وأما قول عمر وابن مسعود رضي الله عنهما: «إن كنت كتبتني عندك شقيا فاكتبني سعيدا» فإن صح عنهما فإنما ذلك تملق إلى الله تعالى وتضرع، وهما محل بسط وانبساط، وربما صدر ذلك على غير عمد، ومن ذلك قول أبي نصر: «فيا ليت ما فاهت به لهواتهم صحيح» وليس ذلك <1/ 50> على ظاهره وإنما المعنى أنه إذا كثرت ذنوبي في اللوح المحفوظ الموجب في الجملة للشقاوة حتى إن حسناتي التي فيه كالعدم لقلتها فأسعدني وغلبها فعبر بالسبب والملزوم عن المسبب واللازم أو ذلك كناية أريد لازم معناها لا ما وضع له اللفظ وأما الآثار الواردة في أن الله زاد في عمره كذا وكذا وفي رزقه كذا وكذا فحملها على ظاهرها ليس من الرأي بل على قول تبدو له البدوات واختلال علمه عز وجل وهو ضلال فلا تهم ولا تقلد ولا يصيبك خلل في فهم كلامي، بل معنى ذلك أن الله عز وجل قضى في الأزل بلا أول أن عمر فلان مائة مثلا خمسون منها لأجل أن يفعل كذا وكذا في الرزق، أو لأنه لا يفعل كذا وكذا أو لا يصبر عن كذا وكذا وأما الاستدلال على عدم التغيير بأنه إن كان يتغير فما فائدة كتبه فلا يتم لك؛ لأن للخصم أن يقول: كتب ليبين فضله على عبده بإبطاله، وإنما الحجة ما مر وأن أخباره لا يجوز عليها النسخ؛ لأنه يؤدي إلى الكذب والجهالة وبدو البدوات، وأن الوعيد لا يخلف لأنه إنما يخلفه من جهل العاقبة أو جهل ما في الحال واحتاج فينقض ما أبرم والله بخلاف ذلك سبحانه وتعالى عز وجل، وهذه حجة على من أجاز خلف الوعيد. وقد قال الله عز وجل: {ما يبدل القول لدي} [سورة ق: 29] وهذا تمدح ذاتي، وما كذلك لا يتغير بالأزمنة، ولا بين مشرك وموحد.
صفحة ٤٨