علم الكلام
ويسمى بأصول الدين، أيضا، وسماه أبو حنيفة «1» رحمه الله تعالى بالفقه الاكبر. وفي مجمع السلوك «2»: ويسمى بعلم النظر والاستدلال أيضا، ويسمى أيضا، بعلم التوحيد والصفات. وفي شرح العقائد «3» للتفتازاني: العلم المتعلق بالأحكام الفرعية، أي العملية يسمى علم الشرائع والأحكام، وبالأحكام الأصلية أي الاعتقادية يسمى علم التوحيد والصفات، انتهى. وهو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية على الغير بإيراد الحجج ودفع الشبه، فالمراد بالعلم معناه الأعم أو التصديق مطلقا، ليتناول إدراك المخطئ في العقائد ودلائلها ويمكن أن يراد به المعلوم، لكن بنوع تكلف بأن يقال علم أي معلوم يقتدر معه، أي مع العلم به الخ. وفي صيغة الاقتدار تنبيه على القدرة التامة، وبإطلاق المعية تنبيه على المصاحبة الدائمة، فينطبق التعريف على العلم بجميع العقائد مع ما يتوقف عليه إثباتها من الأدلة ورد الشبه، لأن تلك القدرة على ذلك الإثبات إنما تصاحب هذا العلم دون العلم بالقوانين التي تستفاد منها صور الدلائل فقط ، ودون علم الجدل الذي يتوسل إلى حفظ أي وضع يراد، إذ ليس فيه اقتدار تام على ذلك، وإن سلم فلا اختصاص له بإثبات هذه العقائد، والمتبادر من هذا الحد ما له نوع اختصاص به، ودون علم النحو المجامع لعلم الكلام: مثلا إذ ليس تترتب عليه تلك القدرة دائما على جميع التقادير، بل لا مدخل له في ذلك الترتب العادي أصلا.
وفي اختيار يقتدر على يثبت إشارة إلى أن الإثبات بالفعل غير لازم، وفي اختيار معه على به مع شيوع استعماله تنبيه على انتفاء السببية الحقيقية المتبادرة من الباء، إذ المراد الترتب العادي، وفي اختيار إثبات العقائد على تحصيلها إشعار بأن ثمرة الكلام إثباتها على الغير، وبأن العقائد يجب أن تؤخذ من الشرع ليعتد بها، وإن كانت مما يستقل العقل فيه، ولا يجوز حمل الإثبات هاهنا على التحصيل والاكتساب، إذ يلزم منه أن يكون العلم بالعقائد خارجا عن علم الكلام ثمرة له ولا خفاء في بطلانه.
والمتبادر من الباء في قولنا بإيراد هو الاستعانة دون السببية، ولئن سلم وجب حملها على السببية العادية دون الحقيقية بقرينة ذلك التنبيه السابق. وليس المراد بالحجج والشبه ما هي كذلك في نفس الأمر، بل بحسب زعم من تصدى للإثبات بناء على تناول المخطئ، ولا يراد بالغير الذي يثبت عليه العقائد غيرا معينا حتى يرد أنها إذا أثبتت عليه مرة لم يبق اقتدار على إثباتها قطعا، فيخرج المحدود عن الحد. فحاصل الحد أنه علم بأمور يقتدر معه، أي يحصل مع ذلك العلم حصولا دائما عاديا قدرة تامة على إثبات العقائد الدينية على الغير وإلزامها إياه بإيراد الحجج ودفع الشبه عنها، فإيراد الحجج إشارة إلى وجود المقتضي، ودفع الشبه إلى انتفاء المانع. ثم المراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد كقولنا الله تعالى عالم قادر سميع بصير، لا ما يقصد به العمل، كقولنا الوتر واجب إذ قد
صفحة ٢٩