83

كفاح طيبة

تصانيف

فبسط أحمس الرسالة وكانت موجهة من توتيشيري وقرأ: «مولاي المؤيد بروح آمون وبركته، أسأل الرب أن يبلغك كتابي هذا وقد فتحت طيبة لك أبوابها فدخلتها على رأس جيش الخلاص لتضمد جراحها، وتسعد روحي سيكننرع وكاموس، أما نحن فلن نبرح دابور، وقد فكرت في الأمر طويلا فوجدت أن خير وسيلة نشارك بها شعبنا المعذب آلامه، أن نبقى في منفانا حيث نحن الآن نعاني آلام الوحشة والغربة، حتى نحطم أغلاله وترفع عنه النقمة، فندخل مصر آمنين ونقاسمه السعادة والسلام، فسر في طريقك مؤيدا بالعناية الربانية تحرر البلدان وتقهر الحصون، وطهر أرض مصر من عدوها ولا تجعل له في أقطارها موضع قدم، ثم ادعنا نأت آمنين».

ورفع أحمس رأسه وطوى الرسالة وهو يقول بتبرم: تقول توتيشيري إنها لا تدخل مصر حتى نجلي عنها آخر رجل من الرعاة.

فقال حور: إن أمنا المقدسة تريد ألا نكف عن القتال حتى نحرر مصر.

فهز الملك رأسه بالموافقة، فتساءل حور: ألا يدخل مولاي طيبة هذا المساء؟

فقال أحمس: كلا يا حور، سيدخلها جيشي وحده، أما أنا فسأدخلها مع أسرتي بعد طرد الرعاة، ندخلها جميعا كما فارقناها جميعا منذ عشرة أعوام مضت. - سيمنى أهلها بخيبة أمل! - قل لمن يسأل عني إني أتعقب الرعاة لأقذف بهم خارج حدودنا المقدسة، وليتبعني من يحبني!

14

ورجع الملك إلى الخيمة الفرعونية، وكان في نيته أن يصدر أمره إلى قواده بأن يدخلوا المدينة في نظامهم التقليدي على أنغام الموسيقى الحربية، ولكن جاء أحد ضباط الجيش وقال: مولاي، كلفني قوم من قادة الثورة أن أستأذن لهم في المثول بين يديك، ليقدموا لذاتك العلية هدايا مما غنموا في ثورتهم.

فابتسم أحمس وسأل الضابط: أقادم أنت من المدينة؟ - نعم يا مولاي. - هل فتحت أبواب معبد آمون؟ - فتحها الثوار يا مولاي. - ولماذا لم يأت الكاهن الأكبر لتحيتنا؟ - يقولون يا مولاي إنه أقسم ألا يبرح خلوته وفي مصر رجل من الرعاة إلا عبدا أو أسيرا.

فابتسم الملك وقال: حسنا .. ادع قومي!

وبرح الرجل الخيمة ومضى إلى المدينة، وعاد يتبعه قوم كثيرون يسيرون جماعات جماعات، تسوق كل جماعة هديتها، واستأذن للجماعة الأولى فدخل نفر من المصريين عراة إلا من أزر على أوساطهم، تنطق وجوههم بالبؤس والفقر، ويدفعون بين أيديهم رجالا من الرعاة تعرت رءوسهم وتلبدت لحاهم وتعفرت جباههم، ثم سجدوا للملك حتى مست الأرض جباههم، ولما رفعوا وجوههم إليه رأى أعينهم فائضة بالدمع من الفرح والسرور، وقال كبير القوم: مولانا أحمس بن كاموس بن سيكننرع فرعون مصر ومحررها وحاميها، والغصن السامق من تلك الدوحة الباسقة التي استشهدت أصولها في سبيل طيبة المجيدة، ومن كان مجيئه رحمة لنا وتكفيرا عن إساءة الأيام إلينا.

صفحة غير معروفة