سأله بازدراء: متى زرت المدفن آخر مرة؟ - في عيد الفطر الماضي. - ماذا يقولان وهما في المدفن؟ - يستمعان للتلاوة أو يتبادلان حديثا لا يستحق الذكر. - ألم يجر الحديث مرة عن الميت؟ - لم أسمع.
نفخ قائلا: لم تقل شيئا يا أعمى!
ولكن عنارة قال بنبرة ذات مغزى: قال إنه يعرف المدفن.
ولما ذهب الشيخ درديري، قال طمبورة: نذهب في العيد الكبير، لنرى بأعيننا. - وبعد ذلك؟ - دعوا الباقي لي! - أنقتله من غير أن يثبت لنا سوء نيته؟ - إنه لن يزيد الميتين عدا، ولن ينقص الأحياء!
وفي موسم العيد، تفرق حندس وأعوانه في البقعة حول المدفن الذي دلهم عليه الشيخ درديري. وقد ذابوا في الزحام الذي ناءت به الأرض بمنجى من الريب، وظلت أعينهم تدور حول المدفن الذي تراءى وراء سوره المتهرئ قبر مكشوف ونخلة وحيدة، على حين قام بابه الخشبي في هزال منحوت القشرة، مزعزع المفاصل، خليقا بأن يقتلع لدى أول لطمة قوية من الهواء. ومر النهار كله دون أن يطرق الباب طارق، وكان الشيخ درديري يسترزق هنا وهناك، وكلما جاء المدفن وجده مغلقا فيمضي في تجواله، واقترب سمكة من الشيخ درديري، وهمس في أذنه: كذبت علينا يا أعمى.
فهتف الشيخ: والله ما كذبت على أحد.
فلكزه بكوعه قائلا: اسأل الترابي ثم عد إلينا.
غاب الشيخ قليلا، ثم عاد إليهم ليخبرهم بأن الترابي لا يعرف شيئا عما عاق الأسرة عن المجيء. - ألم تسأله عن مسكنه؟ - في باب الربع، ولكنه لا يعرف أكثر من ذلك.
وبعد وقفة قصيرة استطرد الشيخ قائلا: ومن عجب أن الرجل لا يعرف اسمه ولا عمله، وختم حديثه عنه بقوله: «حد الله بيني وبينه.» فلما سألته عما جعله يقول ذلك، دفعني قائلا: «توكل على الله!»
رجع الرجال إلى درب الأعور بوجوه متجهمة. وضح لهم أن الشاب غامض حقا، أو أنه يحيط نفسه بالأسرار، وأنه خطير يجب أن يحسب له حساب.
صفحة غير معروفة