الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
تصانيف
إن أهمية الإطار اليوم لا تقع في إمكان قيامه كقوى موحدة، بل في أنه يقع تحت تأثير المنافسة بين القوى الخارجية عنه: أمريكا واليابان وبريطانيا والاتحاد السوفيتي، بل إن أفريقيا جنوب الصحراء وأستراليا تقع أيضا ضمن مجال هذه المنافسة، ودور أفريقيا في هذه المنافسة والصراع أصبح يتضح بجلاء كلما مر الوقت، وقد سبق لماكيندر أن أطلق على أفريقيا اسم الهرتلاند الثاني، لكنها حتى الآن ما زالت مرتبطة بعلاقات سياسية استراتيجية اقتصادية بدول الإطار.
وهكذا فإن بقاء الإطار مقسما بين دول عديدة مستقلة أو محايدة أو داخلة في فلك دول أخرى يبقي على توازن القوى العالمية، ويمنع تكوين قوة واحدة تسيطر على العالم، لكن ليس معنى هذا أن الإطار مؤهل للسيطرة العالمية على النحو السابق الشرح. وفي الوقت الحاضر نجد خطوط الحركة الداخلية بين الإطار والقوى الداخلية الكبرى كالصين أقوى من القوى البحرية التي يمكن أن تدعم دول الإطار دون تدخل القوى الداخلية، ولنا على ذلك مثالان في آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية، فإن القوى البحرية الأمريكية - تدعمها قواعدها الضخمة في اليابان والفلبين وحلف جنوب شرق آسيا - لم تستطع أن تمنع خطوط الاتصال الأرضي الداخلي بين الصين والاتحاد السوفيتي وكوريا الشمالية أو فيتنام الشمالية، وقد ظلت كل من كوريا وفيتنام الشمالية مركزا لقوى مناهضة بنجاح للقوى الأمريكية البحرية والجوية والأرضية، وهذا دليل واضح على أن القوى البحرية قد نالت أكثر مما هي عليه من مميزات في آراء كل من ماهان وسبيكمان.
إن تغلغل النفوذ الصيني عبر الخطوط الحديدية إلى سنكيانج - تركستان الصينية - والنفوذ الصيني إلى التبت وكوريا وفيتنام ليعبر عن قوى كبيرة من قوى الإطار في اتجاه الداخل، لكن يقابل ذلك أيضا القوى السوفيتية المتقدمة من الهرتلاند صوب التركستان، ولعل الخط الحديدي الجديد يربط سنكيانج بتركستان الروسيا أكثر من الصين، على أي الحالات فإن ماكيندر في عام 1904 قد أشار إلى إمكانية نمو القوى الصينية صوب الداخل، وأن نطاق الهضاب الشاسعة والجبال العالمية والصحارى الواسعة في منغوليا والتبت وحوض تاريم وجبال كون لون وغيرها تعد عائقا طبيعيا أمام منافسة السوفيت الجدية، وبذلك فإن الصين هي الدولة الوحيدة من دول الإطار التي يمكن أن تتوسع داخليا على خطوط الانتقال والحركة إلى مساحات كبيرة، بينما لا يمكن لأوروبا أن تتوسع في الأراضي المقابلة لها من الداخل؛ لأنها تقع تحت الضغط المباشر للهرتلاند والقوى السوفيتية الجديدة. (2-4) القوى الجوية في الجيوبوليتيكا
إن نمو عصر الطيران والفضاء قد أدى إلى أنواع مختلفة من الآراء حول التشكيل الجيوبوليتيكي لعالم أواسط وأواخر هذا القرن.
وواحد من هذه الآراء كان رأي جورج رينر
G. Renner
13
في 1944 الذي قال إن الطرق الجوية قد ربطت بين الهرتلاند الأورو آسيوي وهرتلاند أصغر في أمريكا الشمالية عبر المنطقة القطبية، وبذلك فإن تشكيلا جديدا للهرتلاند بواسطة الطيران قد جعله يمتد في نصف الكرة الشمالي عبر المنطقة القطبية، لكن هذا الهرتلاند الجديد يتصف بأنه مهدد بالخطر من إحدى القوتين اللتين تحتلانه: الاتحاد السوفيتي يهدد بقية الهرتلاند في أمريكا والعكس صحيح، لكن رينر يقول إن الهرتلاند الجديد يمكن أن يكون قاعدة السيطرة العالمية؛ لأنه يتميز بالقرب المكاني من بعضه بواسطة خطوط الطيران وإمكانيات النقل البحري والبري أيضا، وبذلك تتحول المنطقة القطبية الشمالية إلى بؤرة الحركة، ومن ثم تصبح مفتاح النفوذ العالمي.
وهناك رأي آخر نادى به ألكسندر دي سفيرسكي
A. de Seversky
صفحة غير معروفة