والحارث؛ وقوله بطرق مختلفة، أي في طرق مختلفة؛ والمراد بالطرق التراكيب، ويستفاد منه أنه لا بد في البيان من أن تكون بالنسبة إلى كل معنى طرق ثلاثة على ما هو أدنى الجمع، ولا بعد فيه لأن المعنى الواحد الذي نحن فيه له مسند ومسند إليه، ونسبة لكل منها دال يجري فيه المجاز سيما باعتبار المعنى الالتزامي المعتبر في هذا الفن، فتحصل للمركب طرق ثلاثة لا محالة. ولا يشكل عليك أنه وإن تتحقق الطرق الثلاثة بالاعتبار المذكور، وأزيد لكن كيف يجزم بتحقق الاختلاف في الوضوح وهو خفي جدا، فإن الأمر هين إذ الاختلاف في الوضوح والخفاء كما يكون باعتبار قرب المعنى المجازي وبعده من المعنى الحقيقي، يكون بوضوح القرينة المنصوبة وخفائها فلا محالة تتحقق «1» المعاني المختلفة وضوحا وخفاء ولو باعتبار القرائن التي نصبها في تصرف البليغ؛ فتقييد إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة على تقدير أن يكون لها طرق مختلفة مما لا حاجة إليه.
بقي هاهنا شيء وهو أنه كما أن الاقتدار على إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة من «2» مزايا البلاغة، كذلك الاقتدار على إيراده بطرق متساوية في الوضوح، فلا معنى لإدخال الأول تحت البيان دون الثاني إلا أن يقال هذا تعريف بخاصة شاملة للمعرف ولا يلزم منه ان يكون كل ما يغاير هذه الخاصة خارجا عن وظائف البيان. ثم المختلفة تشتمل المختلفة في الكلمات التي هي أجزاء المركب والمختلفة في وضوح الدلالة، فالطرق المختلفة في الأول ليس من البيان فأخرجه بقوله في وضوح الدلالة، إما لأنه أراد بالدلالة الدلالة العقلية لما أنه تقرر من أن الاختلاف المذكور لا يجري إلا في الدلالات العقلية، وإما لأن الاختلاف في وضوح الدلالة يخص الدلالة العقلية، فلا حاجة إلى تقييد الدلالة بالعقلية لإخراج الطرق المختلفة بالعبارة، وترك في التعريف ذكر الخفاء، وإن ذكر في المفتاح للاختصار ولاستلزام الاختلاف في الوضوح الاختلاف في الخفاء. وقوله عليه، أي على المعنى الواحد، وإن شئت زيادة التوضيح فارجع إلى الأطول. وموضوعه اللفظ البليغ من حيث أنه كيف يستفاد منه المعنى الزائد على أصل المعنى.
علم البديع
وهو علم تعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، وبعد رعاية وضوح الدلالة، كذا ذكر الخطيب؛ أي علم يعرف به كل وجه جزئي يرد على سامع الكلام البليغ والمتلفظ به على ما في الأطول. وليس المراد بوجوه التحسين مفهومها الأعم الشامل للمطابقة، والخلو عن التعقيد المعنوي، وغير ذلك مما يورث الكلام حسنا، سواء كان داخلا في البلاغة أو غير داخل فيها مما يتبين في علم المعاني والبيان واللغة والصرف والنحو، لأنه يدخل فيها حينئذ بعض ما ليس من المحسنات التابعة لبلاغة الكلام كالخلو من التنافر ومخالفة القياس وضعف التأليف، لأن البلاغة موقوفة على الخلو عنها، فلا يكون الخلو عنها من المحسنات التابعة لبلاغة الكلام، ضرورة أنها تكون بعد البلاغة، بل المراد منها ما سواها مما لا دخل له في البلاغة من المحسنات. فقوله بعد رعاية مطابقة الكلام الخ، ليس للاحتراز عن تلك الأمور لعدم دخولها في وجوه التحسين، بل للتنبيه
صفحة ٢٧