موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم
محقق
د. علي دحروج
الناشر
مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
رقم الإصدار
الأولى - 1996م.
تصانيف
الأوقات، كذا في شرح المواقف. ويقرب منه ما قال الصوفية على ما وقع في الإنسان الكامل من أن الإرادة صفة تجلي علم الحق على حسب المقتضى الذاتي، وذلك المقتضى هو الإرادة، وهي تخصيص الحق تعالى لمعلوماته بالوجود على حسب ما اقتضاه العلم، فهذا الوصف فيه يسمى إرادة. والإرادة المخلوقة فينا هي عين إرادته تعالى، لكن بما «1» نسبت إلينا، كان الحدوث اللازم لنا لازما لوصفنا، فقلنا بأن إرادتنا مخلوقة، وإلا فهي بنسبتها إلى الله تعالى عين إرادته تعالى، وما منعها من إبراز الأشياء على حسب مطلوباتها إلا نسبتها إلينا، وهذه النسبة هي المخلوقية «2»، فإذا ارتفعت النسبة التي لها إلينا ونسبت إلى الحق على ما هي عليه انفعلت بها الأشياء، فافهم. كما أن وجودنا بنسبته إلينا مخلوق وبنسبته إليه تعالى قديم، وهذه النسبة هي الضرورية التي يعطيها الكشف والذوق، إذ «3» العلم قائم مقام العين، فما ثم إلا هذا فافهم.
واعلم أن الإرادة الإلهية المخصصة للمخلوقات على كل حال وهيئة صادرة عن غير علة ولا سبب، بل بمحض اختيار إلهي، لأن الإرادة حكم من أحكام العظمة ووصف من أوصاف الألوهية، فألوهيته وعظمته لنفسه لا لعلة، وهذا بخلاف رأي الإمام محي الدين «4» في الفتوحات «5»، فإنه قال: لا يجوز أن يسمى الله تعالى مختارا فإنه لا يفعل شيئا بالاختيار، بل يفعله على حسب ما يقتضيه العالم من نفسه، وما اقتضاه العالم من نفسه إلا هذا الوجه الذي هو عليه، فلا يكون مختارا، انتهى.
واعلم أيضا أن الإرادة أي الإرادة الحادثة لها تسعة مظاهر في المخلوقات، المظهر الأول هو الميل، وهو انجذاب القلب إلى مطلوبه، فإذا قوي ودام سمي ولعا وهو المظهر الثاني.
ثم إذا اشتد وزاد سمي صبابة، وهو إذا أخذ القلب في الاسترسال فيمن يحب فكأنه انصب الماء إذا أفرغ لا يجد بدا من الانصباب، وهذا مظهر ثالث. ثم إذا تفرغ له بالكلية وتمكن ذلك منه سمي شغفا، وهو المظهر الرابع. ثم إذا استحكم في الفؤاد وأخذه من الأشياء سمي هوى، وهو المظهر الخامس. ثم إذا استولى «6» حكمه على الجسد سمي غراما، وهو المظهر السادس. ثم إذا نمى وزالت العلل الموجبة للميل سمي حبا، وهو المظهر السابع. ثم إذا هاج حتى يفنى المحب عن نفسه سمي ودا، وهو المظهر الثامن. ثم إذا طفح حتى أفنى المحب والمحبوب سمي عشقا، وهو المظهر التاسع. انتهى كلام الإنسان الكامل.
صفحة ١٣٦