84

كفاح طيبة

تصانيف

فقال أحمس مبتسما: أهلا بقومي الأعزة، من آمالهم كآمالي، وآلامهم من منبع آلامي، ولون بشرتهم كلون بشرتي!

فأضاءت وجوه القوم بنور بهيج، ووجه كبيرهم الخطاب إلى الرعاة قائلا: اسجدوا لفرعون يا أحقر عبيده.

فسجد الرجال دون أن ينبس أحدهم بكلمة، فقال الرجل: مولاي .. هؤلاء الرعاة من النفر الذين ملكوا الضياع بغير الحق، كأنما توارثوها عن آبائهم خلفا عن خلف، واستذلوا المصريين وساموهم الخسف واستأدوهم أشق الأعمال بأزهد الأجور، جعلوهم فريسة للفقر والجوع والمرض والجهل، ثم كانوا إذا دعوهم قالوا باحتقار: فلاحون، ومنوا عليهم أن تركوهم أحياء .. هؤلاء طغاة الأمس وأسرى اليوم سقناهم إلى ذاتكم العلية عبيدا من أذل عبيدك!

فابتسم الملك وقال: أشكر لكم يا قومي هديتكم، وأهنئكم على استرداد سيادتكم وحريتكم.

وسجد الرجال لمليكهم مرة أخرى وغادروا الخيمة، وساق الجنود الرعاة إلى معتقل الأسرى. ثم دخلت الجماعة الثانية يسير بين يديها رجل ضخم الهيكل ناصع البياض ممزق الثياب، تركت السياط آثارا واضحة بظهره وذراعيه، فسقط إعياء عند قدمي الملك دون أن يحفل به معذبوه، وسجدوا لمليكهم طويلا وقال رجل منهم: مولانا فرعون مصر ابن الرب آمون، هذا الشرير المؤزر بلباس الذل كان كبير شرطة طيبة، وكان يلهب ظهورنا بسوطه القاسي لأتفه الأسباب، فمكننا الرب منه فألهبنا ظهره بسياطنا حتى مزق جلده، وأتينا به إلى معسكر الملك ليضم إلى عبيده.

فأمر الملك بالرجل فأخذه الجند، وشكر لقومه صنيعهم.

وأذن الملك للجماعة الثالثة فأقبلت عليه تسوق رجلا ما إن وقع عليه بصر الملك حتى عرفه، فهو سنموت قاضي طيبة وشقيق خنزر، فألقى عليه الملك نظرة هادئة، ونظر سنموت إليه نظرة ذاهلة من عينين قلقتين دهشتين لا تكادان تصدقان، وحيا الرجال الملك وقال لسانهم: إليك يا فرعون نسوق من كان بالأمس قاضي طيبة، كان يقسم بالعدالة ويقضي بالظلم في كل حين، فأورد مشرب الظلم ليذوق ما كان يسقي الأبرياء.

فقال أحمس موجها خطابه للقاضي: يا سنموت، لقد كنت حياتك تحكم على المصريين، فرض نفسك هذه المرة أن يحكموا عليك.

ودفع به إلى جنوده، وشكر رجاله المخلصين.

وجاءت الجماعة الأخيرة وكانت شديدة الحماسة تفور بالغضب، وتحيط بشخص لفته في ستار من الكتان من ذؤابته إلى نعليه، فحيوا الملك هاتفين: وقال قائلهم: يا فرعون مصر وحامي المصريين والمنتقم لهم، نحن بعض من أخذ الرعاة نساءهم وأطفالهم وادرعوا بهن في موقعة طيبة، وأراد الرب أن ينتقم لنا من أبوفيس الظالم فهجمنا على حريمه في أثناء انسحابه، وخطفنا دون علمه من هي أعز عليه من نفسه، وجئنا بها إليك لتنتقم لنسائنا منها!

صفحة غير معروفة