والجواب والله والموفق للصواب: أن الاختلاف لا يكون دليلا على الحدوث إلا إذا كان في شيء واحد كاختلاف أعضاء الإنسان وجوارحه وحواسه أو في شيئين قد جمعتهما صفة ذاتية لهما كالجسمية في الأجسام، والعرضية في الأعراض، والحيوانية في الحيوانات، والإنسانية وهي الناطقية مع الحيوانية، وهذا المعنى يؤخذ من كلام المؤلف عليه السلام في الأجسام، لأنها قد اشتركت في الجسمية، ثم افترقت هيئاتها وصورها إلخ، ومن قوله في الأعراض فقد اشتركت في كونها أعراضا ثم افترقت وانقسمت بين شهوة ونفرة إلخ، وإذا حققت هذا المعنى وظهرت لك النكتة التي تحت الجمع بين الشيئين بصفة ذاتية ثم الفرق بينهما بصفة أو صفات قائمة بهما على سبيل الاختلاف والتضاد، علمت سقوط هذا السؤال وعدم قدحه في الدلالة على حدوث العالم دون الباري تعالى، لأنه لا صفة ذاتية جامعة بين الله تعالى وبين العالم، لأن العالم أجسام وهو تعالى ليس بجسم وأعراض وهو تعالى ليس بعرض، فلا مشابهة بينها وبينه تعالى ولا جامع في شيء من الصفات الراجعة إلى ذوات العالم كالجسمية والحيوانية والناطقية والعرضية، ولو شابه شيئا من هذه الذوات لجاز عليه ما جاز عليها من الزيادة والنقصان والعدم والبطلان، ولوجب له ما يجب لها من التحيز للجسم وافتقار العرض والناطقية والحيوانية إلى الجسم القائمة به،واستحال عليه ما يستحيل عليها وهو وجودها من دون محل ولا فاعل، فالله سبحانه وتعالى لا جامع بينه وبين الأشياء، قال القاسم بن إبراهيم عليهما السلام في كتاب الدليل الكبير ما لفظه: وهذا الباب من خلافه سبحانه أي مخالفته لأجزاء الأشياء كلها فيما يدرك من فروع الأشياء جميعا وأصولها مما لا يوجد أبدا إلا بين الأشياء وبينه ولا يوصف بها أبدا غيره يعني عليه السلام أن الاختلاف العام من كل وجوهه لا يوجد إلا فيما بين الله تعالى وبين جميع الأشياء، قال عليه السلام: وهي الصفة التي لا يشاركه فيها مشارك، ولا يملكها عليه مالك، ولا يعم الأشياء اختلاف عمومه، ولا يصحح الألباب إلا الله معلومه لأنه وإن وقع بين الأشياء ما يقع من الاختلاف فليس يوجد واقعا إلا بين ذوات الأوصاف، وكل واحد منها وإن خالف غيره في صفة فقد يوافقه في صفة أخرى سواء كان مما يعقل أو كان مما يلمس، ويرى انتهى كلامه والمسك ختامه.
فثبت بطلان هذا السؤال وعدم قدحه في الاستدلال وبقي أن يقال: فقولكم: إنه تعالى شيء، يوجب الاشتراك بينه وبين سائر الأشياء في الشيئية.
صفحة ٧٦