101

كفاح طيبة

تصانيف

وأخيرا لاحت في الأفق أسوار هواريس الهائلة كالجبال الصخرية، فصاح أحمس: هذا آخر حصن للرعاة في مصر.

فقال له حور وهو ينظر إلى الحصن بعينيه الضعيفتين: حطم أبوابه يا مولاي يخلص لك وجه مصر الجميل.

25

وكانت هواريس تقع شرق فرع النيل، ويمتد سورها شرقا مسافة ينقطع دونها البصر، وكان كثير من الأهلين يعرفون المدينة المحصنة، ومنهم من عملوا داخلها أو في أسوارها، فقالوا لمليكهم: إنه يحيط بالمدينة أربعة أسوار ضخمة غليظة دائرة، يليها خندق محيط يجري فيه ماء النيل، وإن بالمدينة حقولا شاسعة تكفي حاجة أهليها جميعا، وجلهم جنود ما عدا المزارعين المصريين، وتسقي المدينة جداول تأخذ من فروع النيل تحت السور الغربي وفي حمايته، وتتجه شرقا نحو المدينة.

وقد وقف أحمس ورجاله جنوب الحصن الهائل يقلبون وجوههم حيارى في الأسوار العظيمة المترامية، بدت الجنود في ذراها كالأقزام، وضرب الجيش خيامه، وامتدت صفوف الجند بحذاء السور الجنوبي، وتقدم الأسطول في النهر غربي السور الغربي بعيدا عن مرمى سهامه للمراقبة والحصار، وكان أحمس يستمع إلى أقوال الأهلين عن الحصن، ويفحص الأرض المحيطة به والنهر الجاري غربه وعقله لا يني عن التفكير، وفي أثناء ذلك سير قوات راكبة ومشاة إلى القرى المحيطة بالمدينة، فاستولت عليها دون عناء، وأضحى حصاره للحصن كاملا في زمن يسير؛ ولكنه كان ورجاله يعلمون أن الحصار عقيم، وأن المدينة مستغنية بنفسها عما عداها، وأن الحصار لو امتد أعواما لن يؤثر فيها شيئا؛ وسيبقى هو وجيشه يعانيان الملل والانتظار في غير أمل، وأهوال الجو وتقلباته ، وفيما كان يجول حول الحصن خطر له خاطر، فدعا رجاله إلى خيمته ليشاورهم في الأمر، وقال لهم: أشيروا علي، فإني أرى الحصار ضياعا للعمر وتبديدا للقوى، وأرى الهجوم ضربا من العبث وانتحارا صريحا، ولعل العدو يتمنى أن نكر عليه ليصيد رجالنا البواسل أو يوقعهم في خنادقه .. فما الرأي؟

فقال القائد ديب: الرأي يا مولاي أن نحاصر الحصن بجزء من قواتنا، ونعتبر الحرب منتهية عند ذاك؛ ثم تعلن استقلال الوادي وتباشر واجبك كفرعون مصر المتحدة.

ولكن حور اعترض على الفكرة قائلا: وكيف تترك أبوفيس آمنا يدرب رجاله ويجدد عجلاته ليكر علينا فيما بعد؟

فقال القائد محب بحماسة: لقد دفعنا ثمن طيبة غاليا، والكفاح بذل وفداء، فلماذا لا نؤدي ثمن هواريس ونهجم كما هجمنا على حصون طيبة؟

فقال القائد ديب: نحن لا نضن بنفوسنا، ولكن الهجوم على أربعة أسوار ضخمة تفصل بينها خنادق ملأى بالماء، تهلكة لجنودنا بلا ثمن.

وكان الملك صامتا متفكرا، فقال وهو يشير إلى النهر الجاري تحت سور المدينة الغربي: إن هواريس حصينة لا تؤخذ ولا تجوع، ولكنها قد تظمأ.

صفحة غير معروفة