بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فتح لرحمته أبوابا ومنح لحكمته أسبابا ركب العقل في عالم التكليف وأعد إليه سؤالا وجوابا وخلق الأفعال للقوي والضعيف ورتب عليه عقابا وثوابا شرف العلماء وكشف بهم من القلوب العمى وجعلهم مصابيح الأرض كمصابيح السماء وصلاة الله وسلامه على نبينا محمد الجامع لشتات الدين الصادع بالحق الساطع بالصدق إلى يوم الدين وآله وصحبه المنتظمين في سلكه الحسن، العاملين ما فرض وسن، الهاجرين في طاعة الله الوسن.
أما بعد، فلما كانت رسائل الشيخ العلامة الإمام النحرير القدوة الشهير قطب الأئمة مفتي الأمة شيخنا الحاج أمحمد بن يوسف بن عيسى بن صالح بن عبد الرحمن الإباضي الوهبي المغربي اليسجني تغمده الله برحمته وأسكنه فراديس جنته وكتبه إلى أهال عمان متفرقة في كل مكان وجب علينا جمعها لينتشر في الناس نفعها فهي شوارد سائرة وفوائد باهرة ألفناها كتابا ورتبناها أبوابا لتكون أقرب تناولا للراغب المفيد وأسهل نيلا للطالب المستفيد وأعم نفعا للمريد من البعيد ولعمري ما هذا المجموع إلا قطرة من غيث وبلة من منبع علوم ذلك البحر الفياض الذي شاع ذكره وذاع في جميع الأصقاع، واعترف له جهابذة الملل بالسبق والاقتدار وطول الباع، وناهيك بما اشتهر من تآليفه العديدة التي عم نفعها الخافقين ومآثره الحميدة التي سارت مسير النيرين أكرم الله نزله، وأعلى في الجنة منزله، ولولا أن مقام هذا الإمام بين الإسلام أشهر من الشمس في رابعة النهار لذكرت لك طرفا من أخباره السائرة، ونبذة من آثاره الزاهرة لتعلم أنه المجلى في حلبة الفحول المبرز في علم المعقول والمنقول كأنما عناه من يقول:
<1/ 4>
صفحة ١
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل والأولى بالمختصر الاختصار ولمثلنا الاقتصاد فدونك ترتيب هذه المسائل كما أراد السائل وما لنا فيه إلا الجمع وحسن الوضع والله سبحانه نسأله العون والتوفيق في المقاصد والوسائل، والمثوبة النافعة في العاجل والآجل، فإياه نعبد وعليه نعتمد ومن فيض فضله نستمد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(مقدمة فيما جاء منه من الرسائل المشتملة على غرر المسائل)
وإنما نذكر منها هنا ما لا يتعلق له بالأبواب لكونه مجرد كتاب وألحقنا ما لها من المسائل بالأبواب المناسبة لها عند طلابها كما اقتضاه الترتيب على هذا النمط العجيب من كتبه رضي الله عنه.
------------------------
<1/ 5>
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فسلام من كاتبه الحاج أمحمد بن يوسف حامدا لمن جعله يؤلف على إخوانه حبا وديانة، أولاها الله نصرا وصيانة، العالم الورع الشيخ عبد الله بن حميد والفهامة عيسى بن صالح وسائر الطلبة للعلم والعبادة.
وصلني كتابكما وفرحت به لبقاء المحبة والاتصال في أمر الدين، وشكوتما انقطاع الكتابة بيننا. اعلما أنها لم تنقطع ولكن كتبي لا تصلكما، لا أدرى ما اسم بلدكم؟ وإن دريت ما اسمه لم يصلكما لوسع عمان فمرة أرسله إليكما على يد السلطان فيصل وتارة على يد السيد حمود [بن عزان بن قيس] أناله الله مراده كله بلا معصية، فلو جعلتما قماطر معنونة إلي وترصدان في مسقط من يقبض ما أرسل إليكما من كتاب أو جواب علم أو غيره. ذلك وبلغوا السلام من قرظ في شأن هميان الزاد وغيره ممن مال إلي ومن تصدى للتعلم أو للتعليم والعبادة وقد أرسلت إليكم كتابا في المعقول فأخبروني هل وصلكم؟ وأرسلت إليكم كتاب الشيخ هود تنسخونه وتردونه.
ومن كتبه رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
صفحة ٢
أما بعد: فسلام من كاتبه لتسع مضين من رمضان عام 1325 أمحمد بن الحاج يوسف وسائر تلاميذه وإخوانه في الدين على العالم <1/ 6> العامل عبد الله بن حميد أعانه الله على مراده قائلا: اعلم أني قد نشرت تآليفك كلها وأمرت بمطالعتها والعمل بما فيها ولا يشكل شيء إلا بينته لهم حتى يفهموه بفضل الله وينقادوا ويدركوه على قصدك من الوجه الحق وسلام على تلاميذك كلهم ومن لك [كذا لعله: حولك]، وأخص أكبر تلاميذك. وإني مريد لنفعكم لو كان لي مال بمالي وبكتبي في كل فن إلا أن النسخ هنا بأجرة غالية ومثل شرحك القصيدة أو مثل الشيخ درويش أو النيل ست عشرة ريالا كبيرة فواتح في كل واحدة. والناس لا يعينونني في ذلك ولا في مثله في إيقاف الكتب وإني أعالج ما تيسر لي من الإرسال يأتيكم إن شاء الله مختصر القواعد والحاشية بزيادات مفيدات كبيرة جدا على الذي عندك رحمك الله عز وجل في الفقه وشرح شرح أبي سليمان داود في النحو وغير ذلك شيئا فشيئا إن شاء الله عز وجل وأما الجواب فلو وجدت سؤالك كل يوم لأجبتك لتزداد علما إلى علمك، وأقول {رب زدني علما} ولا أظن أني يثقل علي شيء في نفعك وإن كان منكم سؤال ولم يأتكم جوابه فلنسياني لكثرة الأشغال والأعداء، وقد عزمت على أنه إن جاءني سؤالكم أعجل بجوابه وأيضا أظن أن الجواب يضيع في الطريق، وقد عطل البعد كثيرا من الأشياء، ولكم الدعاء الصالح مني، ولعله تظهر لك ثمرته. وآمرك وإياي بالإخلاص لله عز وجل والتوبة، ولا تظنوا أني أجيب الرجل حين فارقكم برخص ولا بشدة، ثم إني أختار لك إذا صحت عندك مسألة من كتب قومنا فاذكرها بلا ذكر لهم ولا بأس عليك وأخلص أعانك الله وإيانا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
واعلم أني أريد أن تخيرني بكل ما تحبه فأسعى فيه جهدي، ولا أمل منه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صفحة ٣
ومن كتبه رضي الله عنه: وقد عذرتك لقلة مالك ولاحتياج الواردين عليك له. ورأيت رغبتك في شرح النيل طبعه أو نسخه فوق <1/ 7> كل رغبة، وذلك طرف من رغبتك في الله عز وجل. واعلم يا أخي أني ما بخلت به عليك ولا على الفاضل المعد لي بل لأني أحتاج إلى التفرغ إلى إصلاحه وإصلاح نسخه ولا يوجد في مضاب إلا ناسخ واحد يصلح لاستخراج الهوامش والصبر لها وعدم الضجر وقد كان واحد قبله أكبر منه إلا أنه انقطع عني، ولو كانت طباع الطالبين لطبعه يستحسن ما يستحسنه تبغي السهل علي أن أوافقكم، مثل أن أرسل إليكم ما قوبل وصحح ولو من وسط أو آخر، كالنكاح والبيوع، وأرسلها إليكم ليطبعا، وأهيئ لكم من غيرها شيئا فشيئا، وأن ترسل إلي ما نسختم من الفرائض والتبيين فأصححهما وأردهما إليكم، وعدا علي، فإن لي أشغالا لا تحتمل التأخير والله المستعان.
ومن كتبه رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أما بعد: فالسلام على الشيخ محمد بن شيخان حفظه الله ببركة الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، من كاتبه الحاج أمحمد بن الحاج يوسف قائلا: لا بد جزاك الله خيرا أكتب لي عاجلا ترجمة ابن النضر اسم أبيه وجده فصاعدا وقبيلته من العرب وهل ولد له؟ وكم ولد له؟ وكم عمره؟ ومتى مات؟ وهل مات مقتولا؟ ومن قتله؟ وما سبب قتله؟ وجميع ما تعلق به قدر الطاقة وعجل بذلك. ووصلني نظمك البارع كله ولم تصلني نونية تعارض نونية ابن النضر في خلق القرآن وعدم خلقه، فأرسلها إلي ولقد أعجبني ذلك الرد الذي أرسلت إلي. ولقد عارضت كل ما قاله ابن النضر في قدم القرآن في شرحي على الدعائم، وذكرت فيه وجه عدم البراءة منه بذلك. وأخبرني هل وصلتك أجوبتي؟ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
------------------------
<1/ 8>
ومن كلامه رضي الله عنه:
صفحة ٤
وسألت أن أرسل إليكم شرح النيل. الجواب: إنه لا توجد إلا نسخة واحدة من نسخة خطي عزيزة. وأجرة النسخ غالية لقلة الناسخ المصحح ولا يمكن أن أرسل لكم خطي لأنه في الألواح صعب دقيق، ولا نقدر على أجرة طبعه لعظمها. واعلم يا أخي أني لم أجد من يعينني على النسخ ولو بأربعة ريالات ولم أجد الطول إلى الاستئجار من عندي، واسأل الله العفو والرزق الحلال الواسع، فإن كان لا بد فاختاروا بعضها كالنكاح والبيوع أتكلف لكم إرساله للطبع، ولا بأس بطبع البعض، وبعد فلعل الله يفتح لطبع الباقي، وأسأل الله العظيم أن يعينك أن تنسخ من شرحي على شواهد القزويني والسكاكي وعبد القادر وترسلها إلي بما عز وهان فأرسل إليكم ما صرفت أو تبقي النسخة عندهم وترسل إلي خطي منهم. فاهتم يا أخي في ذلك والنسخة عند الشيخ محمد بن الشيخ سعيد بن علي الصقري، ولو بأن تسافر لوجه الله لذلك، أو تجهز مسافرا في ذلك، أو ترسل ثمنا إليه لينسخ لك نسخة وترسلها إلي، والكل علي. والله الموفق. وكذا تعليق وحواش كتبتها على ما كتب سعيد بن خلفان.
وكتب رضي الله عنه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
أما بعد: فسلام على الشيخ الحاج راشد بن عزيز من كاتبه أمحمد بن الحاج يوسف اطفيش قائلا: إن مسائل السلام والغنيمة التي كتبتها ودخلت فيها بقولي: «ومن غيره» وقولي: «رجع» أرسلتها إلى عمان ردا على الشيخ سعيد بن خلفان، وأنا دائم على الرد عليه في تلك المسائل خاصة، وأني رددت النسخة إلى عمان، إذ لا نسخة في المغرب منها، لا بخطي ولا بخط غيري، وكذب من زعم أني رجعت عنها؛ لأن الحق لا أرجع عنه أبدا، وما قلت فيها إلا الحق، فعزيمة عليك وعلى أمثالك أن تكذبوا من قال: <1/ 9> رجعت عن ذلك، وأن تكتبوا إليه بالتكذيب، وأينما كان ولو وصل ما وراء النهر أو سد يأجوج ومأجوج.
ومن كتبه رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
صفحة ٥
أما بعد: فسلام من كاتبه أمحمد بن الحاج يوسف على الشيخ محمد بن شيخان وتلاميذه، كيف أحوالك وأحوال من معك، وأنا توحشت من انقطاع كتبكم عني بعد ترادفها وتواليها، فأخبروني ما السبب في ذلك، واعلموا أن أهل التوحيد في الدنيا كلها على اختلاف مذاهبهم وديانتهم قليلون بالنسبة إلى أهل الشرك، وأصحابنا قليل بالنسبة إلى قومنا، فما بالنا نختلف ونقطع من أطرافنا، فأسألكم بالله أن تتآلفوا وتصيروا بعضا لبعض، وأنتم عرب وقد تكون قلوبكم سخية، فسامحوا وتعاونوا، وليعرف كل منكم قدر أخيه، يعرف الصغير حق الكبير، والكبير حق الصغير، والتلميذ حق الشيخ، والشيخ حق التلميذ، والتلميذان والشيخان كل يسارع إلى مسرة الآخر، والألفة في الدين واجبة، ويقال: هي أعلى من العلم رتبة، ولعل المراد أنها ثمرة العلم، وإلا فالعلم أفضل، ولا تعرف ولا تفضل أحوالها إلا به، وهاأنا منتظر لأحوالكم تلتئم وتصطلح وتجيبني في كتاب مسطور كدر منثور. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
ومن كتبه رضي الله عنه:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد: فسلام من كاتبه أمحمد بن الحاج يوسف اطفيش المغربي على أخينا ومحبنا في الله سالم بن جمعة بن مطر الخيظري فاعل خير لا ينسى ولا يستقصى، أثابه الله بجوده، ويبلغ السلام على أخيه الصالح بن <1/ 10> جمعة، وإلى الشيخ العالم عبد الله بن حميد ومن معه من التلاميذ. ومهما يحبب الشيخ سالم بن جمعة من صعب وسهل ديني أو دنيوي أسع فيه جهدي إن شاء الله عز وجل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
صفحة ٦
ومن كلامه رحمه الله: وأما الكتب فإن وجدت مالا فلا أبخل عن نسخها لكم، والله يعلم وأنا والله راغب في نسخها لكم، وإني أحب إدخال السرور عليكم، والله ما قصرت في إرسال الكتب بل عدمت النساخ إلا واحدا، وغيره لا يحسن ولا يجيد الخط وإن أجاده لم يوف، ويحرف، ولم يدم، وليس كل أحد يخرج خطي من كتابتي، ولو وجدت مالا لأسرعت في حاجتك وأنت تظن بي أن الناس يعينونني، والله إني لأطلب في الإعانة عشرين ريالا فلا أجد من يعطي خمسا، وليست وصايا الناس وأوقافهم بيدي، بل كل واحد يوصي ويوقف بيد قريبه أو حبيبه، وإني أستحي من الطلب، والله إني أطلب فلا أعطى، وقد أيست منهم، والله إني راغب في نشر كتبي نفعا لكم وانتصارا على مخالفيكم، وطلبا لثواب الله جل وعلا، فأمهل لعلي أجد شيئا فشيئا من مالي أو مما عند الله المستعان. والحاصل أني أحب المال الكثير للنسخ، وإني أعطي في أجرة النسخ ما لا يعطى غيري، وليس كل أحد ينسخ من خطي، لأني أكتب كتابا واحدا لتزاحم الأشغال ولا أعيده نسخا، فالناسخ ينسخ الطرر الدقيقة المتقاربة، ومن الطرة (¬1) يكون خروج الأخرى، وهكذا والله المعين.
وكتب رضي الله عنه للشيح راشد بن عزيز: وأسألك بالله الذي قام به كل ما سواه بل أسأل أن تحتال بمال أو جاه في إرسال شرحي على السكاكي والقزويني وعبد القادر بخطي بنفسه أو بنسخة تقابل عليه، وكذلك كتاب بخطي أحشو عليه مسائل كتبها سعيد بن خلفان ترجع إما بخطي أو بنسخة تقابل عليه أقول فيه: «ومن غيره» ثم أقول: «رجع» <1/ 11> وترسل في ذلك بالله، ولا بأس بأسباب من الخلق، وكل من الله. وأخبرني ما فعل الحاج [أحمد] النوري ولك كل ما صرفت.
¬__________
(¬1) طرة الثوب: حاشيته وحرفه وهدبته. ويبدو أنه يقصد هنا أن حواشيه دقيقة، ومنها تتفرع حواش أخرى؛ لذلك يصعب التعامل مع مؤلفاته التي هي بهذا الشكل.
صفحة ٧
ومن كتبه رضي الله عنه: وأما ما في عمان من كتبي التي هي حاشيتي على شرح القطر وحاشيتي على شرح الشذور وحاشيتي على شرح الآجرومية لأبي القاسم وحاشيتي على التمرين، فإنما طلبت ردها لأنها من عملي في صغر سني، فأحببت مطالعتها للتصحيح، وإلى الآن لم ترسلوا إلي ديوان ابن الرومي، فاكتبوا إلى مصر يرسلوه إلي، واطلبوا من السلطان فيصل يأمر بذلك. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتب أيضا لبعض إخوانه رضي الله عنه: وأما أن تزورني أنت أو غيرك من أهل عمان فلا، رحمكم الله، فإنه [أن] تسمع بالمعيدي خير من أن تراه؛ لأني في قوم لا يقومون بي، والإباضية في المغرب أشحاء إلا ما شاء الله، وإن كنتم تقبلون ضيافتي فمرحبا بكم ألفا، ولست أبخل بالموجود.
وعنه رضي الله عنه قال: وعن اعتراض المعترض ما جوابه؟
الجواب: إني نسيت ما هو، فاكتب لي أجبك إن شاء الله عز وجل، وهو المستعان، لا إله إلا الله تبارك وتعالى. تم الجواب مزاحما لأكثر من عشرة أشغال مانعة معطلة عنه ، فكيف أشتغل باستيفاء ما في سورة النور من البديع؟. وابعث إلي ديوان أبي النجم يصلك ثمنه وكل ما صرفت، فادع الله عز وجل أن يغفر لي ويصحح قلبي وعقلي وأعضائي، وينفي عني الآفات وينصرني. والرجل دعه وإن شئت فاختبره لا بما يثير فتنة أو سوءا. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وعنه أيضا: وقد وصل إسماعيل بن سليمان بن إسماعيل الكتاب <1/ 12> الذي أرسلت إليه والله الموفق. وفي عمان شرح لامية ابن مالك وحاشية القطر والشذور وحاشية شرح الآجرومية لأبي القاسم كلهن تأليف لي حال ابتدائي في التعلم فيهن إكثار المسائل لا تحقيقها وأنا حينئذ مبتدئ ولا ينتفع به أهل عمان فإن وجدتها فأرسلها إلي وابحث عنها جدا. بلغك الله المراد والله المستعان. اه ما أردنا نقله هنا، وبقية رسائله التي لم نذكرها ستأتي إن شاء الله في مواضعها الخاصة بها. والله المستعان وبه التوفيق.
صفحة ٨
كتاب التوحيد ومعاني الأصول وتفسير بعض اصطلاحات المتكلمين، من جوابات القطب محمد بن يوسف اطفيش رضي الله عنه
قال قدس الله سره: ومسائل الأصول هي مسائل التكفير والتفسيق وقطع العذر وكون الحق واحدا ومع واحد كنفي رؤية الباري وكون صفاته ذاتية لا مقترنة ولا حالة، وكون الاستواء على العرش: الملك والقدرة لا استواء معقولا.
وقال أيضا: والأصول التي لا يجوز الاختلاف فيها عندي ما يقدح في صفات الله سبحانه وتعالى عز وجل ولا تظن أن هذا مبطل براءة من زل من الصحابة.
وقال أيضا: ويعرف الشيء بأنه من الأصول بأن يكون مخالفته فادحة في التوحيد وما يجري مجرى ذلك.
وسئل بما نصه: وعن اعتقاد الخلود وعذاب القبر والصراط ونحو ذلك أمن الأصول؟
الجواب: إن ذلك ليس من الأصول إلا أنه كل شيء يتبرأ أصحابنا من فاعله مع أنه ليس من الأصول فيتوهم المبتدئون أن كل ما يبرأ به يكون من الأصول، وليس كذلك، وفي كلامك ما يوهم أن الأصول لا يجوز جهلها فانتبه، فإن منها ما يعذر في جهله حتى يسمع أو يقارف. <1/ 13> والأصول عند المتكلمين ما يتضمن خلافه القدح في صفات الله عز وجل، وعند أصحابنا أوسع من ذلك كما ذكرته في غير هذا الكتاب مبسوطا. أه.
قال: والأقانيم: الأصول. والهيولاء يطلق على قبول الأشكال، كقطعة من شمع تقبل البسط والتربيع ونحوه والامتداد والكرة، ويطلق على الشكل الممكن وعلى الاستعداد لقبول العلم، وهذا الاستعداد يسمونه عقلا هيولانيا تشبيها بنوع من الهيولا الخيالية عن جميع الصور القابلة هي لها.
والناسوت: ما في شأن عيسى من شأن الناس.
واللاهوت: ما فيه من شأن الألوهية على زعمهم الباطل فاعجب لقوم يدعون إلها مولودا من البطن يأكل ويشرب ويبول ويتغوط!.
والتابوت: فيه صور الأنبياء وعصا موسى مثناة فيه وثيابه ونعلاه وعمامة هارون، ويسكنون إليه في القتال فانظر في تفسيري المسمى بالتيسير. اه.
............. <1/ 14> بيضاء ...........
<1/ 15> باب فيه كتاب الحجة في بيان المحجة في التوحيد بلا تقليد
صفحة ٩
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قال الشيخ الفقيه العالم العلامة البحر الفهامة عمنا الحاج أمحمد بن الحاج يوسف بن عيسى اطفيش الميزابي الإباضي رحمه الله تعالى ورضي عنه:
لا إله إلا الله الحمد لله الذي قال رسوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر قول لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله»، أي لأن الثناء والشكر يستدعيان المزيد من لا إله إلا الله الحمد لله الذي لكل فعل له صفة الذات، فصفة الخالق القادر أن يخلق والعالم بالخلق والمريد للخلق ونحو ذلك مما يصلح لذلك وصفه الرازق القادر أن يرزق، والعالم بالرزق والمريد الرزق ونحو ذلك وهكذا لا إله إلا الله الحمد لله الذي جعل توحيده فرضا وجعل من التوحيد نفلا مثل تكرير كلمة الشهادة «لا إله إلا الله».
الحمد لله الذي علم كل ماء من ماءين اختلطا على حدة وكل لبن من لبنين اختلطا وكل زيت من زيتين اختلطا وهكذا، وعلم الزيت المعجون به العسل أو الدقيق وهكذا.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي اختص بحصر ما لا يتناهى كأنفاس أهل الجنة ونعيمهم وأحوالهم المتجددة.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي يتناهى ما سواه في كل لحظة.
وأقول: لا إله إلا الله الحمد لله الذي جعل الأمر بالتوحيد من الموحد توحيدا.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي جعل تصويب التوحيد توحيدا من الموحد.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي جعل إيجاب التوحيد من الموحد توحيدا.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي سمى نفسه شيئا في قوله عز وجل: {قل الله شهيد بيني وبينكم} بعد قوله جل جلاله: {قل اي شيء اكبر شهادة} [سورة الأنعام: 19] مع قوله {ليس كمثله شيء} [سورة الشورى: 11].
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو شيء لا كالأشياء.
صفحة ١٠
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا سمي له أي لا ولد ولا مسمى باسمه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو <1/ 16> مؤين الأيوان، أي خالق الأمكنة.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن الرؤية توجب الحلول واللون والتحيز والطول والعرش والجهات والتركيب والعجز والحدوث، وفي ذلك من صفات الخلق.
لا إله إلا اله الحمد لله الذي لا تحويه الأمكنة والأزمنة؛ لأنه خالقها ومنشئها.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا تجري عليه الأزمنة؛ لأنه خالقها ومنشئها.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي تجري عليه الأزمنة وهو في كل مكان وفي كل زمان، يخلق الأمكنة والأزمنة، والمتصرف فيهن بما يشاء.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي استوى على العرش، أي ملك الخلق واستولى عليه، وإلا لزم التحيز وصفات الخلق.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا هو جسم ولا عرض ولا جوهر فرد عند مثبت الجوهر الفرد، وهو الجزء الذي لا يتجزأ.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي رآه رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بعيني رأسه؛ أي أثبته مزيد إثبات، وحقق عظمته مزيد تحقيق بنظره بعيني رأسه في خلقه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي خلق آدم على صورته، أي على صورة آدم التي قضى الله أن يخلقه عليها. أو على صورة الله، أي الصورة التي هي ملك الله، أو على صورة آدم بلا نقل من نطفة إلى علقة ثم إلى مضغة ومن صغر إلى كبر وهكذا.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا تختلف إرادته ولا مشيئته، وتختلف محبته وبغضه وأمره ونهيه بمعنى أنه يحب الطاعة، أي يأمر بها، وينهى عن المعصية، وبغضه هو نهيه، فمن المكلفين من يمتثل ومن يعصي.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يختلف وعده ولا وعيده، ولا ولايته للسعيد ولا براءته للشقي حال الطاعة ولا حال المعصية، ولا يختلف حبه للسعيد وبغضه للشقي.
صفحة ١١
لا إله إلا الله الحمد لله الذي صفاته ذاتية لا غيره ولا حالة فيه، تعالى عن الظرفية، ولا معه، فهو عالم بالذات لا بعلم زائد على الذات وقادر بالذات لا بقدرة وهكذا.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو متكلم، أي خالق للكلام من كل ناطق، ومنزل القرآن وغيره من الكتب والوحي.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو بصير أي عالم بالألوان والأجسام والأحوال.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو سميع أي <1/ 17> عالم بالأصوات. ولو قيل بصير بالأصوات والأجسام والأحوال وسميع بهن لصح إذ كان سمعه وبصره العلم، إلا أنه لا يعتاد أن يقال مثلا بصر الصوت أو سمع اللون.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يوصف بالفعل في الأزل وإلا لزم تعدد القديم، وإن وصف تؤول بأنه سيفعل، وأنه علم أن سيفعل، أو قدر أن يفعل بعد الأزل، فلا يقال: تكلم في الأزل إلا على معنى أن سيخلق الكلام. ولا يقال: رزق في الأزل بالبناء للفاعل إلا على معنى أن سيخلق الرزق والمرزوق وهكذا ... أو على معنى قضى في الأزل ذلك أو نحوه. ولا أول لقضائه ولا لصفاته الذاتية ومنها التكلم إذا كان بمعنى نفي الخرس، ومنها القضاء وبيان معنى لزوم التعدد حاشاه أنك إذا قلت خلق في الأزل بالبناء للفاعل فقد نفيت عنه الأزل وأثبت الأزمنة قديمة لا مبدأ لها تعالى الله عنها، ومخلوقاته لا أول لها بأن يكون لا أول لمبدأ خلقه يخلق خلقا فيبقى أو يبقي ويخلق آخر وهكذا بلا مبدأ واعتقاد هذا حرام، وإجازته حرام. والأزل فعل الخلق وأنت في ذلك لم تجعل للخلق قبلا بل جعلت كل خلق منه مسبوقا بخلق على التسلسل.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي رضاه خلقه للسعيد ثوابا من الجنة خلقا مضى أو آتيا أوامره بكتابته سعيدا أو ثناؤه عليه إلى الملائكة أو أمره بما فعل السعيد وسعد به، فهو فعل، أو علمه بسعادته فهو صفة. وأما السخط فعكسه وهكذا الغضب.
صفحة ١٢
لا إله إلا الله الحمد لله الذي يوصف بالإرادة والمشيئة وهما صفتان. والحب بمعنى الأمر بالشيء وهو فعل. ولا يوصف بالفرح والسرور لأنهما حادثان عن خفة تعتري من يتصف بهما والله جل جلاله لا يكون محلا لحادث. وكذا الهم والحزن لا يوصف بهما والأربعة إنما هي عن عجز واحتياج والله لا يعجز ولا يحتاج ولا يستكمل.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا تعلل أفعاله بالأغراض؛ لأن التعليل بما يلزم احتياجه تعالى استكمالا بها، سبحانه عن ذلك ومع ذلك يجوز قطعا ما على صيغة <1/ 18> التعليل بها على معنى آخر هو ذكر الحكمة واللياقة مثل قوله تعالى: {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون} [سورة الذاريات: 56] أي خلقتم وأمرتهم بالعبادة واللائق بهم العبادة والأمر بها حكمة، وعبد من عبد وعصى من عصى، وكلاها بعلم الله وقضائه وإرادته ومشيئته.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي علم نفسه ولا يقال أراد نفسه؛ لأنه يوجب الحدث، مع أن ما لم يوجد لا يتصف بالإرادة. ولا لم يرد نفسه؛ لأنه يوجب الاضطرار.
صفحة ١٣
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يشاركه مخلوق في صفة ولو اتفق اللفظ، فالله موجود لا بعد عدم ولا بموجد ولا بزمان أو بمكان أو شيء، ولا بمبق بعد إيجاد، ولا عرض ولا جسم، وأنت موجود بخلافه في ذلك كله وبعد أن أوجدك أبقاك، ولو أسقط إبقاءك لفنيت كلك ولم يبق منك شيء، وإن أراد أبقى بعضك وأفنى البعض. والله عالم، أي بالذات بلا أول ولا آخر ولا جهل له في شيء تعالى، وأنت عالم بتعلم مع جهل وهكذا ... ومقتضى ذلك أن لا يفعل التفضيل بينه وبين خلقه لكنه فعل، تقول: الله أعلم منا فإن حقيقة التفضيل اشتراك متعددين في شيء واحد مع زيادة أحدها على الآخر على معنى أنه في علمه أعظم منا في علمنا وهذا في التخالف كقولك أنت في قيامك أفضل من عمرو في ركوبه وأعظم من ذلك، كقولك: الخل أمر من العسل والعسل أحلى من الخل بمعنى أنه أشد في مرارته من العسل في حلاوته، أو أن العسل في حلاوته أشد من الخل في مرارته، أيما كان من ذلك فقله.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي إنما نعرفه بجهلنا إياه إذ كلما قيل: هو كذا من جسم أو عرض أو جوهر كان خطأ، إذ لا ندرك ذاته عز وجل.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا نعرفه إلا بكونه شيئا لا كالأشياء وبصفاته وأفعاله.
صفحة ١٤
لا إله إلا اله الحمد لله الذي كلما أدرك بالحواس أو من شأنه أن يدرك مما وجد أو فرض أو حواه الفهم والخاطر فهو بخلافه. جاء الأثر بهذا، وكذا اجتمع سبعون عالما من بني إسرائيل ليدركوا الله وكل واحد يعرف سبعين لغة فسمع بهم عالم من بني إسرائيل يعرف سبعا وسبعين لغة فجاءهم فقال: فيم أنتم؟ فقالوا: نريد أن ندرك <1/ 19> الله تعالى فقال: هل أدركتموه؟ فقالوا: لا، وجدنا أنفسنا لا ندرك إلا مخلوقا، ولا نعرفه إلا بتحقيق الإيمان بالغيب، فقال: الآن عرفتم ربكم. وسأل عالم سبعمائة عالم عن التوحيد فلم يجبه أحد بما يقنعه، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: كل ما حواه الفهم وخطر بالبال فالله بخلاف ذلك.
لا إله إلا الله الحمد له الذي احتجب عن خلقه لا بحجاب إذ الحجاب من خلقه بل بمنعه إياهم عن مشاهدته.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو الواحد في صفاته كالقدم والبقاء وعلمه وقدرته في أفعاله كالإنشاء والإحياء والإماتة والبعث والرزق في الذات، لا يوصف بجزء ولا بكل ولا ببسط ولا تركيب وفي استحقاق الطاعة والعبادة.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي ما استحال من صفاته بحسب المعنى اللغوي حمل على سلب معنى ضدها أو على لازم المعنى، كحياته جل جلاله بمعنى نفي الموت لا حقيقة الروح والإحساس حاشا لله وجل الله، أو بمعنى القدرة والعلم ونحوه مما شأنه أن يكون للحي منا جل الله عن وصفنا. وكالتكلم بمعنى نفي الخرس عنه سبحانه وتعالى، لا بمعنى النطق أو بمعنى التبيين، فإن من لازم الكلام في الجملة البيان وقد بين الله جل جلاله لنا الغيب والحلال والحرام والفرائض. وكالرحمة بمعنى إنعامه على خلقه وعفوه فإنهما من لوازم الخلق المتصفين بالرحمة بمعنى رقة القلب تعالى الله عن القلب ورقته أو رحمته بمعنى نفي القسوة عنه فلا يعذب من لا يستحق التعذيب.
صفحة ١٥
لا إله إلا الله الحمد لله الذي صفاته قديمة لا أول لها، وهي هو، عالم بالذات قادر بالذات لا بقدرة وهكذا، وإلا كان محلا لها تعالى أن يكون محلا، ولزم تعدد القديم. ومعنى قول ابن محبوب رضي الله عنه أن ذات الله هي قدرته ومشيئته (بواو العطف) في قوله: إنه وصفاته شيء واحد لا كالأشياء وأنه قادر بالذات شاء بالذات.
لا إله إلا الله الحمد لله <1/ 20> الذي صفاته ما لا أول له وما لا يتصف هو بخلافه وما لا يجتمع مع ضده في محلين كالعلم بأنه لا أول لعلمه ولا يتصف بالجهل، ولا يقال: علم كذا وجهل كذا، وما لا أول له لا آخر له وما له أول قد يكون لا آخر له، كالإنس والجن يدومون في الجنة والنار، والفعل ما له أول ويتصف بخلافه ويجتمع مع ضده في محلين، كالإعزاز والإحياء، أعز هذا ولم يعز ذلك، وأحيى هذا وأمات ذلك.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يتصف بالكلام النفسي وإلا كان ظرفا تعالى الله.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي صفاته المعاني المصدرية، وكذا أفعاله، وأما اسم الفاعل والصفة المشبهة فذات وصفة، فالعلم والقدرة والإرادة والعزة ونحو ذلك صفات، والخلق والرزق (بفتح الراء) والإفناء والإعادة ونحو ذلك أفعال والعالم والعليم والقادر والقدير والمريد والعزيز ذات وصفات، والخالق والرازق والمغني والمعيد ذات وأفعال، إلا أنك قد علمت أن صفاته هي بمعنى أنها بالذات وإلا أن وزن "فاعل" من صفاته عز وجل صفة مشبهة؛ لأنه لا يدل على الحدوث وإنما سميته اسم فاعل لشبهه به، بخلاف اسم الفاعل من أفعاله فإنه ليس صفة مشبهة، إلا إذا لم يرد التعرض للحدوث، نحو: الخالق الله، والله خالق، بمعنى أنه ذو الخلق.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي أفعالنا خلق منه وكسب منا لا جبر؛ ولو كانت إجبارا لم يكن عليها مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب ولا أمر ولا نهي ولا كتاب ولا رسول ولا نصب دليل.
صفحة ١٦
لا إله إلا الله الحمد لله الذي وجهه هو ذاته ونفسه، أو هو عظمته، كما قال في عيسى عليه السلام {وجيها في الدنيا والاخرة} [سورة آل عمران: 45]، {وكان عند الله وجيها} [سورة الأحزاب: 69]، أي ذا منزلة. ويقال: خذ الكلام من وجهه أو الوجه العظيم، من إضافة الصفة للموصوف، أي الله الوجه، أي الله العظيم.
لا إله إلا اله الحمد لله الذي عينه علمه أو حفظه؛ لأن عين الإنسان آلة لحفظ الشيء وآلة للعلم به، والله جل جلاله منزه عن الإنسانية وعين الوجه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي أذنه علمه متى ورد في الحديث أذن الله له، أي سمع له <1/ 21> أي تقبله وسمع الله لفلان أي تقبل كلامه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي يده جزاؤه ويده قدرته ويده قوته ويده نعمته ويده ملكه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي قبضته مقبوضة والسماء مقبوضته والأرض مقبوضته، أو يطويها ويزيلها وهي في قدرته مقدار ما يقبض القابض بالكف والأصابع، وملكه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي يمينه قوته أو قدرته تعالى عن الكف والأصابع.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي جنبه حقه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يوصف بالساق ولا بالرجل والقدم. و {يوم يكشف عن ساق} [سورة القلم: 42] كناية عن شدة الأمر إذ شدة الأمر يرفع لها الثوب لتزول. و «يضع الرب قدمه في النار» بمعنى يحصر لها من يقدمه لها.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو نور السماوات والأرض، أي هادي من فيهما، أو خالق نورهما، أو العدل فيهما.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي إتيانه ومجيئه ونزوله بمعنى مجيء أمره ونزول أمره أو نزول ملكه.
لا إله إلا الله ظاهر باطن أي عالم بالأشياء كلها، حافظ لها، متصرف فيها بما شاء، ولا تدركه الحواس، وظاهر بالدليل باطن عن الحواس. واستوى عنده علما وحفظا وخلقا وتصرفا ما ظهر وما بطن للخلق.
صفحة ١٧
لا إله إلا الله الحمد لله الذي أسماؤه غيره إجماعا، بمعنى الحروف المنطوق بها كقولنا: الله الرحمن، وأسماؤه هو إجماعا بمعنى أنه إله قبل الخلق وبعده، علموا أنه إله أو لم يعلموا، أو أنه قادر قبل الخلق وبعده علموا أنه إله أو لم يعلموا أنه قادر قبل الخلق وبعده قادر أو لم يعلموا أو أنه عالم قبل الخلق وبعده علم الخلق أو لم يعلموا. وإذا خلق شيئا فهو خالقه علم الخلق أنه خالقه أو لم يعلموا وإذا أنبت نباتا فهو منبته علموا أنه منبته أو لم يعلموا، أو كذا غير ذلك من الأفعال والصفات. ومن زعم أنه عز وجل لا يعلم شيئا حتى يكون قد كفر. وفي هذا فقد نفى القدر.
<1/ 22> لا إله إلا الله الحمد لله الذي ليس جسما؛ لأن الجسم لا يخلق جسما، وليس عرضا لأن العرض لا يفعل ولا يبقى ولا يقوى ولا يستقل ولو كان جسما لاحتاج إلى مركب ومحدث فيتسلسل أو يدور وكلاهما محال وإن انتهى في تتابعه لم يصح أن ينسب الأفعال إلا لما انتهى إليه وإلا كان عبثا وتحكما أن كان خالق الأشياء هذا وخالق هذا ذلك فليكن خالقها هو ذلك لا هذا إذ لا دليل عليه.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي علمناه واحدا لا إله معه بأنه قادر القدرة كلها والغني الغنى كله؛ لأنه لا يحتاج لغيره في شيء ولا غالب له، والواحد الحقيق لا يكون إلا غالبا، والمصطلحان عاجزان معا لا غالبان معا، ولا واحد منهما والمغلوب غير غالب.
صفحة ١٨
لا إله إلا الله الحمد لله الذي يجزي توحيده من جزم به قلبه ولم يدر الحجج الذي تذكر في علم الكلام وهذا ما عليه الجمهور، وهو ظاهر أمر الصحابة والتابعين؛ لأنه تبادر أنهم لم يدركوها إلا ما شاء الله. ولست أعني تقاديرنا في علم الكلام بنفسها وكيفيتها فإنها لا تشترط قطعا ومبدعة قطعا، بل ما صدقها ولم يرو عنه صلى الله عليه وسلم أنه شرطها أو بعضها على أحد، بل يأمر بالكتب إلى الناس فيكتفي منهم بالإيمان الظاهر، وكذا من شافهه ولا يباحثهم، وبعيد أن يدركوها مرة أو بعضها عاجلا بمجرد الأمر بكلمة الشهادة في كتاب أو لسان رسول أو مشافهة.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي بين لنا التوحيد في قوله عز وجل: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد} [سورة الإخلاص] فنفى بلم الأولى الوالدية في الأزمنة الثلاثة، وبالثالثة ثبوت الكفوءة في الأزمنة الثلاثة، وبالثانية المولودية في الزمان الماضي فقط، وأخطأ من قال: نفاها بلم في الأزمنة الثلاثة وفسر لفظ القرآن على غير ما أنزل به؛ لأن انتفاء المولودية في الحال والاستقبال معلوم قطعا من قوله تعالى موجودا في الماضي؛ لأن الموجود لا يتوهم أحد أنه يولد في حال أو مستقبل فضلا عن أن ينفي هذا الأمر المتوهم بلم، فلم تأت لم لنفيه.
<1/ 23> لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا تتفاوت الأشياء في قدرته، فخلق السماوات والأرضين والعرش والكرسي والجنة والنار وما فيهما وغير ذلك، وخلق حبة من خردل سواء في السهولة. ومعنى كون الشيء أشد خلقا أنه بنظر عقولكم أشد، ومعنى كون الشيء أهون خلقا أنه أهون بالنظر إلى عقولكم، وبمعنى شديد أي هو عندكم وهين عند الله.
صفحة ١٩
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا يدركه أحد بفعله ولا يتأثر به بل هو المؤثر في الأشياء، وخالق تأثير الأشياء في الأشياء. وأما قولهم: سبحان الله ما أعلمه! وسبحانه ما أقدره! وما أحلمه! ونحو ذلك فإنما جاز كما رواه جابر بن زيد ولو منعه بعض؛ لأن معنى التعجب من عظم علمه وقدرته وحلمه مثلا وليس الله هو المتعجب منه، تعالى الله عن التعجب، وليس المعنى أن شيئا عظيما صيره عالما وقادرا وحليما، بل هذا ليس مرادا على الحقيقة في المخلوق نحو: ما أعلم زيدا، ولو أرى توسعا فكيف الخالق؟.
قال جابر بن زيد: إن لله ملكا رأسه في السماء السابعة ورجلاه في الأرض السفلى إحدى زوايا العرش على كاهله يقول: سبحانك ما أعظمك. ويجوز ذلك في أفعاله ولو عند من منعه في صفاته نحو: ما أحسن صنع الله!.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي لا نوء ولا عدوى إلا بخلقه المطر عند النوء، وإلا بخلقه اقتباس المرض من مريض.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي يوصف بالجمال فيقال: الله جميل بمعنى انتفاء القبح عنه، فيكون من صفات السلب التي يراد مجرد نفي أضدادها لا حقائقها اللغوية، أو بمعنى أنه يخلق الجمال، أو بمعنى أن أفعاله جميلة كلها وليس في صفاته ولا أفعاله نقص، أو بمعنى أنه خلق الخير، وكذا هو خالق الشر، أو بمعنى أنه يأمر بالجميل فإن دينه جميل. وجاء في الحديث «إن الله جميل يحب الجميل». ومنعه بعض العلماء، كأنه لم يصح الحديث معه. اه. ومنعه على حسب ظاهره وأجازه على المعاني المذكورة.
<1/ 24> لا إله إلا الله الحمد لله الذي يوصف بأنه متين كما جاء به القران، ومنعه بعض العلماء، ومعناه أنه قوي، أي غالب لا يعجزه شيء، وأنه لا يوصف بالضعف وأنه لا يمنعه مانع عما أراد. ولا وجه لمنعه إلا دفع الإيهام لأنه ورد في القرآن كيف يمنعه؟!.
لا إله إلا الله الحمد لله الذي هو صبور، بمعنى أنه لا يعجل بالعقوبة بل يمهل، وجاء به الأثر، ومنعه بعض العلماء.
صفحة ٢٠