اجزاء العلوم
قالوا: كل علم من العلوم المدونة لا بد فيه من أمور ثلاثة: الموضوع والمسائل والمبادئ، وهذا القول مبني على المسامحة، فإن حقيقة كل علم مسائله، وعد الموضوع والمبادئ من الأجزاء إنما هو لشدة اتصالهما بالمسائل التي هي المقصودة في العلم.
أما الموضوع فقالوا: موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية؛ وتوضيحه أن كمال الإنسان بمعرفته أعيان الموجودات من تصوراتها والتصديق بأحوالها على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية، ولما كانت معرفتها بخصوصها متعذرة مع عدم إفادتها كمالا معتدا بها لتغيرها وتبدلها أخذوا المفهومات الكلية الصادقة عليها، ذاتية كانت أو عرضية، وبحثوا عن أحوالها من حيث انطباقها عليها، ليفيد علمها بوجه كلي علما باقيا أبد الدهر. ولما كانت أحوالها متكثرة وضبطها منتشرة مختلفة متعسرا، اعتبروا الأحوال الذاتية لمفهوم مفهوم، وجعلوها علما منفردا بالتدوين وسموا ذلك المفهوم موضوعا لذلك العلم، لأن موضوعات مسائله راجعة إليه، فصارت كل طائفة من الأحوال المتشاركة في موضوع علما منفردا ممتازا في نفسه عن طائفة أخرى متشاركة في موضوع آخر، فجاءت علومهم متمايزة في أنفسها بموضوعاتها؛ وهذا أمر استحساني إذ لا مانع عقلا من أن يعد كل مسئلة علما برأسه ويفرد بالتعليم، ولا بد من أن تعد مسائل كثيرة غير متشاركة في موضوع واحد علما واحدا ويفرد بالتدوين، فالامتياز الحاصل للطالب بالموضوع إنما هو للمعلومات بالأصالة، وللعلوم بالتبع.
والحاصل بالتعريف على عكس ذلك إن كان تعريفا للعلم، وإن كان تعريفا للمعلوم فالفرق أنه قد لا يلاحظ الموضوع.
ثم إنهم عمموا الأحوال الذاتية وفسروها بما يكون محمولا على ذلك المفهوم، إما لذاته أو لجزئه الأعم أو المساوي؛ فإن له اختصاصا بالشيء من حيث كونه من أحوال مقومه أو للخارج المساوي له، سواء كان شاملا لجميع أفراد ذلك المفهوم على الإطلاق، أو مع مقابله مقابلة التضاد، أو العدم، والملكة دون مقابلة السلب والإيجاب، إذ المتقابلان تقابل السلب والإيجاب لا اختصاص لهما بمفهوم دون مفهوم، ضبطا للانتشار بقدر الإمكان، فأثبتوا الأحوال الشاملة على الإطلاق لنفس الموضوع والشاملة مع مقابلتها لأنواعه، واللاحقة للخارج المساوي لعرضه الذاتي، ثم إن تلك الأعراض الذاتية لها عوارض ذاتية شاملة لها على الإطلاق، أو على التقابل، فأثبتوا العوارض الشاملة على الإطلاق لنفس الأعراض الذاتية، والشاملة على التقابل لأنواع تلك الأعراض، وكذلك عوارض تلك العوارض، وهذه العوارض في الحقيقة قيود للأعراض المثبتة للموضوع ولأنواعه إلا أنها لكثرة مباحثها جعلت محمولات على الأعراض، وهذا تفصيل ما قالوا: معنى البحث عن الأعراض الذاتية أن تثبت تلك الأعراض لنفس الموضوع أو لأنواعه أو لأعراضه الذاتية أو لأنواعها، أو لأعراض أنواعها، وبهذا يندفع ما قيل إنه ما من علم إلا ويبحث فيه عن الأحوال المختصة بأنواعه فيكون بحثا عن الأعراض الغريبة، للحوقها بواسطة أمر أخص كما يبحث في الطبعي «1» عن الأحوال
صفحة ٧