إِلَّا فِي الْآن الَّذِي هُوَ آخر زمَان حبس النَّفس وَأول زمَان إرْسَاله، وَهِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْت كالنقطة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخط والآن بِالنِّسْبَةِ إِلَى الزَّمَان
وَهَذِه الْحُرُوف لَيست بِأَصْوَات وَلَا عوارض فِي أصوات، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُور تحدث فِي مبدإ حُدُوث الْأَصْوَات
وَإِذا عرفت هَذَا فَنَقُول: لَا خلاف فِي أَن السَّاكِن إِذا كَانَ حرفا مصوتا لم يُمكن الِابْتِدَاء بِهِ، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الِابْتِدَاء بالساكن الصَّامِت، فقد منع إِمْكَان الِابْتِدَاء بِهِ قوم للتجرية، وَجوزهُ الْآخرُونَ
قَالَ الْعَلامَة الكافيجي: " وَالْحق هَهُنَا هُوَ التَّفْصِيل بِأَن يُقَال: إِن كَانَ السّكُون للساكن لَازِما لذاته فَيمْتَنع كالألف، وَإِلَّا فَيمكن؛ لكنه لم يَقع فِي كَلَامهم لِسَلَامَةِ لغتهم من كل لَكِن وبشاعة وَحقّ ألف الْوَصْل الدُّخُول فِي الْأَفْعَال نَحْو: (انْطلق) و(اقتدر)؛ وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي لَيست بِجَارِيَة على أفعالها فألف الْوَصْل غير دَاخِلَة عَلَيْهَا، إِنَّمَا دخلت على أَسمَاء قَليلَة، وجعلوها فِي الْأَسْمَاء الْعشْرَة عوضا عَن اللَّام المحذوفة حَتَّى احتاجوا فِي (امْرِئ) إِلَى حمله على (ابْن) بِجَامِع أَن لامه همزَة ويلحقها الْحَذف فَيُقَال (مر) و(بن) فَجعل همزَة الْوَصْل فِي (اسْم) عوضا عَن الصَّدْر دون الْعَجز، خلاف مَا عهد فِي كَلَامهم من نَظَائِره
وهمزة الْوَصْل مَا عدا الْأَسْمَاء الْعشْرَة: همزَة
1 / 22
الْمَاضِي، والمصدر، وَالْأَمر الخماسي والسداسي، وهمزة أَمر الْحَاضِر من الثلاثي، والهمزة الْمُتَّصِلَة بلام التَّعْرِيف
وتقلب همزَة الْوَصْل ألفا كَمَا يفعل بِالَّتِي مَعَ لَام التَّعْرِيف نَحْو: ﴿آللَّهُ أذن لكم﴾ وهمزة الْقطع: بَاب الإفعال، وهمزة الْجمع، وَنَفس الْمُتَكَلّم من كل بَاب، وهمزة الِاسْتِفْهَام
وَقطعت الْهمزَة فِي النداء ووصلت فِي غَيره لِأَن تَعْرِيف النداء أغْنى عَن تَعْرِيفهَا فجرت مجْرى الْهمزَة الْأَصْلِيَّة فَقطعت
وَفِي غير النداء: لما لم ينخلع عَنهُ معنى التَّعْرِيف رَأْسا وصلوا الْهمزَة
والهمزة فِي الصَّدْر: تكْتب على صُورَة الْألف فِي كل حَال
وَفِي الْوسط: إِذا كَانَت سَاكِنة تكْتب على وفْق حَرَكَة مَا قبلهَا ك (رَأس) و(لؤم) و(ذِئْب) وَإِذا كَانَت متحركة وَسكن مَا قبلهَا تكْتب على وفْق حَرَكَة نَفسهَا نَحْو: (يسْأَل) و(يلؤم) و(يسئم) وَكثر حذف الْمَفْتُوحَة بعد الْألف ك (ساءل) وَقل بعد سَاكن تنقل إِلَيْهِ حركتها ك (مسئلة) وَإِذا كَانَت متحركة بعد متحرك فَهِيَ كتخفيفها ف (مُؤَجل) بِالْوَاو، و(فِئَة) بِالْيَاءِ، وَالْبَاقِي بِحرف حركتها
وَفِي الأول الْمُتَّصِل بِهِ غَيره: لَا يكون كالوسط، فتكتب بِالْألف نَحْو: (بِأحد) و(لأحد) بِخِلَاف (لِئَلَّا) لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله أَو لكَرَاهَة صورته، وَبِخِلَاف (لَئِن) لكثرته
وَفِي الآخر: تكْتب بِحرف حَرَكَة مَا قبلهَا ك (قَرَأَ) و(قرئَ) و(ردؤ) فَإِن سكن مَا قبلهَا حذفت ك (خبء) و(ملْء)
وهمزة ألف التَّأْنِيث الممدودة: ألف فِي الأَصْل بِخِلَاف الْمَقْصُورَة
وَالْألف إِذا كَانَت لاما: وَجَهل أَصْلهَا حملت على الانقلاب عَن الْيَاء بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت عينا فَإِنَّهَا تحمل على الانقلاب عَن الْوَاو
وَألف التَّأْنِيث إِذا كَانَت رَابِعَة: تثبت فِي التكسير نَحْو (حُبْلَى) و(حبالى) و(سكرى) و(سكارى)، وَلَيْسَت التَّاء كَذَلِك، بل قد تحذف فِي التكسير نَحْو (طَلْحَة وطلاح)
وَلما كَانَت الْألف مختلطة بِالِاسْمِ كَانَ لَهَا مزية على التَّاء فَصَارَت مشاركتها فِي التَّأْنِيث عِلّة، ومزيتها عَلَيْهَا عِلّة أُخْرَى، فَكَأَنَّهُ تأنيثان، وَلذَلِك منعت الصّرْف وَحدهَا وَلم تمنع التَّاء إِلَّا مَعَ سَبَب آخر
وَألف التَّأْنِيث تبنى مَعَ الِاسْم وَتصير كبعض حُرُوفه ويتغير الِاسْم مَعهَا عَن هَيْئَة التَّذْكِير فزادت على التَّأْنِيث قُوَّة، لَكِن دُخُول تَاء التَّأْنِيث فِي الْكَلَام أَكثر من دُخُولهَا لِأَنَّهَا قد تدخل فِي الْأَفْعَال الْمَاضِيَة للتأنيث وَتدْخل الْمُذكر للتَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة نَحْو (عَلامَة) و(نسابة)
وتحذف الْألف من الْأَسْمَاء الأعجمية الْكَثِيرَة الِاسْتِعْمَال ك (إِبْرَاهِيم) و(إسرئيل) كَمَا يحذف أحد الواوين من (دَاوُد) لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَلَا تحذف الْألف مِمَّا لَا يكثر اسْتِعْمَاله ك (هاروت) و(ماروت)
وَمَا كَانَ على (فَاعل) ك (صَالح) يجوز إِثْبَات أَلفه وحذفها إِن كثر اسْتِعْمَاله، وَإِلَّا فَلَا يحذف
1 / 23
ك (سَالم)
وَمَا كثر اسْتِعْمَاله ودخله الْألف وَاللَّام يكْتب بِغَيْر الْألف، فَإِن حذفتهما أثبت الْألف تَقول: (قَالَ الْحَرْث) و(قَالَ حَارِث) وَلَا يحذف من (عمرَان) وَيجوز الْحَذف وَالْإِثْبَات فِي (عُثْمَان) و(مُعَاوِيَة) و(سُفْيَان) و(مَرْوَان)
وتكتب الْألف: فِي نفس الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر إِذا كَانَ واويا كَمَا فِي (نرجوا)، وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى: ﴿أندعوا من دون الله﴾
وَكتب الْألف فِي (ذووا) وَاقع من الثِّقَات
وزيدت الْألف بعد الْوَاو آخر اسْم مَجْمُوع نَحْو: (بنوا إِسْرَائِيل) و(أولُوا الْأَلْبَاب) بِخِلَاف الْمُفْرد نَحْو: (لذُو علم) إِلَّا (الربوا)، و﴿إِن امرؤا هلك﴾ وَآخر فعل مُفْرد أَو جمع مَرْفُوع أَو مَنْصُوب إِلَّا (جاؤ) و(باؤ) ﴿وعتوا عتوا﴾ ﴿وَالَّذين تبوؤ الدَّار﴾ ﴿فَإِن فاؤ﴾ ﴿عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم﴾ فِي النِّسَاء و﴿سعو فِي آيَاتنَا﴾ فِي سبأ، كَذَا فِي " الاتقان " وتكتب ألف (الصلواة) و(الزكواة) بِمَعْنى (نما) أَو (طهر)، و(الربوا) غير مضافات بِالْوَاو على لُغَة من يفخم، وزيدت الْألف بعْدهَا تَشْبِيها لَهَا بواو الْجمع
وَيحْتَمل أَن يكون من هَذَا الْقَبِيل كتب الْألف بعد الْوَاو فِي الْأَفْعَال المضارعة المفردة، مَرْفُوعَة كَانَت أَو مَنْصُوبَة فِي كل الْقُرْآن
وَالْحق أَن مثل ذَلِك يكْتب فِي الْمُصحف بِالْوَاو اقْتِدَاء بنقله عَن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي غَيره بِالْألف، وَقد اتّفقت فِي خطّ الْمُصحف أَشْيَاء خَارِجَة عَن القياسات الَّتِي بني عَلَيْهَا علم الْخط والهجاء قَالَ ابْن درسْتوَيْه: " خطان لَا يقاسان، خطّ الْعرُوض وَخط الْقُرْآن "
وَتدْخل الْألف للْفرق بَين الضَّمِير الْمَرْفُوع وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون﴾ فتحذف إِذا أردْت: (كالوا لَهُم ووزنوا لَهُم)، لِأَن الضَّمِير مَنْصُوب؛ وَإِذا أردْت: (كالوا) فِي أنفسهم و(وزنوا) فِي أنفسهم
أثبت الْألف مثل: (قَامُوا هم) و(قعدوا هم) لِأَن الضَّمِير مَرْفُوع
وزادوها فِي (مائَة) فرقا بَينه وَبَين (مِنْهُ) وألحقوا الْمثنى بهَا بِخِلَاف الْجمع
وَالْألف دَائِما حرف مد ولين، وَالْيَاء بعد الفتحة حرف لين، وَبعد الضمة والكسرة حرف مد ولين
وَإِذا نسبت الابْن: إِلَى لقب قد غلب على أَبِيه أَو صناعَة مَشْهُورَة قد عرف بهَا فَحِينَئِذٍ تحذف الْألف لِأَن ذَلِك يقوم مقَام اسْم الْأَب
وَيكْتب: (هَذِه هِنْد ابْنة فلَان) بِالْألف وَالْهَاء، وَإِذا أسقطت الْألف تكْتب: (هَذِه هِنْد بنت فلَان) بِالتَّاءِ
1 / 24
والحرف الَّذِي عِنْد عد الْحُرُوف قبل (الْيَاء) يرى ابْن جني أَن اسْمه (لَا)؛ وَقَول المتعلمين: (لَام ألف) خطأ لسبقهما، وَلَيْسَ الْغَرَض بَيَان كَيْفيَّة تركيب الْحُرُوف، بل سرد أَسمَاء الْحُرُوف البسائط قَالَ بَعضهم: لما احتاجوا إِلَى بَيَان مسميات الْحُرُوف جعلوها أَوَائِل أسمائها، ك (ألف) و(بَاء) و(تَاء) إِلَى آخِره، وَلم يَأْتِ هَذَا الطَّرِيق فِي الْألف الهوائية لسكونها فأضافوا اللَّام لذَلِك، وَلما جعل الْألف مظهر اللَّام ناسب أَن يكون اللَّام مظْهرا لَهَا أَيْضا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: " الْحُرُوف الَّتِي استعملتها الْعَرَب فِي كَلَامهم فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال والحركات والأصوات تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا مرجعهن إِلَى ثَمَانِيَة وَعشْرين حرفا، وَأما الْحَرْف التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فحرف بِلَا صرف - أَي بِلَا تصريف - وَهِي الْألف الساكنة "
قَالَت الشَّافِعِيَّة: فَلَو جنى شخص على لِسَان أحد حَتَّى بَطل كَلَامه بِبَعْض الْحُرُوف توزع الدِّيَة على عدد الْحُرُوف
(فصل الْألف وَالْبَاء)
[أَبْلَج]: كل متضح أَبْلَج، وَهُوَ فِي الأَصْل خلاف الأقرن ثمَّ قَالُوا للرجل الطلق الْوَجْه ذِي الْكَرم وَالْمَعْرُوف أَبْلَج، وَإِن كَانَ أقرن ثمَّ استعير للواضح على الْإِطْلَاق، وَمِنْه: صباح أَبْلَج وابتلج الْفجْر وتبلج: إِذا أنار وأضاء والابليجاج: الوضوح
الْأَب: هُوَ إِنْسَان تولد من نطفته إِنْسَان آخر
وَلَا بُد من أَن يذكر الابْن فِي تَعْرِيف الْأَب فالأب من حَيْثُ هُوَ الْأَب لَا يُمكن تصَوره بِدُونِ تصور الابْن كَمَا يُقَال (الْعَمى عدم الْبَصَر عَمَّا من شَأْنه أَن يبصر) فَلَا بُد من ذكر الْبَصَر فِي تَعْرِيف الْعَمى مَعَ أَنه خَارج عَن ماهيته، كَمَا أَن الابْن خَارج عَن مَاهِيَّة الْأَب
وَقد يُرَاد بِالْأَبِ مَا يتَنَاوَل الْأُم، إِذْ كل من نطفتي الْأَب وَالأُم تدخل فِي التولد
وَكَذَلِكَ قد يُرَاد بالابن مَا يتَنَاوَل الْبِنْت عِنْد تَعْرِيفه بحيوان تولد من نُطْفَة شخص آخر من نَوعه من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
وكل من كَانَ سَببا لإيجاد شَيْء أَو إِصْلَاحه أَو ظُهُوره فَهُوَ أَب لَهُ وأرباب الشَّرَائِع الْمُتَقَدّمَة كَانُوا يطلقون الْأَب على الله تَعَالَى، بِاعْتِبَار أَنه السَّبَب الأول، حَتَّى قَالُوا، " الْأَب هُوَ الرب الْأَصْغَر وَالله هُوَ الرب الْأَكْبَر " ثمَّ ظنت الجهلة مِنْهُم أَن المُرَاد بِهِ معنى الْولادَة فاعتقدوا ذَلِك تقليدا، وَلذَا كفر قَائِله وَمنع مِنْهُ مُطلقًا حسما لمادة الْفساد
وَلَا يُرَاد بِالْأَبِ المربي أَو الْعم من غير قرينَة، وَلم يرد فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السّنة مُفردا، وَإِنَّمَا ورد فِي ضمن الْجمع بطرِيق التغليب بِالْقَرِينَةِ الْوَاضِحَة
قَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن بني يَعْقُوب: ﴿نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق﴾ وَكَانَ إِسْمَاعِيل عَم يَعْقُوب
1 / 25
وَالْعرب تجْعَل الْعم أَبَا وَالْخَالَة أما، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش﴾ يَعْنِي أَبَاهُ وخالته وَكَانَت أمه قد مَاتَت
وَقَالَ أَيْضا حِكَايَة عَن يُوسُف: ﴿وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب﴾ وَكَانَ إِسْحَق جده وَإِبْرَاهِيم جد أَبِيه
وَالْمرَاد من قَوْله تَعَالَى: ﴿كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة﴾ آدم وحواء
وَورد أَيْضا: الْخَال أحد الْأَبَوَيْنِ
إِلَّا أَنه تَسْمِيَة الْجد أَبَا بِمَعْنى التفرع مِنْهُ بِخِلَاف الْعم وَالْخَال، فَإِنَّهُمَا إِنَّمَا سميا أَبَا للازم آخر من لوازمه وَهِي التربية وَالْقِيَام بمصالح الْمَرْء؛ وَهَذَا الْمجَاز مَشْهُور فِي الشَّرَائِع السالفة على مَا رُوِيَ فِي الْإِنْجِيل أَن عِيسَى ﵇ قَالَ: " أَنطلق إِلَى أبي وأبيكم " وَأَرَادَ الرب سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ الْقَائِم بمصالح الْعباد وإتمام أُمُورهم
وَالِابْن: أَصله (بني) بِالْيَاءِ لما قيل أَن مَعْنَاهُ أَنه يبْنى على مَا بني أَبوهُ
والبنوة: لَا تدل على كَونه بِالْوَاو، كالفتوة، والفتى، شبه الْأَب بالأس وَالِابْن بِمَا يبْنى عَلَيْهِ
﴿ونادى نوح ابْنه﴾ أَي ابْن امْرَأَته بلغَة طَيئ وَقد قرئَ ابْنهَا
ويستعار الابْن فِي كل شَيْء صَغِير فَيَقُول الشَّيْخ للشاب الْأَجْنَبِيّ: (يَا ابْني) ويسمي الْملك رَعيته بالأبناء، والأنبياء فِي بني إِسْرَائِيل كَانُوا يسمون أممهم أَبْنَاءَهُم والحكماء وَالْعُلَمَاء يسمون المتعلمين مِنْهُم أَبْنَاءَهُم
وَقد يكنى بالابن فِي بعض الْأَشْيَاء لِمَعْنى الصاحب كَقَوْلِهِم (ابْن عرس) و(ابْن مَاء) و(بنت وردان) و(بَنَات نعش) على الِاسْتِعَارَة والتشبيه
وَيُقَال أَيْضا لكل مَا يحصل من جِهَة شَيْء أَو تَرْبِيَته أَو كَثْرَة خدمته أَو قِيَامه بأَمْره أَو توجهه إِلَيْهِ أَو إِقَامَته عَلَيْهِ هُوَ ابْنه كَمَا يُقَال: (أَبنَاء الْعلم) و(أَبنَاء السَّبِيل) و(من أَبنَاء الدُّنْيَا) وَمن هُنَا سمي عِيسَى النَّبِي ﵊ ابْنا، وَذَلِكَ لتوجهه فِي أَكثر أَحْوَاله شطر الْحق واستغراق أغلب أوقاته فِي جَانب الْقُدس
قَالَ الإِمَام الْعَلامَة مُحَمَّد بن سعيد الشهير بالبوصيري - نور الله مرقده وَفِي أَعلَى غرف الْجنان أرقده -: " إِن بعض النَّصَارَى انتصر لدينِهِ وانتزع من الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة دَلِيلا على تَقْوِيَة اعْتِقَاده فِي الْمَسِيح وَصِحَّة يقينه بِهِ فَقلب حروفها، ونكر معروفها، وَفرق مألوفها وَقدم فِيهَا وَأخر وفكر وَقدر، ثمَّ عبس وَبسر، ثمَّ أدبر واستكبر فَقَالَ: قد انتظم من الْبَسْمَلَة: الْمَسِيح ابْن الله الْمُحَرر
فَقلت لَهُ: فيحث رضيت الْبَسْمَلَة بَيْننَا وَبَيْنك حكما وجوزت مِنْهَا أحكاما وَحكما، فلتنصرن الْبَسْمَلَة الأخيار منا على الأشرار، ولتفضلن أَصْحَاب الْجنَّة على أَصْحَاب النَّار قَالَت لَك
1 / 26
الْبَسْمَلَة بِلِسَان حَالهَا: إِنَّمَا الله رب للمسيح رَاحِم النَّحْر لأمم لَهَا الْمَسِيح رب مَا برح الله رَاحِم الْمُسلمين سل ابْن مَرْيَم أحل لَهُ الْحَرَام لَا الْمَسِيح ابْن الله مُحَرر لَا مرحم للئام أَبنَاء السَّحَرَة رحم حر مُسلم أناب إِلَى الله لله نَبِي مُسلم حرم الراح الْحلم ربح رَأس مَاله الْإِيمَان
فَإِن قلت: إِنَّه رَسُول، صدقتك وَقَالَت: إيل أرسل الرَّحْمَة من بِلَحْم وإيل: من أَسمَاء الله بِلِسَان كتبهمْ وترجمة (بِلَحْم): بَيت اللَّحْم الَّذِي ولد فِيهِ الْمَسِيح إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يدل على إبِْطَال مَذْهَب النَّصَارَى
ثمَّ انْظُر إِلَى الْبَسْمَلَة قد تخبر أَن من وَرَاء حولهَا خيولا وليوثا وَمن دون طلها سيولا وغيوثا وَلَا تحسبني استحسنت كلمتك الْبَارِدَة فَنسجَتْ على منوالها، وقابلت الْوَاحِدَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا بل أَتَيْتُك بِمَا يبغتك فيبهتك، ويسمعك مَا يصمك عَن الْإِجَابَة ويصمتك، فتعلم بِهِ أَنه هَذِه الْبَسْمَلَة مُسْتَقر لسَائِر الْعُلُوم والفنون، ومستودع لجوهر سرها الْمكنون أَلا ترى أَن الْبَسْمَلَة إِذا حصلت جملها كَانَ عَددهَا سَبْعمِائة وَسِتَّة وَثَمَانِينَ، فَوَافَقَ جملها مثل عِيسَى كآدم لَيْسَ لله من شريك، بِحِسَاب الْألف الَّتِي بعد لامي الْجَلالَة ﴿وَلَا أشرك بربي أحدا﴾ ﴿يهدي الله لنوره من يَشَاء﴾ بِإِسْقَاط ألف الْجَلالَة فقد أجابتك الْبَسْمَلَة بِمَا لم تحط بِهِ خَبرا، وجاءتك بِمَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا " انْتهى مُلَخصا
ثمَّ اعْلَم أَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ للِابْن: هُوَ الصلبي، كَذَا للْوَلَد مُنْفَردا وجمعا، لَكِن فِي الْعرف اسْم الْوَلَد حَقِيقَة فِي ولد الصلب وَاسْتِعْمَال الابْن وَالْولد فِي ابْن الابْن مجَاز، وَلِهَذَا صَحَّ أَن يُقَال: (إِنَّه لَيْسَ وَلَدي بل ولد ابْني) و(لَيْسَ ابْني بل ابْن ابْني) فَلَا بُد من قرينَة صارفة عَن إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ إِذا استعملا فِي ابْن الابْن أَو فِي معنى شَامِل لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا بني آدم﴾ فَإِن عدم كَون أحد من ولد آدم من صلبه مَوْجُودا عِنْد وُرُود الْخطاب قرينَة صارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، فَيكون المُرَاد أَبنَاء الْأَبْنَاء فَقَط، لَا معنى شَامِلًا للِابْن الصلبي وَابْن الابْن، وَهَذَا لَا يدل على صِحَة اسْتِعْمَال لفظ الْوَلَد فِي الْمَعْنى الشَّامِل للأولاد الصلبية وَأَوْلَاد الْأَبْنَاء وَالْحق أَن إِطْلَاق الابْن على ابْن الابْن لَا يسْتَلْزم إِطْلَاق الْوَلَد على ابْن الابْن قطعا، فَإِن حكم لفظ الابْن مُغَاير لحكم لفظ الْوَلَد فِي أَكثر الْمَوَاضِع
وَتَنَاول لفظ الابْن لِابْنِ الابْن إِنَّمَا يدل على تنَاول الْوَلَد لِابْنِ الابْن أَن لَو كَانَ لفظ الْوَلَد مرادفا للفظ الابْن أَو كَانَ الابْن أخص مُطلقًا من الْوَلَد، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوع، لِأَن الْأَوْلَاد تطلق عرفا على أَوْلَاد الْأَبْنَاء، بِخِلَاف الْأَبْنَاء فَإِنَّهَا تطلق عَلَيْهَا بِدَلِيل دُخُول الحفدة فِي الْمُسْتَأْمن على أبنائه، فبينهما عُمُوم وخصوص وَجْهي فَلَا يلْزم من تنَاول لفظ الابْن لَهُ تنَاول لفظ الْوَلَد لَهُ أَيْضا
وَلَا يُطلق الابْن إِلَّا على الذّكر بِخِلَاف الْوَلَد
والبنون: جمع (ابْن) خَالف تَصْحِيح جمعه تثنيته لعِلَّة تصريفية أدَّت إِلَى حذف الْهمزَة، وَيَقَع على الذُّكُور وَالْإِنَاث كأبناء إِذا اجْتَمعُوا، وَقَوله تَعَالَى: ﴿يذبحون أبناءكم﴾ المُرَاد الذُّكُور خَاصَّة
1 / 27
الْأَب: بِالْفَتْح وَالتَّشْدِيد: مَا رعته الْأَنْعَام، وَيُقَال: الْأَب للبهائم كالفاكهة للنَّاس، أَو هُوَ فَاكِهَة يابسة تؤوب للشتاء: أَي تهَيَّأ لَهُ
وَأب للسير: تهَيَّأ رُوِيَ أَن أَبَا بكر الصّديق ﵁ لما سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: ﴿وَفَاكِهَة وَأَبا﴾ قَالَ: " أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِن أَنا قلت فِي كتاب الله تَعَالَى مَا لَا أعلم "
وَأب أبه: قصد قَصده
وإبان الشَّيْء: بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد، حِينه وأوله
يُقَال: (كل الْفَاكِهَة فِي إبانها)
وإبانئذ: بِمَعْنى حِينَئِذٍ
والأباب: بِالضَّمِّ، مُعظم السَّيْل والموج
الإباء: هُوَ امْتنَاع بِاخْتِيَار وأبى الشَّيْء: لم يرضه، و[أَبى] عَلَيْهِ: امْتنع، وَهُوَ غير الاستكبار
وكل إباء: امْتنَاع بِلَا عكس، فَإِن الإباء شدَّة الِامْتِنَاع وإباء الشكيمة: مثل فِيهِ؛ وَيُقَال: أَبى على فلَان وتأبى عَلَيْهِ: إِذا امْتنع
والاستنكاف: تكبر فِي تَركه أَنَفَة، وَلَيْسَ فِي الاستكبار ذَلِك، وَإِنَّمَا يسْتَعْمل الاستكبار حَيْثُ لَا استخفاف، بِخِلَاف التكبر فَإِنَّهُ قد يكون باستخفاف
والتكبر: هُوَ أَن يرى الْمَرْء نَفسه أكبر من غَيره، والاستكبار: طلب ذَلِك بالتشبع وَهُوَ التزين بِأَكْثَرَ مَا عِنْده
والصفح: أَصله أَن تنحرف عَن الشَّيْء فتوليه صفحة وَجهك أَي ناحيته
كَذَلِك الْإِعْرَاض: وَهُوَ أَن تولي الشَّيْء عرضك أَي جَانِبك وَلَا تقبل عَلَيْهِ
والتولي: الاعراض مُطلقًا وَلَا يلْزمه الادبار، فَإِن تولي الرَّسُول عَن ابْن أم مَكْتُوم لم يكن بالإدبار
والتولي بالإدبار قد يكون على حَقِيقَته كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿بعد أَن توَلّوا﴾ وَقد يكون كِنَايَة عَن الانهزام كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ وليتم مُدبرين﴾
والتولي: قد يكون لحَاجَة تَدْعُو إِلَى الِانْصِرَاف مَعَ ثُبُوت العقد
والإعراض: الِانْصِرَاف عَن الشَّيْء بِالْقَلْبِ قَالَ بَعضهم: " المعرض وَالْمُتوَلِّيّ يَشْتَرِكَانِ فِي ترك السلوك، إِلَّا أَن المعرض أَسْوَأ حَالا، لِأَن الْمُتَوَلِي مَتى نَدم سهل عَلَيْهِ الرُّجُوع والمعرض يحْتَاج إِلَى طلب جَدِيد، وَغَايَة الذَّم الْجمع بَينهمَا "
والتولي إِذا وصل بإلى: يكون بِمَعْنى الإقبال عَلَيْهِ: ﴿ثمَّ تولى إِلَى الظل﴾ وَإِذا وصل بعن لفظا أَو تَقْديرا اقْتضى معنى الاعراض وَترك الْقرب وَعَلِيهِ ﴿فَإِن توَلّوا فَإِن الله عليم بالمفسدين﴾
والصد: هُوَ الْعُدُول عَن الشَّيْء عَن قلى يسْتَعْمل لَازِما بِمَعْنى الِانْصِرَاف والامتناع ﴿يصدون عَنْك﴾ ﴿الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله﴾، ومتعديا بِمَعْنى الصّرْف وَالْمَنْع الَّذِي
1 / 28
يطاوعه الِانْصِرَاف والامتناع ﴿وَلَا يصدنك عَن آيَات الله﴾ ﴿هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام﴾
وَنَظِير صد: صدف: حَيْثُ يسْتَعْمل لَازِما بِمَعْنى أعرض، ومتعديا بِمَعْنى صدف غَيره، ﴿فَمن أظلم مِمَّن كذب بآيَات الله وصدف عَنْهَا﴾ وَالْآيَة مُحْتَملَة لَهَا كآية ﴿فَمنهمْ من آمن بِهِ وَمِنْهُم من صد عَنهُ﴾
الإبداع: لُغَة، عبارَة عَن عدم النظير وَفِي الِاصْطِلَاح: هُوَ إِخْرَاج مَا فِي الْإِمْكَان والعدم إِلَى الْوُجُوب والوجود
قيل: هُوَ أَعم من الْخلق، بِدَلِيل ﴿بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ و﴿خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ وَلم يقل بديع الانسان
وَقيل: الإبداع إِيجَاد الأيس عَن الليس والوجود عَن كتم الْعَدَم
والإيجاد والاختراع: إفَاضَة الصُّور على الْموَاد الْقَابِلَة، وَمِنْه جعل الْمَوْجُود الذهْنِي خَارِجا
وَقَالَ بَعضهم: الإبداع: إِيجَاد شَيْء غير مَسْبُوق بمادة وَلَا زمَان كالعقول، فيقابل التكوين لكَونه مَسْبُوقا بالمادة، والإحداث لكَونه مَسْبُوقا بِالزَّمَانِ
والإبداع يُنَاسب الْحِكْمَة
والاختراع يُنَاسب الْقُدْرَة
والإنشاء: إِخْرَاج مَا فِي الشَّيْء بِالْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْل، وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الْحَيَوَان
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أنشأكم﴾
﴿ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر﴾
وَالْفطر: يشبه أَن يكون مَعْنَاهُ الإحداث دفْعَة كالإبداع
فِي " الْجَوْهَرِي " الْفطر: الشق، يُقَال: فطرته فانفطر، فالفطر الِابْتِدَاء والاختراع
والبرء: هُوَ إِحْدَاث الشَّيْء على الْوَجْه الْمُوَافق للْمصْلحَة
وَقَالَ بَعضهم: الإبداع، والاختراع، والصنع، والخلق، والإيجاد، والإحداث وَالْفِعْل، والتكوين، والجعل: أَلْفَاظ مُتَقَارِبَة الْمعَانِي
أما الإبداع: فَهُوَ اختراع الشَّيْء دفْعَة
والاختراع: إِحْدَاث الشَّيْء لَا عَن شَيْء
والصنع: إِيجَاد الصُّورَة فِي الْمَادَّة
والخلق: تَقْدِير وإيجاد، وَقد يُقَال للتقدير من غير إِيجَاد
والإيجاد: إِعْطَاء الْوُجُود مُطلقًا
والإحداث: إِيجَاد الشَّيْء بعد الْعَدَم
وَالْفِعْل: أَعم من سَائِر اخواته
والتكوين: مَا يكون بتغيير وتدريج غَالِبا
والجعل: إِذا تعدى إِلَى المفعولين يكون بِمَعْنى
1 / 29
التصيير، وَإِذا تعدى إِلَى مفعول وَاحِد يكون بِمَعْنى الْخلق والإيجاد، وَلَا فرق على عرف أهل الْحِكْمَة بَين الْجعل الإبداعي والجعل الاختراعي فِي اقتضائه المجعول وَهُوَ الْمَاهِيّة من حَيْثُ هِيَ والمجعول إِلَيْهِ وَهُوَ الْوُجُود، وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق، من حَيْثُ إِن الأول إِيجَاد الأيس عَن مُطلق الليس، أَي أَعم من أَن يكون مُقَيّدا بِمَا ذكر أَو غير مُقَيّد بِهِ
وَاعْلَم أَن الْحَقَائِق من حَيْثُ معلوميتها وعدميتها، وَتعين صورها فِي الْعلم الإلهي الذاتي الأزلي يَسْتَحِيل أَن تكون مجعولة لكَونه قادحا فِي صرافة وحدة ذَاته تَعَالَى أزلا، غير أَن فِيهِ تحصيلا للحاصل، فالتأثير إِنَّمَا يتَصَوَّر فِي اتصافها بالوجود، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ من أهل الْكَشْف وَالنَّظَر
والإبداع: من محسنات البديع، هُوَ أَن يشْتَمل الْكَلَام على عدَّة ضروب من البديع، كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿يَا أَرض ابلعي ماءك﴾ إِلَى آخِره، فَإِنَّهَا تشْتَمل على عشْرين ضربا من البديع، وَهِي سبع عشرَة لَفْظَة، كَذَا فِي " الإتقان "
الِابْتِدَاء: هُوَ اهتمامك بِالِاسْمِ وجعلك إِيَّاه أَولا لثان يكون خَبرا عَنهُ، والأولية: معنى قَائِم بِهِ يكسبه قُوَّة إِذا كَانَ غَيره مُتَعَلقا بِهِ، وَكَانَت رتبته مُتَقَدّمَة على غَيره
والبدء: من بَدَأَ الشَّيْء، أنشأه واخترعه قَالَ الله تَعَالَى: ﴿أولم يرَوا كَيفَ يبدئ الله الْخلق﴾ ثمَّ قَالَ: ﴿كَيفَ بَدَأَ الْخلق﴾ هَذَا فِيمَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ
وبدأت بالشَّيْء، وبدأته، وابتدأت بِهِ وابتدأته: بِمَعْنى قَدمته على غَيره وَجَعَلته أَو الْأَشْيَاء، وَمِنْه (بدأت الْبَسْمَلَة)، وَقَول الخطباء: " إِن الله أَمركُم بِأَمْر بَدَأَ فِيهِ بِنَفسِهِ " إِلَّا أَن فِي الِابْتِدَاء زِيَادَة كلفة كَمَا فِي مثل: (حملت)، و(احتملت)
وَإِذا شرعت فِي قِرَاءَة الْكتاب مثلا وَقلت: (بدأت الْكتاب، وابتدأت بِالْكتاب) فَلَا اسْتِحَالَة فِي أَن يكون مَعْنَاهُ: أنشأت قِرَاءَته وأحدثته، لَكِن الظَّاهِر الْمَعْقُول أَن هَذَا البدء والابتداء يستعملان فِيمَا لَهُ أَجزَاء أَو جزئيات، وَيكون حُدُوثه على التدريج كالقراءة وَالْكِتَابَة، فالبدء إضافي بِالْإِضَافَة إِلَى سَائِر أَجْزَائِهِ أَو جزئياته
والابتداء: أَمر عَقْلِي وَمَفْهُوم كلي لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج إِلَّا فِي ضمن الْأَفْرَاد كَسَائِر الْأُمُور الْكُلية، وَلَا أَفْرَاد لَهُ فِي الْخَارِج حَقِيقَة، كالإنسان مثلا، وَإِنَّمَا أَفْرَاده حصص الْجِنْس الْحَاصِلَة بِالْإِضَافَة إِلَى الْأَزْمِنَة والأمكنة، وَهَكَذَا مفهومات المصادر كلهَا، فَإِنَّهَا لكَونهَا أمورا اعتبارية نسبية لَا وجود لَهَا إِلَّا فِي ضمن النّسَب الْمعينَة، والإضافات الخارجية فالابتداء الْحَقِيقِيّ: هُوَ الَّذِي لم يتقدمه شَيْء أصلا؛ والإضافي: هُوَ الَّذِي لم يتقدمه شَيْء من الْمَقْصُود بِالذَّاتِ، والعرفي: هُوَ الِابْتِدَاء الممتد من زمن الِابْتِدَاء إِلَى زمن الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود، حَتَّى يكون كل مَا يصدر فِي ذَلِك الزَّمَان يعد مُبْتَدأ بِهِ
قَالَ بَعضهم: الإضافي: يعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعده شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى الْمَقْصُود بِالذَّاتِ
1 / 30
بِخِلَاف الْعرفِيّ: فَإِنَّهُ يعْتَبر شَيْئا وَاحِدًا ممتدا إِلَى الْمَقْصُود
والابتداء بِالِاسْمِ الشريف أَعم من أَن يكون بِالذَّاتِ أَو بالواسطة، وَمَا ورد فِي حَدِيثي الِابْتِدَاء فَفِي صِحَّته مقَال، وَلِهَذَا لم يكْتب فِي " البُخَارِيّ " إِلَّا الْبَسْمَلَة، وَإِن صَحَّ فصورة التَّعَارُض فِي صُورَة ضم الدَّال فِي (الْحَمد) على الْحِكَايَة وَزِيَادَة الْبَاء على بَاء الْبَسْمَلَة وَالدَّفْع إِمَّا بِأَن يحمل الِابْتِدَاء على الشَّامِل للحقيقي كَمَا فِي الْبَسْمَلَة، وللإضافي كَمَا فِي الحمدلة، أَو على الْمُتَعَارف بَين الممتثلين للْحَدِيث فالتنزيل الْجَلِيل مبدؤه عرفا الْفَاتِحَة بكمالها كَمَا يشْعر بِهِ التَّسْمِيَة بهَا، والكتب الْمُدَوَّنَة مبدؤها الْخطْبَة الَّتِي تَضَمَّنت الْبَسْمَلَة وَالْحَمْد وَالصَّلَاة، أَو تجْعَل الْبَاء فيهمَا للاستعانة؛ وَيجوز الِاسْتِعَانَة بأَشْيَاء مُتعَدِّدَة كَيْفَمَا اتّفقت بِلَا تَرْتِيب لَازم بهَا، أَو للملابسة وَالشَّرْع يعْتَبر المتلبس فِي الأول متلبسا من الأول إِلَى الآخر، كالمتلبس بالبسملة فِي أول الْأكل أَو بِالنِّيَّةِ فِي أول كل عبَادَة، أَو بِأَن يكون أَحدهمَا بالجنان أَو بِاللِّسَانِ أَو بِالْكِتَابَةِ، وَالْآخر بِالْآخرِ مِنْهُمَا أَو كِلَاهُمَا بالجنان مَعًا، لجَوَاز إِحْضَار الشَّيْئَيْنِ بالبال إِذا كَانَ لَهُ حُضُور وَتوجه تَامّ، أَو المُرَاد مِنْهُمَا ذكره تَعَالَى سَوَاء وجد فِي ضمن الْبَسْمَلَة أَو الحمدلة، وَقد صَحَّ رِوَايَة بِذكر الله؛ وَقد تقرر فِي الْأُصُول أَن الْحكمَيْنِ إِذا تَعَارضا وَلم يعلم سبق حمل على التَّخْيِير، فِي " الْقُهسْتَانِيّ " قد ورد أَيْضا: " كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا تشهد فَهِيَ كَالْيَدِ الجذماء، وكل كَلَام لَا يبتدأ فِيهِ بِالصَّلَاةِ عَليّ فَهُوَ ممحوق مِنْهُ كل بركَة "
وَلما كَانَ الِابْتِدَاء آخِذا فِي التحريك لم يكن المبدوء بِهِ إِلَّا متحركا، وَلما كَانَ الِانْتِهَاء آخِذا فِي السّكُون لم يكن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَّا سَاكِنا كل ذَلِك للمناسبة
الابدال: هُوَ رفع الشَّيْء وَوضع غَيره مَكَانَهُ والتبديل: قد يكون عبارَة عَن تَغْيِير الشَّيْء مَعَ بَقَاء عينه، يُقَال: (بدلت الْحلقَة خَاتمًا): إِذا أدرتهما وسويتها وَمِنْه: ﴿يُبدل الله سيئاتهم حَسَنَات﴾ ﴿وَيَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض﴾
وَقد يكون عبارَة عَن إفناء الذَّات الأولى واحداث ذَات أُخْرَى، كَمَا تَقول: (بدلت الدَّرَاهِم دَنَانِير) وَمِنْه: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا﴾
والتبديل: يتَعَدَّى إِلَى المفعولين بِنَفسِهِ مثل: ﴿فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا﴾ وَإِلَى المذهوب بِهِ الْمُبدل مِنْهُ بِالْبَاء أَو بِمن مثل: (بدله بخوفه أَو من خَوفه أمنا) وَمِنْه: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ بجنتيهم جنتين﴾
وَيَتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد، تَقول: (بدلت الشَّيْء) إِذا غيرته، وَمِنْه: ﴿فَمن بدله بعد مَا سَمعه﴾
والإبدال والتبدل: إِذا استعملا بِالْبَاء نَحْو (أبدل الْخَبيث بالطيب) و(تبدل بِهِ) فَلَا تدخل الْبَاء حِينَئِذٍ إِلَّا على الْمَتْرُوك والتبديل: مثلهمَا
والإبدال: يكون من حُرُوف الْعلَّة وَغَيرهَا، وَالْقلب لَا يكون من حُرُوف الْعلَّة
والإبدال فِي البديع: إِقَامَة بعض الْحُرُوف مقَام
1 / 31
الْبَعْض وَجعل مِنْهُ ابْن فَارس ﴿فانفلق﴾ أَي الْبَحْر: أَي انفرق بِدَلِيل ﴿كل فرق﴾
الْأَبَد: الدَّهْر، والدائم، وَالْقَدِيم، والأزلي
والأبد والأمد: متقاربان لَكِن الْأَبَد عبارَة عَن مُدَّة الزَّمَان ألتي لَيْسَ لَهَا حد مَحْدُود، وَلَا يتَقَيَّد فَلَا يُقَال: (أَبَد كَذَا)
والأمد: مُدَّة لَهَا حد مَجْهُول إِذا أطلق، وَقد ينْحَصر فَيُقَال: (أمد كَذَا) كَمَا يُقَال: (زمَان كَذَا)
وأبدا (مُنْكرا) يكون للتَّأْكِيد فِي الزَّمَان الْآتِي نفيا وإثباتا لَا لدوامه واستمراره فَصَارَ ك (قطّ) و(الْبَتَّةَ) فِي تَأْكِيد الزَّمَان الْمَاضِي يُقَال: (مَا فعلت كَذَا قطّ والبتة) و(لَا أَفعلهُ أبدا)
و[الْأَبَد] الْمُعَرّف: للاستغراق، لِأَن اللَّام للتعريف وَهُوَ إِذا لم يكن معهودا يكون للاستغراق قيل: الْأَبَد: لَا يثنى وَلَا يجمع، والآباد مولد، وأبد الآبدين: مَعْنَاهُ دهر الداهرين، وعصر البَاقِينَ، أَي يبقي مَا بَقِي دهر وداهر
وَآخر الْأَبَد: كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة فِي التَّأْبِيد؛ وَالْمعْنَى: الْأَبَد الَّذِي هُوَ آخر الْأَوْقَات
الْإِبَاحَة: أبحتك الشَّيْء: أحللته
وأبحته: أظهرته، والمباح مِنْهُ وَالْإِبَاحَة شرعا: ضد الْحُرْمَة، فِي " النِّهَايَة " ضد الْكَرَاهَة
وَفِي " الْمُضْمرَات " أَن الْحل يتَضَمَّن الْإِبَاحَة لِأَنَّهُ فَوْقهَا، وكل مُبَاح جَائِز، دون الْعَكْس، لِأَن الْجَوَاز ضد الْحُرْمَة وَالْإِبَاحَة ضد الْكَرَاهَة، فَإِذا انْتَفَى الْحل ثَبت ضِدّه، وَهُوَ الْحُرْمَة فتنتفي الْإِبَاحَة أَيْضا فَثَبت ضدها وَهُوَ الْكَرَاهَة، وَلَا يَنْتَفِي الْجَوَاز لجَوَاز اجْتِمَاع الْجَوَاز مَعَ الْكَرَاهَة، كَمَا فِي نِكَاح الْأمة الْمسلمَة عِنْد الْقُدْرَة على مهر الْحرَّة ونفقتها، وَكَذَا نِكَاح الْأمة الْكِتَابِيَّة، وَإِن لم يجز كلا النكاحين عِنْد الشَّافِعِي بِنَاء على مَفْهُوم الْوَصْف وَالشّرط اللَّذين ليسَا بِحجَّة عندنَا وَحكم الْمُبَاح عدم الثَّوَاب وَالْعِقَاب فعلا وتركا، بل عدم الْعقَاب
وَالْإِبَاحَة: ترديد الْأَمر بَين شَيْئَيْنِ يجوز الْجمع بَينهمَا وَإِذا أُتِي بِوَاحِد مِنْهُمَا كَانَ امتثالا لِلْأَمْرِ
كَقَوْلِك: (جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين) فَلَا يكون إِلَّا بَين مباحين فِي الأَصْل، وَهِي تدفع توهم الْحُرْمَة، كَمَا أَن التَّسْوِيَة تدفع توهم الرجحان
وَأما التَّخْيِير: فَهُوَ ترديد الْأَمر بَين شَيْئَيْنِ وَلَا يجوز الْجمع بَينهمَا، كَقَوْلِك: (تزوج زَيْنَب أَو أُخْتهَا) فَلَا يكون إِلَّا بَين ممنوعين فِي الأَصْل، وَمن ثمَّة يجوز بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ
وَالْإِبَاحَة والتخيير: قد يضافان إِلَى صِيغَة الْأَمر، وَقد يضافان إِلَى كلمة " أَو " وَالتَّحْقِيق أَن كلمة " أَو " لأحد الْأَمريْنِ أَو الْأُمُور، وَأَن جَوَاز الْجمع وامتناعه إِنَّمَا هُوَ بِحَسب مَحل الْكَلَام وَدلَالَة الْقَرَائِن، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْإِبَاحَةِ الْإِبَاحَة الشَّرْعِيَّة، لِأَن الْكَلَام فِي معنى كلمة أَو بِحَسب اللُّغَة قبل ظُهُور الشَّرْع، بل المُرَاد الْإِبَاحَة بِحَسب الْعقل أَو بِحَسب الْعرف فِي أَي وَقت كَانَ؛ وَعند أَي قوم كَانُوا
الْإِبَاق: من أبق العَبْد كسمع، وَضرب، وَطلب، وَمنع: وَهُوَ هرب العَبْد من السَّيِّد خَاصَّة، وَلَا يُقَال للْعَبد آبق إِلَّا إِذا استخفى وَذهب من غير خوف وَلَا كد عمل؛ وَإِلَّا فَهُوَ هارب
1 / 32
والفرار من محلّة إِلَى محلّة أَو من قَرْيَة إِلَى بلد لَيْسَ بإباق شرعا، وَإِنَّمَا الْإِبَاق من بلد إِلَى خَارج، وَلَا يشْتَرط مسيرَة السّفر
الْإِبْهَام: أبهم الْأَمر: اشْتبهَ، وَأبْهم الْبَاب: أغلقه
وَهُوَ فِي الْيَد والقدم: أكبر الْأَصَابِع والأسماء المبهمة عِنْد النَّحْوِيين أَسمَاء الإشارات
والإبهام البديعي: هُوَ أَن يَأْتِي الْمُتَكَلّم بِكَلَام مُبْهَم يحْتَمل مَعْنيين متضادين لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر، وسمى السكاكي وَمن تبعه هَذَا النَّوْع بالتورية، كَقَوْلِه فِي خياط أَعور اسْمه عَمْرو:
(خاط لي عَمْرو قبَاء ... لَيْت عَيْنَيْهِ سَوَاء)
وَمِنْه قَوْله:
(تَفَرَّقت غنمي يَوْمًا فَقلت لَهَا ... يَا رب سلط عَلَيْهَا الذِّئْب والضبعا)
الإباتة: من البيتوتة، يُقَال: (أباتك الله بِخَير)
والإبتات: قطع الْعَمَل، وَالْحكم، والعزم
الْإِبِل: فِي الْقَامُوس وَاحِد يَقع على الْجمع لَيْسَ بِجمع وَلَا اسْم جمع، وَقيل: اسْم جمع لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، مُؤَنّثَة، لِأَن أَسمَاء الجموع الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا إِذا كَانَت لغير الْآدَمِيّين فالتأنيث لَهَا لَازم، وَيَجِيء بِمَعْنى اسْم الْجِنْس كالطير؛ دلّ على ذَلِك: ﴿وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ﴾
والإبالة: ككتابة، السياسة
والأبلة: كالقرحة، الطّلبَة وَالْحَاجة
والإبلة: بِالْكَسْرِ، الْعَدَاوَة، وبالضم، العاهة
الإبلاغ: الإيصال، وَكَذَا التَّبْلِيغ إِلَّا أَن التَّبْلِيغ يُلَاحظ فِيهِ الْكَثْرَة فِي الْمبلغ، وَفِي أصل الْفِعْل أَيْضا على مَا يظْهر من قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين﴾ وَمن قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك﴾
الإبرام: الإملال من " أبرمه " إِذا أمله وأضجره وأبرم الشَّيْء: أحكمه
الابتهال: الِاجْتِهَاد فِي الدُّعَاء وإخلاصه، قيل فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ نبتهل﴾ أَي نخلص فِي الدُّعَاء
الإبار: اسْم من (أبر نخله) إِذا لقحه وَأَصْلحهُ؛ وَمِنْه: سكَّة مأبورة
الْإِبْرَاء: هبة الدّين لمن عَلَيْهِ الدّين، وكما يسْتَعْمل فِي الْإِسْقَاط يسْتَعْمل فِي الِاسْتِيفَاء يُقَال: أَبرَأَهُ بَرَاءَة قبض وَاسْتِيفَاء، وَلِهَذَا يكْتب فِي الصكوك: وأبرأه عَن الثّمن قبض وَاسْتِيفَاء
وَالْإِبْرَاء عَن الْأَعْيَان لَا يجوز، وَعَن دَعْوَاهَا يجوز، فَلَو ادّعى دَارا فَصَالح عَن قِطْعَة مِنْهَا لم يَصح، وَكَذَا لَو أخرج أحد الْوَرَثَة عَن النَّقْد بِأَقَلّ من حِصَّته؛ وَأما لَو قَالَ: (بَرِئت من دعواي فِي هَذِه الدَّار) بِإِضَافَة الْبَرَاءَة إِلَى نَفسه، فَإِنَّهُ يَصح لمصادقة الْبَرَاءَة الدَّعْوَى، وَكَذَا لَو ادَّعَت مِيرَاث زَوجهَا جَازَ الْإِبْرَاء، لِأَن الْمَدْفُوع إِلَيْهَا لقطع الْمُنَازعَة
الإبلاء: الإفناء
الإبادة: الاهلاك
1 / 33
الْإِبِط: هُوَ مَا تَحت الْجنَاح، يذكر وَيُؤَنث
الإبلاس: الانكسار، والحزن، وَالسُّكُوت، يُقَال: (ناظرته فَأبْلسَ)، أَي سكت وأيس من أَن يحْتَج
الابتهاج: السرُور
الِابْتِلَاء: فِي الأَصْل، التَّكْلِيف بِالْأَمر الشاق من الْبلَاء لكنه لما استلزم الاختبار بِالنِّسْبَةِ إِلَى من يجهل العواقب ظن ترادفهما
وَقَالَ بَعضهم: الِابْتِلَاء يكون فِي الْخَيْر وَالشَّر مَعًا، يُقَال فِي الْخَيْر: أبليته، وَفِي الشَّرّ: بلوته بلَاء
الْأَبْطَال: إِفْسَاد الشَّيْء وإزالته، حَقًا كَانَ ذَلِك الشَّيْء أَو بَاطِلا
الأبهة: العظمة، وَالْكبر، والنخوة، والبهجة وأبهته تأبيها: نبهته وفطنته، وبكذا: أزننته [أَي: اتهمته]
(نوع فِي بَيَان لُغَات أَلْفَاظ النّظم الْجَلِيل)
أبابيل: قيل: هُوَ جمع وَإِن لم يسْتَعْمل واحده
وطير أبابيل: أَي مُتَفَرِّقَة أَو متتابعة مجتمعة، كَمَا فِي " الْمُفْردَات " و" الْقُرْطُبِيّ "
آب: بِمَعْنى رَجَعَ
وآبت الشَّمْس: لُغَة فِي: غَابَتْ
فَلَنْ أَبْرَح: لن أُفَارِق
وَابْن السَّبِيل: الضَّيْف الَّذِي نزل بِالْمُسْلِمين أَو الْمُسَافِر
وابتلوا: واختبروا
وابتغاء مرضاة الله: طلبا لرضاه
وَمَا أبرئ نَفسِي: أَي مَا أنزهها
ابلعي ماءك: ازدرديه أَو اشربيه
هُوَ الأبتر: أَي الَّذِي لَا عقب لَهُ
وَأبْصر: أَي انْتظر
إِبْرَاهِيم: اسْم سرياني، مَعْنَاهُ، أَب رَحِيم، وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": اسْم أعجمي وعَلى هَذَا لَا يكون معربا
وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: إِن إِجْمَاع أهل الْعَرَبيَّة على أَن منع الصّرْف فِي (إِبْرَاهِيم) وَنَحْوه للعجمة والعلمية، فَتبين مِنْهُ وُقُوع المعرب فِي الْقُرْآن
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ؛ " ولد على رَأس ألفي سنة من خلق آدم وَعَن أبي هُرَيْرَة أَنه اختتن بعد عشْرين وَمِائَة سنة وَمَات ابْن مِائَتي سنة "
(فصل الْألف وَالتَّاء)
الْإِتْيَان: هُوَ عَام فِي الْمَجِيء والذهاب وَفِيمَا كَانَ طبيعيا وقهريا
والذهاب: يُقَابل الْمَجِيء
والمرور: يعمه
وَفِي " الرَّاغِب ": الْمَجِيء: أَعم لِأَن الْإِتْيَان مَجِيء بسهولة وَيُقَال: جَاءَ: فِي الْأَعْيَان والمعاني ويما يكون مَجِيئه بِذَاتِهِ وبأمر وَلمن قصد مَكَانا وزمانا وَذكر " الزَّمَخْشَرِيّ " إِن أَتَى: يَجِيء بِمَعْنى (صَار) ك (جَاءَ) فِي قَوْلك: (جَاءَ الْبناء محكما): أَي صَار ﴿وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى﴾: أَي كَانَ
أَتَى وَجَاء: يطلقان بِمَعْنى فعل فيتعديان تعديته؛ وَيُقَال: (أَتَى زيد أَتَيَا وإتيانا) إِذا كَانَ جائيا و(أَتَى بزيد وبمال) مثلا: إِذا أجاءه أَي جعله جائيا
وأتى الْمَكَان: حَضَره
1 / 34