هذا إذا كان المراد بالكبائر كبائر الإثم والفواحش، فأما إن كان المراد بالكبائر كبائر الطاعات التي تثقل على النفوس ، فلا إشكال، ولعلكم تنكرون هذا المعنى الذي هو كبائر الطاعات والله تعالى يقول: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}(1)، وقال تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله}(2)، وقال تعالى: {كبر على المشركين ما تدعوهم إليه}(3).
وعلى هذا فالذي يفعل من الطاعات ما يثقل عليه ويعسر ويتحمل المشقة ليرضي ربه تكون له الشفاعة، لأنه عمل عملا كبيرا عليه ليرضي ربه.
ولعلكم تقولون: الكبائر حقيقة في كبائر العصيان.
والجواب: هذا عرف حادث، والقرآن والسنة عربيان يفسران باللغة العربية لا بالعرف الحادث، ألا ترى أن السيارة قد صارت في هذا العصر حقيقة في تلك المصنوعة من الحديد وغيره التي يسافر بها ويحمل عليها، ولايصح أن يفسر بها قول الله تعالى: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم}(4)، وإنما يفسر بمسافرين يكثرون السير، فهكذا اسم الكبائر لايفسر بكبائر العصيان، إلا حيث قامت قرينة أو أضيف إلى المعاصي كما في القرآن: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}(5)، {الذين يجتنبون كبائر الإثم}(6).
فتحصل: أن الحديث مجمل باعتبار اسم الكبائر، وباعتبار المشفوع فيه ما هو؟ فالحديث إن صح فهو من المتشابه يرد إلى المحكم، أو يقال: ما يعلم تأويله إلا الله، على الخلاف في المتشابه.
صفحة ٢٣