وتساءل طمبورة: إن يكن حقا كما يقال عنه، فما الذي أقعده حتى الآن عن الانتقام؟
فقال عنارة بكآبة: لا يهمنا ذلك بقدر ما يهمنا المستقبل.
ثم وهو يعصر عينيه الملتهبتين: والأحلام لا ترى عبثا!
عند ذاك قال الشيخ درديري: سأسأل عن مسكنه بحجة الاطمئنان عليه.
وغاب الشيخ يوما كاملا، ثم رجع ليعلن في ظفر اهتدائه إلى بيت الشاب، قال إنه جالسه وعلم بسبب تخلفه عن زيارة قبر أبيه، وهو مرض أمه، وأخبرهم بأقصر طريق إلى المسكن من ناحية الخلاء؛ إذ لا يدري بهم أحد، ولكن هل يقتلونه أو يكتفون برؤيته وإرهابه؟
وأدرك الأعوان من صمت المعلم أنه يترك لهم الكلمة لغرض لم يعد يخفى عليهم بحكم معاشرته الطويلة، فقال طمبورة ساخرا: وجد المسكين مقتولا بيد مجهول!
فاعترض عنارة متسائلا: ماذا تدرون عن قوته وأعوانه؟
وتبادلوا نظرات قاسية، ثم استقر رأيهم على خطة عركوها منذ القدم.
وفي ليلة شديدة الظلام، خرج حندس وأعوانه، وقد استقل هو وخلصاؤه الكرتة، موسعين للشيخ درديري مكانا عند الأقدام، وأوغلوا في الصحراء حتى صعدوا ما يشبه التل عند مفترق تتجه طريقه الرئيسية نحو باب الربع، وعند ذاك قال السائق: لا يمكن أن تتقدم العربة قيراطا واحدا في هذا الخراب.
غادروا الكرتة، وحثهم الشيخ درديري على البحث عن سبيل ماء قائم على رأس منحدر طويل، وكان قائما على مبعدة أمتار منهم، كما لاح شبحه تحت ضوء النجوم، وقال الشيخ: في نهاية المنحدر يقع البيت، وهو في عزلة؛ إذ تحيط به الخرائب من جهتين، ويحدق بالثالثة فناء واسع لوكالة، توكلوا على الله، أما أنا فإني ذاهب.
صفحة غير معروفة