معلوماته بلفظه وهو أصول الفقه، وعنه بإضافة العلم إليه، فيقال علم أصول الفقه، أو يكون إطلاقها على العلم المخصوص على حذف المضاف أي علم الأصول الفقه. لكن يحتاج إلى اعتبار قيد الإجمال، ومن ثمة قيل في المحصول «1»: أصول الفقه مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها. وفي الإحكام: هي أدلة الفقه وجهات دلالتها على الأحكام الشرعية وكيفية حال المستدل من جهة الجملة، كذا ذكر السيد السند في حواشي شرح مختصر الأصول.
وأما
تعريفه
باعتبار اللقب، فهو العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه على وجه التحقيق، والمراد بالقواعد القضايا الكلية التي تكون إحدى مقدمتي الدليل على مسائل الفقه، والمراد بالتوصل التوصل القريب الذي له مزيد اختصاص بالفقه إذ هو المتبادر من الباء السببية، ومن توصيف القواعد بالتوصل فخرج المبادئ كقواعد العربية والكلام، إذ يتوصل بقواعد العربية إلى معرفة الألفاظ وكيفية دلالتها على المعاني الوضعية وبواسطة ذلك يقتدر على استنباط الأحكام من الكتاب والسنة والاجماع، وكذا يتوصل بقواعد الكلام إلى ثبوت الكتاب والسنة ووجوب صدقهما، ويتوصل بذلك إلى الفقه، وكذا خرج علم الحساب، إذ التوصل بقواعده في مثل: له علي خمسة في خمسة، إلى تعين مقدار المقر به لا إلى وجوبه الذي هو حكم شرعي كما لا يخفى، وكذا خرج المنطق إذ لا يتوصل بقواعده إلى الفقه توصلا قريبا مختصا به، إذ نسبته إلى الفقه وغيره على السوية.
والتحقيق في هذا المقام أن الإنسان لم يخلق عبثا ولم يترك سدى، بل تعلق بكل من أعماله حكم من قبل الشارع منوط بدليل يختصه ليستنبط منه عند الحاجة، ويقاس على ذلك الحكم ما يناسبه لتعذر الإحاطة بجميع الجزئيات، فحصلت قضايا موضوعاتها أفعال المكلفين، ومحمولاتها أحكام الشارع على التفصيل، فسموا العلم بها الحاصل من تلك الأدلة فقها. ثم نظروا في تفاصيل الأدلة والأحكام فوجدوا الأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والأحكام راجعة إلى الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة. وتأملوا في كيفية الاستدلال بتلك الأدلة على تلك الأحكام إجمالا من غير نظر إلى تفاصيلها، إلا على طريق ضرب المثل، فحصل لهم قضايا كلية متعلقة بكيفية الاستدلال بتلك الأدلة على تلك الأحكام إجمالا، وبيان طرقه وشرائطه، يتوصل بكل من تلك القضايا إلى استنباط كثير من تلك الأحكام الجزئية عن أدلتها، فضبطوها ودونوها وأضافوا إليها من اللواحق والمتممات وبيان الاختلافات وما يليق بها، وسموا العلم بها أصول الفقه، فصار عبارة عن العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى الفقه. ولفظ القواعد مشعر بقيد الإجمال. وقيد التحقيق للاحتراز عن علم الخلاف والجدل، فإنه وإن شمل «2» على القواعد الموصلة إلى الفقه، لكن لا على وجه التحقيق، بل الغرض منه إلزام الخصم. ولقائل أن يمنع كون قواعده مما يتوصل به إلى الفقه توصلا قريبا، بل إنما يتوصل بها إلى محافظة الحكم المستنبط أو مدافعته، ونسبته إلى الفقه وغيره على السوية، فإن الجدلي إما مجيب يحفظ وضعا أو معترض يهدم وضعا، إلا أن الفقهاء أكثروا فيه من مسائل الفقه وبنوا نكاته عليها، حتى يتوهم أن له اختصاصا بالفقه.
صفحة ٣٨