وعنه أكرمه الله: في قولهم علم الله ما لا يكون أنه لو كان لكان على قدر كذا أو صفة كذا فالله عالم بما لا يكون كيف يكون لو كان؟
الجواب: إن كل ما لا يقع قد علم الله كيف يقع لو يقع، وسواء في ذلك الأطفال وغيرها والأحوال كلها، وهذا موجود في كتب أصحابنا المشارقة لقوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [سورة الأنعام: 28] وآية الإمداد بالملائكة وقلع الخضر كتف الغلام وإظهار كتابة شقوته لو بلغ وقوله تعالى: {فخشينآ أن يرهقهما طغيانا وكفرا} [الكهف: 80]، ومذهب أصحابنا المغاربة أن علمه تعالى لا يتعلق بالممكن الذي لايق [كذا] كما لا يتعلق بالمستحيل لقوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} [سورة البقرة: 282] إذ الشيء عند الاتصاف إنما يطاق على ما كان وفني وعلى ما وجد على ما سيوجد. ويعني قوله صلى الله عليه وسلم: «أعلم بما كانوا عاملين» أنه لو كانوا عاملين لكان عالما بما يعلمون غير أما إذا كانوا غير عاملين فلا يقال يعلم ذلك الموهوم لأنه غير متحقق، ولا لا يعلمه لأنه يوهم الجهل تعالى الله عنه، فالمنفي هو ما يتعلق به العلم، فلا يتصور علمه، كما لا يقال: الله قادر على اتخاذ الصاحبة والولد ونحو ذلك من صفات الخلق؛ لأن إثبات القدرة على الشيء حكم بإمكانه، ولا غير قادر لأنه عبارة على العجز والله منزه عنه. ولا يطلق على المحال والممكن الذي لا يكون. ومعنى قوله: {فلولآ أنه كان من المسبحين ... } [سورة البقرة: 143] الخ باللبث في البطن لولا تسبيحه. قال سيبويه: الشيء في اللغة ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، ولا يتعلق علم الله بالمستحيل إلا بكونه مستحيلا ولنا أيضا أنه يلزم التسلسل إن قلنا: يعلم ما لا يقع كيف يقع، فإنه إذا قيل يعلمه قيل: يمكن وقوع الشيء بعده فيعلمه وهكذا ... ولا معنى لقوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا ... } الخ سوى أنهم شابهم الإصرار والعناد.
صفحة ٤٣