وحور عين فخفضهن بالمجاورة لانهن يطفن ولا يطاف بهن قلنا اول ما في هذا ان القراء لم يجمعوا على جر حور عين بل اكثر السبعة يرى ان الصواب فيها الرفع وهم نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي عمرو وابن عامر وإنما قراها بالجر حمزة والكسائي وفي رواية المفضل عن عاصم وقد حكى عن أبي عبيدة انه كان ينصب فيقرا وحورا عينا ثم ان للجر فيها وجها صحيحا غير المجاورة وهو انه لما تقدم قوله تعالى * (اولئك المقربون في جنات النعيم) * الواقعة عطف بحور عين على جنات النعيم فكأنه قال هم في جنات النعيم وفي مقارنة أو معاشرة حور عين وحذف المضاف وهذا وجه حسن وقد ذكره أبو علي الفارسي في كتاب الحجة في القرآن واقتصر عليه دون ما سواه ولو كان للجر وبالمجاورة فيه وجه لذكره (فإن قيل) ما انكرتم من ان تكون القراءة بالجر موجبة للمسح إلا انه متعلق بالخفين لا بالرجلين وان تكون القراءة بالنصب موجبة للغسل المتعلق بالرجلين باعيانهما فيكون للاية قراءتان مفيدة لكلا الامرين (قلنا) انكرنا ذلك لانه انصراف عن ظاهر القرآن والتلاوة الى التجوز والاستعارة من غير ان تدعو إليه ضرورة ولا اوجبته دلالة ذلك خطا لا محالة والظاهر يتضمن ذكر الارجل باعيانها فوجب ان يكون المسح متعلقا بها دون غيرها كما انه يتضمن ذكر الرؤوس وكان الواجب المسح بها انفسها دون اغيارها ولا خلاف في ان الخفاف لا يعبر عنها بالارجل كما ان العمائم لا يعبر عنها بالرؤوس ولا البراقع بالوجوه فوجب ان يكون الغرض متعلقا بنفس المذكور دون غيره على جميع الوجوه ولو شاع سوى ذلك في الارجل حتى تكون هي المذكورة والمراد من سواها لشاع نظيره في الوجوه والرؤوس ولجاز ايضا ان يكون قوله سبحانه * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف) * المائدة محمولا على غير الابعاض المذكورة ولا خلاف في ان هذه الاية دالة بظاهرها على قطع الايدي والارجل باعيانها وانه لا يجوز ان يتصرف عن دليل التلاوة وظاهرها فكذلك آية الطهارة لانها مثلها (فإن قيل) ان عطف الارجل على الايدي اولى من عطفها على الرؤوس لاجل ان الارجل محدودة كاليدين وعطف المحدود على المحدود اشبه بترتيب الكلام (قلنا) لو كان ذلك صحيحا لم يجز عطف الايدي وهي محدودة (ذكر عضوا مغسولا غير محدود وهو الوجه وعطف عليه من الايدي بمحدود مغسول ثم ذكر عضوا على الوجوه وهي غير محدودة) في وجود ذلك وصحة اتفاق الوجوه والايدي في الحكم مع اختلافهما في التحديد دلالة على صحة عطف الارجل على الرؤوس واتفاقهما في الحكم وان اختلفا في التحديد على ان هذا اشبه بترتيب الكلام مما ذكره الخصم لأن الله تعالى ذكر
--- [ 68 ]
صفحة ٦٧