الكامل المنير(المقدمة + الجزء الأول)

الإمام القاسم الرسي عليه السلام ت. 246 هجري
92

الكامل المنير(المقدمة + الجزء الأول)

إن من زعم أن الله تبارك وتعالى بعث نبيا من أنبيائه إلى أمة من خلقه بجميع ما تحتاج إليه تلك الأمة من علم حلال وحرام، وفرائض وأحكام في نوازل تنزل عليه، ونوازل تنزل بعده فعلم ذلك النبي حكم الله في جميع تلك النوازل التي تكون بعده فلم يستودع ذلك الشيء تلك الوديعة التي استودعه الله إياها من يقوم من بعده لآخر أمته؛ إذ كان رسولا إليهم مبلغا عن الله، مسئولا عن بلاغهم، حتى لا يكون على ذلك النبي حجة لله، ولا لتلك الأمة عليه إنكار فيما أدى عن الله عز وجل إليهم لأعظم طعنا على الله وعلى رسوله ممن طعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، وجميع المهاجرين والأنصار؛ لأنه يقول تبارك وتعالى:{فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}[الأعراف/6].

فعماذا يسأل الأمة إذا لم يبلغها الرسول شيئا؟، وما حجة الرسول

على الأمة بترك البلاغ(1)؟!.

[إن الله تعالى قد أنزل على رسوله علم ما تحتاج إليه الأمة]:

فإن زعموا أن الله تبارك وتعالى لم ينزل على نبيه علم ما يحتاج إليه الخلق ولم يعلم ذلك رسوله، لقد نسبوا الله ورسوله إلى الجهل العظيم الذي لا تقم به السموات والأرضون؛ إذ زعموا أنهم علموا ما لم يعلما.

وإن زعموا أن الله قد أنزل على رسوله علم ما يحتاج إليه أهل عصره مما سألوه عنه لا غير ولم ينزل عليه حكم النوازل التي تكون من بعده في غير عصره فكان لهؤلاء الأضداد الذين سموهم علماء أن يقولوا فيها برأيهم، وأن يشرعوا فيها أحكاما من عند أنفسهم، فكان عليهم أن يقولوا فيها، وعليه تبارك وتعالى أن يرضى، لقد نسبوه إلى ضعف التدبير، وسوء التقدير؛ إذ كانوا - زعموا - قد علموا ما لم يعلم، وحكموا بما لم يحكم، وشرعوا بما لم يشرع، وأمروا بما لم يأمر، ونهوا عما لم ينه عنه، كأنهم تجاهلوا قوله:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}[الشورى/21].

صفحة ٩٢