فمن حكايات التمرد على الحجر وسوء الحال أن رجلا ضاقت به الدنيا، فعول على الانتحار، واشترى حبلا ليشنق نفسه فانقطع الحبل ونجا الرجل من الموت؛ لأن الحبل «ارساتز» أي تقليد صناعي ... فاشترى سما من صيدلية وضاعف المقدار فلم يمت؛ لأن السم «ارساتز» أي تقليد صناعي للمواد التي تصنع منها السموم ... واشترى مسدسا وأطلقه على نفسه فلم يمت؛ لأن المسدس والرصاص كله «ارساتز» لا يميت ... فلما يئس من الموت عدل عن الانتحار، وأجمع عزيمته على البقاء واحتمال الحياة على علاتها، وذهب إلى مطعم أكل فيه وشرب وأفرط في أكل اللحوم وشرب الجعة تعويضا لما فاته من متعة الحياة في اليومين السابقين فمات في هذه المرة؛ لأن الطعام والشراب «ارساتز!»
وشاع بين الفتيات زي الملابس القصيرة التي تكشف عن الصدور والسواعد والسيقان، وعاد أحد الأزواج إلى بيته في بعض تلك الأيام فاستقبلته زوجته متهللة وقالت له: أتدري يا فلان؟! إنهم يبيعون الفساتين بالتقسيط على عشرة أقساط، وقد انتهزت الفرصة واشتريت فستانا يوفر عليك سداد ثمنه الكبير دفعة واحدة.
فنظر الزوج إلى امرأته التي كادت أن تبدو أمامه بغير كساء، وقال وهو يظهر الموافقة على مضض: أظن أن هذا هو القسط الأول من الفستان!
النوادر القراقوشية
إن الاستعداد لتأليف الفكاهة التي تنفس بها الأمم عن صدورها في أوقات الحرج يكاد يتساوى بين جميع الأمم ومنها - أو في مقدمتها - الأمم التي لم تشتهر بالنكتة واشتهرت على نقيض ذلك بأنها تجهلها ولا تحسنها.
ونقول إن هذه الأمم في مقدمة الأمم التي تؤلف النكات في هذا الغرض؛ لأنها في الغالب هي الأمم التي تبتلى بالحرج وتعز عليها حرية القول، فلا يوجد في العصر الحاضر نظير لهذه النوادر في الأمم التي تملك حرية النقد وتجهر بآرائها في حكومتها وحكامها، ولا محل للمقارنة بين الشعوب الأوروبية في هذا الباب من أبواب الفكاهة؛ لأنها لا تتساوى في ظروفه ودواعيه، وإنما تستطاع المقارنة بين النكات المتقدمة والنكات التي شاعت في مصر على عهد «قراقوش»، ودونها «ابن مماتي» في كتابه المسمى «الفاشوش في حكم قراقوش» وليست كلها من تأليفه وابتكاره، بل هي مما يشيع مجهول المصدر ثم يقاس عليه ويظل في طي الكتمان إلى حين.
وإحدى هذه النوادر أو النكات قد سبق لها نظير في النوادر التي استشهد بها فرويد وهي نادرة الحداد المحكوم عليه بالموت.
قيل إن غلاما لقراقوش قتل نفسا فحكم عليه بالشنق، ثم تشفع لديه الشفعاء وقالوا له: إنه حدادك ينعل لك الفرس ويخدمك، فإن شنقته لم تجد غيره، فنظر قراقوش ناحية الباب ووقعت عينه على رجل قفاص فقال: هذا القفاص لا حاجة بنا إليه، فاشنقوه في مكان الراكبدار. وهي وظيفة الغلام الحداد عنده!
وعلى هذا المثال تجري النوادر «القراقوشية» التي أثبتها «ابن مماتي» في كتابه أو تناقلها الرواة على لسان غيره.
ومنها نادرة الرجل الذي أوثقه الناس وحموله حيا ليدفنوه وهو يصيح في النعش مستغيثا بقراقوش، فلما سمعه قراقوش ترك المشيعين يمضون به وقال له: ويحك! لا أصدقك وأكذب مائة من ورائك!
صفحة غير معروفة