الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
تصانيف
مقدمة في التعريف بالجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا
القسم الأول: في أصول السياسية والجيوبوليتيكا
1 - ماهية الجغرافيا السياسية
2 - مناهج الدراسة في الجغرافيا السياسية
3 - فريدريك راتزل مؤسس الجغرافيا السياسية
4 - الجيوبوليتيكا قديما وحديثا
5 - الدولة
6 - حياة الدول
7 - السكان في الجغرافيا السياسية
8 - الحدود في الجغرافيا السياسية
صفحة غير معروفة
القسم الثاني: الشرق الأوسط
1 - الشرق الأوسط عالم المعابر
2 - جيوبوليتيكية المكان
3 - بعض مقومات دول الشرق الأوسط
ختام
مقدمة في التعريف بالجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا
القسم الأول: في أصول السياسية والجيوبوليتيكا
1 - ماهية الجغرافيا السياسية
2 - مناهج الدراسة في الجغرافيا السياسية
3 - فريدريك راتزل مؤسس الجغرافيا السياسية
صفحة غير معروفة
4 - الجيوبوليتيكا قديما وحديثا
5 - الدولة
6 - حياة الدول
7 - السكان في الجغرافيا السياسية
8 - الحدود في الجغرافيا السياسية
القسم الثاني: الشرق الأوسط
1 - الشرق الأوسط عالم المعابر
2 - جيوبوليتيكية المكان
3 - بعض مقومات دول الشرق الأوسط
ختام
صفحة غير معروفة
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا
مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
تأليف
محمد رياض
هذا الكتاب محاولة من أجل المزيد من التعرف علي اتجاه الأحداث السياسية علي خلفية الأرض التي نعيش عليها.
مقدمة في التعريف بالجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا
تشكل الجغرافيا السياسية واحدا من الموضوعات الشائكة في الدراسات الجغرافية، ذلك أنها مضطرة إلى ربط وتحليل تفاعلات بشرية سريعة الإيقاع - الاتجاهات السياسية الداخلية والخارجية والأحداث العسكرية - مع العوامل الجغرافية الأرضية شبه الثابتة، وهي في ذلك تشبه الجغرافيا الاقتصادية أو جغرافية السكان وجغرافية العمران، لكن التشابه يقف عند هذا الحد.
ذلك أنه يوجد اختلاف كبير بين منطلق الدراسة في الجغرافيا السياسية وبين منطلقه في الدراسات الجغرافية عامة، بما في ذلك فروع الجغرافيا البشرية والاقتصادية؛ فالإقليم هو وحدة الدراسة في الفروع الجغرافية، والإقليم عبارة عن تركيب نظري ينتج عن تجميع عدد من المقومات والصفات المتشابهة طبيعيا واقتصاديا وبشريا في منطقة جغرافية محددة يصبح لها تميزها وتفردها عن المناطق المجاورة، وبذلك فإن الإقليم الجغرافي وحدة دراسة لها شيء كبير من الثبات الذي يستمده من التوافق التدريجي الذي يحدث بين المكونات الطبيعية للأرض، والإمكانات البشرية التنظيمية والتكنيكية - مع تغيرات كمية تطرأ نتيجة زيادة السكان أو تغير نمط استخدام الأرض .
أما في الجغرافيا السياسية فإن وحدة الدراسة هي الدولة، وهي في حد ذاتها اصطناع بشري موقوت الثبات نتيجة تغيرات سريعة داخلية وخارجية. وفي خلال فترة حياة الدولة - طالت أم قصرت - فإن الدولة قد تتكون من إقليم جغرافي واحد أو جزء منه، إذا كانت دولة صغيرة المساحة، مثال ذلك هولندا التي تحتل إقليما سهليا في دلتا الراين، أو سويسرا التي تحتل جزءا من إقليم جبال الألب الأوروبية، أو نبال التي تحتل جزءا من بيدمونت جبال الهملايا. وقد تمتد سيادة الدولة على عدة أقاليم طبيعية وبشرية مختلفة، إذا كانت من الدول الكبيرة الحجم، كالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والسودان والبرازيل، ومع ذلك فإن بعض الدول - صغيرة المساحة أو متوسطة - تشتمل على أقاليم جغرافية متعددة، وخاصة في المناطق التي تتخذ فيها التضاريس أشكالا مفاجئة مثل العراق أو رومانيا أو إيطاليا أو لبنان أو فيتنام؛ ففي هذه الدول وغيرها تقف أقاليم الجبال والسهول أو السهول العليا في تناقض واضح جنبا إلى جنب.
صفحة غير معروفة
وليس هذا هو كل الاختلاف، فالمفروض في الجغرافيا السياسية أن تدرس أداء كل المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم الإقليمية المحددة، في اتجاه موحد هو مصلحة الدولة، وبذلك تفرض الوحدة السياسية تكاملا أعلى مستوى من التكامل الإقليمي الطبيعي، وقد أدى ذلك إلى موضوعين حيويين في جغرافية الدولة، أولهما وجوب نشأة تنظيمات مختلفة داخل الدولة لإيجاد أو اصطناع هذا التكامل في شتى نواحيه الاقتصادية والبشرية والسلالية والطائفية والثقافية والحضارية، ووجوب نشأة سلطات مركزية ومحلية لإرساء قواعد التكامل، ولكن ذلك لا يحدث دائما وتظل أقاليم في الدولة متميزة بقواها الذاتية وثقلها السكاني والحضاري والاقتصادي، كإيطاليا الشمالية؛ ومن ثم تشعر الأقاليم الفقيرة بعقدة نقص أبدية داخل حدود الدولة السياسية، وربما كان هذا - بالإضافة إلى عوامل اختلاف أخرى، سلالية أو لغوية، أو مجرد البعد المكاني عن مركز الحكم - أحد أسباب القلق أو القلقلة داخل بناء الدولة، وقد يؤدي في أقصى حالاته إلى نشأة رغبات انفصالية. والموضوع الثاني أن الدولة - كخلق بشري - قابلة للنشأة والنمو والازدهار والاضمحلال والبقاء والزوال، وكم من دولة كانت ثم لم تكن، لكن الشعوب والأقاليم تظل قائمة؛ لأنها تجمعات طبيعية واعتيادية، سواء بقيت وحدتها السياسية أو زالت، وإلى جانب ذلك فإن الدولة - بغض النظر عن الكينونة والزوال - معرضة للانكماش أو التمدد، ومن ثم تظهر تغيرات مستمرة على خريطة العالم السياسية.
وهذا هو جوهر الصعوبة في الجغرافيا السياسية، لهذا فإن هذا العلم يحاول أن يصبح موضوعيا بقصر مهامه على رسم صورة معاصرة للوحدات السياسية مع أضواء على الخلفيات الطبيعية والبشرية والتاريخية، وخاصة في موضوع الحدود السياسية، الذي تكون دراسته واحدا من أهم منطلقات الدراسة في الجغرافيا السياسية - وذلك باعتبار أن الحدود السياسية هي «مقياس» الحركة في الوحدة السياسية - ومؤشرا على صحة الأداء السياسي.
وإذا كانت هذه صعوبة الجغرافيا السياسية، فالجيوبوليتيكا أكثر صعوبة؛ لأنها تقوم برسم تصورات سياسية مستقبلية على ضوء تفاعلات المكان الجغرافي والشكل السائد من الاستراتيجية العسكرية، ولهذا يتردد دائما مصطلح القوة البرية أو البحرية أو الجوية. وبما أن الجيوبوليتيكيا في أساسها خطة للمستقبل السياسي لإقليم أو قارة أو العالم، فإنها أقل موضوعية من الجغرافيا السياسية، لكنها ضرورة متلازمة مع الفكر السياسي في عصر القوميات والاستراتيجيات العسكرية للسيطرة على العالم أو جزء منه، وبرغم قدم الفكر الجيوبوليتيكي وتلازمه مع السياسات الإمبراطورية المختلفة في الماضي، إلا أنه أصبح أكثر تكاملا كموضوع للدراسة منذ القرن الماضي وخلال القرن الحالي، وهو في الحقيقة يشابه الخطط الاقتصادية أو العمرانية في الوقت الحاضر، وذلك من أجل معرفة المكان الذي تحتله دولة ما من خطط السياسة العالمية، والدور الذي يمكن أن تؤديه، ومن أجل مواجهة هذه الخطط بالقبول أو الرفض، ولا شك في أن تطور الفكر الجيوبوليتيكي وضرورته المعاصرة مرتبط باقتراب العالم من بعضه نتيجة التسهيلات التي حدثت في وسائل النقل والاتصال الفكري والإعلامي والتشابك الاقتصادي.
محمد رياض
بيروت في أبريل 1974
القسم الأول
في أصول السياسية والجيوبوليتيكا
الفصل الأول
ماهية الجغرافيا السياسية
نظرة ناقدة
صفحة غير معروفة
لا يوجد فرع من فروع الجغرافيا الحديثة يتناوله الجذب والدفع مثل الجغرافيا السياسية، ولا يوجد فرع من فروع الجغرافيا البشرية يدور حوله الجدل والنقد ويحيط به سوء الفهم مثل الجغرافيا السياسية، وكذلك لم يحصل جدل ونقد حول أحد كبار الجغرافيين مثل ما حدث لفريدريك راتزل مؤسس الجغرافيا السياسية، الذي نشر خلاصة أفكاره عام 1897 في كتابه المسمى الجغرافيا السياسية
.
إن هناك فارقا كبيرا بين الجغرافيا السياسية وبين علم السياسية برغم أن الموضوع في أسسه العامة مشترك بالنسبة للدولة، فالدولة بالنسبة للجغرافيا السياسية عبارة عن عنصرين أساسيين هما الأرض والشعب، ينجم عنهما عنصر ثالث هو نتاج التفاعل بين الأرض والناس. وتشتمل دراسة الأرض على كثير من عناصر الدراسة الجغرافية الطبيعية على رأسها عنصر المكان الجغرافي والأقاليم الطبيعية للدولة، كما تشتمل دراسة الشعب على عناصر كثيرة من الدراسة للحياة البشرية، وهي تبدأ بالسكان والنشاط الاقتصادي وأنماط السكن والمدن والتكوين الحضاري للناس من حيث سلالاتهم ومجموعاتهم اللغوية وتنظيمهم الطبقي، أما العلاقة بين الأرض والناس فهي شديدة التعقيد والتشابك وتؤدي في النهاية إلى سلامة تكوين الدولة أو عناصر قوتها وضعفها، وفي هذا المجال يضع الجغرافي السياسي نصب عينيه حدود الدولة كإطار محدد للوحدة الأساسية في الجغرافيا السياسية، برغم ما تتعرض له الحدود من تغيرات، وبرغم أن خطوط الحدود في أحيان كثيرة إنما هي خطوط افتعالية ترتضى لزمن معين، ويؤدي هذا إلى عدم ثبات الوحدة الأساسية في علم الجغرافيا السياسية إلى الأبد، بل يعطي للجغرافيا السياسية دينامية دائمة، وفي هذا يقوم الجغرافي بدراسة الدولة داخل علاقاتها بالمجتمع الدولي المجاور والبعيد، ويعطي هذا بعدا جديدا في دراسة الجغرافيا السياسية. وواضح من هذا العرض القصير الفارق الكبير بين هذا العلم وعلم السياسة الذي يسعى إلى إيجاد التناسق بين علاقات الدول، بينما تحلل الجغرافيا السياسية العلاقة بين الظروف الجغرافية الطبيعية والبشرية داخل الدول.
ونظرا لأن الجغرافيا السياسية، والعلوم السياسية عامة، تتناول موضوعات شائكة، بالإضافة إلى صعوبة وجود الموضوعية المطلقة في الوثائق والدراسات التاريخية؛ فإن الكاتب في الجغرافيا السياسية أو العلوم السياسية عامة لا يمكن أن يتجرد تماما من صفة الموضوعية للأسباب التالية:
أولا:
إن العواطف والانتماءات القومية الوراثية - أو المكتسبة للمهاجرين من دولة إلى أخرى - تجعل الكاتب موضوعيا في الموضوعات البعيدة عن المكان الجغرافي لقوميته، أو البعيدة عن الاتصالات السياسية والتاريخية بقوميته، بينما يصبح غير موضوعي بدرجات متفاوتة فيما يختص بغالبية العناصر التي يدرسها في مشكلة سياسية تمس من قريب انتماءاته القومية، فالجغرافي السياسي الألماني لا ينظر إلى مشاكل ألمانيا السياسية بالنظرة نفسها التي ينظرها الفرنسي أو الإنجليزي أو الأمريكي.
ثانيا:
هناك انتماءات ومشاعر عاطفية فوق القومية المحدودة وتتعداها إلى عواطف الارتباط بتجمع حضاري معين مثل الانتماء إلى حضارات العالم الصناعي أو الغربي أو إلى حضارات العالم الثالث أو المتخلف والنامي، فالكاتب السياسي الغربي ينظر من زاوية حضارته ومنجزاتها نظرة شاملة دون التوقف عند تفصيلات الأحداث الخاصة بهذين العالمين سواء كانت ضارة أو مجحفة بحق شعوب العالم الثالث، أو مفيدة ومربحة لأصحاب المستعمرات من دول الحضارة الغربية الصناعية، وفي الوقت نفسه يقف هذا الكاتب طويلا أمام منجزات الحضارة الغربية في دول العالم الثالث الحالية، بينما يقف الكاتب السياسي الهندي أو العربي مثلا وقفات طويلة أمام البربرية الاستعمارية في كثير من مواقفها، أو أمام الاستنزاف الاقتصادي الطويل، وينظر إلى تركيب الاقتصاد المزدهر في العالم الصناعي حاليا على أنه قد أسس دون شك على أعمال ملايين العمال الجائعين من أبناء العالم الثالث التي قدموها كرها - أو طواعية غير مباشرة بواسطة إجبار حكام خاضعين للحكم الاستعماري - بالإضافة إلى استغلال الثروات الطبيعية من أجل أصحاب المستعمرات حكومات وشعوبا.
ثالثا:
تتعدى النظرة فوق القومية المشاعر العامة لأصحاب الحضارات الغربية في أحيان كثيرة حد التطرف وتصبح مشاعر عنصرية مرتبطة بالرجل الأبيض ككائن سام، وعلى غيره من العناصر أن تخدمه دون محاسبة أو اعتراض في مقابل أن يرعى بعض مصالحهم الضرورية في مجرد البقاء على قيد الحياة، مثال ذلك الكتاب السياسيون في الدول العنصرية كجنوب أفريقيا وروديسيا والكثير من الكتاب السياسيين في أمريكا، وقد بلغت مثل هذه المراحل من العنصرية أشدها في حالتين: الأولى الكتابات العنصرية الجرمانية التي تمجد سيادة الجرمان على كل البشر بما فيهم بقية السلالات البيضاء، والثانية الكتابات السياسية العنصرية الصهيونية التي تمجد سيادة ما يسمونه بالسلالة اليهودية على العالم.
صفحة غير معروفة
وقد كان من الطبيعي أن يقوم التناحر بين هاتين العنصريتين المتطرفتين لفترة طويلة من الزمن، وأن تخلف الثانية الأولى بعد هزيمتها؛ لأن كلا منهما اتخذ لنفسه تطبيقا مختلفا في محاولة تحقيق هدفه للسيطرة العالمية: فالجرمانية سخرت كل طاقات الشعب الألماني ضد العالم، وهي بدون شك طاقات محدودة بالمكان الجغرافي والعدد البشري مهما كانت أشكال التقدم التكنولوجي التي وصل إليها الألمان، بينما الثانية سخرت - ولا تزال تسخر - طاقات مختلفة من أماكن جغرافية كثيرة وشعوبا عديدة لكي تخدم الإبقاء على الدولة الإسرائيلية في فلسطين، وفي نظري فإن هذه الدولة لا تمثل كل التجسيد الأهداف العنصرية الصهيونية، بل هي جزء من هذه الأهداف يمثل ركيزة مادية تمتد منها جسور على المستوى العالمي، ويربط اليهود ظاهريا وماديا كما يربط معه بالفعل أجزاء أخرى كثيرة موزعة في العالم.
رابعا:
تختلف نظرة الكتاب السياسيين إلى الأمور باختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية، فالكاتب الاستعماري القديم يختلف عن الإمبريالي المعاصر، وكلاهما يختلف عن الكاتب الماركسي في تحليل الأحداث السياسية، ويتفق هؤلاء جميعا في أن الاقتصاد والتجارة بصورته العامة هو محرك أساسي للتخطيط السياسي، ولكنهم يختلفون في تحليل كل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية المؤدية إلى تكوين الدولة، وتشكيل الأحداث السياسية وقيام الثورات ونشأة القوميات، ويختلفون نظريا في تحليل القوى التي تساعد على بقاء النظام الاستعماري أو الإمبريالي أو الاشتراكي.
فمثلا الكاتب السياسي الأمريكي ينظر إلى مشكلات أوروبا فيما بين الحربين العالميتين نظرة مختلفة إلى مشكلاتها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، والسبب في هذا راجع إلى أن أمريكا كانت قد انعزلت عن المشكلات الأوروبية حسب مبدأ مونرو في أعقاب الحرب الأولى، بينما نجدها منغمسة إلى أقصى حدود الانغماس في المشكلات الأوروبية فيما بعد الحرب الثانية.
فمبدأ مونرو كان ينظر إلى أن حدود أمريكا هي حدود الأطلنطي، وأن انتصار الحلفاء الغربيين على ألمانيا القيصرية قد أدى إلى تأمين أوروبا الغربية، وبالتالي تأمين المحيط الأطلنطي وتأمين حدودها، وكذلك كان يمكن أن يكون الحال بعد هزيمة القوى الجرمانية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية لولا عاملان جديدان كل الجدة في التخطيط السياسي الأمريكي جعلاها تمد حدودها الآمنة عبر الأطلنطي إلى أوروبا، بل وعبر الباسيفيكي والهندي أيضا، وهذان العاملان هما:
العامل الأول:
أن مصدر الخطر على الأمن الأمريكي - الذي يطلق عليه تعميما الأمن الغربي - لم يعد الرقعة المكانية المحدودة الموارد الطبيعية والبشرية والتكنيكية التي تحتلها ألمانيا، والتي زاد من ضعفها تقسيمها إلى ألمانيا الشرقية والغربية كوحدتين متنافرتين تؤديان إلى هدر جزء كبير من طاقتهما في الصراع الأيديولوجي والاقتصادي، بل أصبح موضع الخطر على الأمن الأمريكي هو الاتحاد السوفيتي في الرقعة المكانية الهائلة ذات الطاقات الكبيرة موارد وسكانا، والتي تتبرعم فيها قوى تكنيكية ليس من السهل نضوبها متى بدأت تثبت وتتعمق جذورها وتتأصل، وهي بذلك قوى مشابهة إلى حد غريب لتبرعم القوى التكنيكية الأمريكية على سطحها الأرضي الواسع ومواردها الطبيعية والبشرية الكبيرة، فالفرق الكمي والكيفي والمكاني واضح بين دولتي ألمانيا كقوة سياسية أوروبية والاتحاد السوفيتي كقوة عالمية، ومن ثم كان لا بد للوجود الأمريكي من الظهور في كل أجزاء العالم المحيطة بالاتحاد السوفيتي قاطبة، وليس في أوروبا وحدها.
وعلى هذا الضوء يمكن أن نفسر سلسلة الأحلاف التي أنشأتها أمريكا لتطويق الاتحاد السوفيتي: حلف الأطلنطي في أوروبا الغربية والبحر المتوسط ومضايق البحر الأسود، والحلف المركزي في الشرق الأوسط، وحلف جنوب شرق آسيا من باكستان إلى الفلبين وأستراليا.
العامل الثاني:
أن مبدأ مونرو برغم ما يبدو ظاهريا من أنه إخلاد أمريكا إلى الراحة بعيدا عن ضجيج الصراع السياسي الأوروبي وثورات المستعمرات ومشكلاتها في أفريقيا وآسيا، إلا أنه في حقيقة الأمر لم يكن كذلك.
صفحة غير معروفة
فمبدأ مونرو وسياسة العزلة الأمريكية لم يكن إلا بمثابة ستار دولاري أقامته أمريكا حول الأمريكتين جميعا، وقد منع هذا الستار المنافسة المالية والقدرة الاستثمارية الأوروبية الغربية إلى حدود بعيدة من الدخول إلى أمريكا الوسطى والجنوبية، وجعلها حقلا احتكاريا مفتوحا أمام الاستثمارات الأمريكية وحدها، فقد اشترت أمريكا الأراضي والمزارع، واحتكرت جانبا كبيرا من مقدرات الإنتاج الزراعي النقدي في كثير من دول أمريكا اللاتينية - الفواكه والبن والكاكاو والمطاط والسكر والكولا - وضمنت أمريكا لنفسها كافة الامتيازات في استغلال الثروات التعدينية في المكسيك وفنزويلا (البترول) وبيرو وشيلي (النحاس) وبوليفيا (القصدير)، ولا تزال الاحتكارات الأمريكية قوية في أمريكا اللاتينية، إلى جانب المواصلات والنقل والتجارة، وذلك رغم المعارضة الثورية (كوبا) والقوية (شيلي) والسرية (بقية أمريكا اللاتينية) في هذا الميدان الاحتكاري.
وفي الحقيقة إذن لم يكن مبدأ مونرو طوال العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن سوى فترة تدعيم للإمبريالية في «بيتها» الأمريكي الواسع، وبعدما اتخمت أمريكا برأس المال بدأت تنطلق في أخريات الثلاثينيات عبر الأطلنطي والباسيفيكي باحثة عن استثمارات واحتكارات جديدة في تايلاند وجنوب شرق آسيا وأستراليا، وفي الشرق الأوسط (البترول) وبدايات صغيرة في أفريقيا (المطاط والحديد في ليبيريا)، لكن هذه الانطلاقة فاجأتها الحرب العالمية الثانية.
وقد ترتب على هزيمة ألمانيا واليابان، وخروج أوروبا مفلسة مخربة الفرصة الذهبية أمام رأس المال الأمريكي القوي، فقام بدور هائل في إعادة بناء اقتصاد أوروبا الغربية عامة، وألمانيا واليابان خاصة، وبذلك دخلت أمريكا شريكا فعليا في كثير من المؤسسات الصناعية الأوروبية واليابانية المزدهرة وأصبح لها - بالضرورة - اهتمامات أمن أكيدة في هذه المنطقة الصناعية من العالم، هذا بالإضافة إلى التغلغل الأمريكي الاقتصادي في أجزاء كثيرة من أفريقيا كوريث أو شريك لرأس المال الاستعماري القديم في الكنغو وجنوب أفريقيا والمستعمرات البرتغالية، وفي آسيا دخلت أمريكا بهذه الصفة في إندونيسيا والهند الصينية وغيرهما من الدول الآسيوية الجنوبية، فضلا عن صراعات الاحتكارات الأمريكية مع الاحتكارات الأوروبية في إيران والخليج العربي ومناطق البترول في شمال أفريقيا.
صحيح أن هناك صراعات بين رأس المال الفرنسي والأمريكي، وصراعات أخرى أقل حدة بين رأس المال الألماني والياباني المهجن بالأمريكي وبين رأس المال الأمريكي، إلا أن هذه التفصيلات لا تغير من الصورة العامة؛ فبروز المصالح الأمريكية في أوروبا وغيرها قد أدى إلى نبذ مبدأ مونرو تماما بعد أن استوفى أغراضه وأرسى قواعد الإمبريالية الأمريكية الحديثة في العالم .
وعلى هذا النحو تتغير نظرات وتحليلات كتاب السياسية لموضوع العلاقات الأمريكية الأوروبية في فترة نصف قرن نتيجة لتغير أيديولوجي اقتصادي في البناء والتركيب السياسي الأمريكي.
خلاصة القول فإنه من الصعب استخراج قوانين أو مبادئ عامة في الجغرافيا السياسية أو العلوم السياسية يمكن تطبيقها في عدد من الموضوعات المختلفة؛ نظرا للاختلاف الشديد بين المقومات البيئية الطبيعية والمزاج البشري والتراكيب الحضارية والاقتصادية وغير ذلك من عوامل تكوين الدولة، إلى جانب الانتماءات المختلفة للسلالة أو الحضارة أو الأيديولوجية.
وبالرغم من تكرار مصطلح «مشكلة» في كتابات الجغرافيا السياسية، إلا أنه لا يجب أن يتبادر إلى أذهاننا أن هناك حلولا لهذه المشكلات على نحو ما نجده من حلول في عالم الأبحاث الفيزيائية أو الكيميائية مثلا، ذلك لأن مشكلات الجغرافيا السياسية تتناول علاقات بشرية وأرضية غاية في الدقة والتعقيد نتيجة لتراكمات التراث التاريخي والاجتماعي والحضاري، إلى جانب علاقات الاقتصاد والتجارة المتشابكة، وفوق كل هذا علاقات المكان.
ومن ثم فإن «مشكلة» أقلية أو حدود لا تعني وجوب إيجاد حل سليم لها، إنما هو - إذا خلصت الجهود المبذولة - حل سليم في وقت ظروف معينة فقط، ولهذا فإن «المشكلة» نفسها يمكن أن تعود إلى الظهور مرة أخرى وتحت ضغوط ظروف ودوافع مختلفة، وقد تستوجب حلا من نوع مخالف تماما للحل السابق إقراره في الماضي.
الفصل الثاني
مناهج الدراسة في الجغرافيا السياسية
صفحة غير معروفة
إن دراسة المحيط السياسي من الناحية الجغرافية تعتمد على المسح والتحليل داخل الإطار الكارتوجرافي، وهناك وسائل ومداخل متعددة للقيام بهذه المهمة، وقد رأى رتشارد هارتسهورن
R. Hartshorn
1
أربعة مداخل أو مناهج منفصلة بوضوح عن بعضها في ميدان الجغرافيا السياسية: (1)
تحليل القوى الخاصة بالدولة. (2)
الدراسة التاريخية. (3)
الدراسة المورفولوجية. (4)
الدراسة الوظيفية.
وتشير فكرة دراسة تحليل القوى الخاصة بالدولة إلى تحليل وحدات القوى السياسية وعلاقاتها بعضها بالبعض الآخر، وهذه الوحدات السياسية تتحدد في المكان بمساحات معينة وتتأثر أشكالها الداخلية بواقع وجودها في مكان معين، كما تتحدد علاقاتها بالوحدات السياسية الأخرى أيضا بواقع مكانها الجغرافي، أما الجغرافيا السياسية التاريخية فإن اهتماماتها تنصب أساسا على الأقاليم السياسية في الماضي، في حين يفحص المنهج المورفولوجي المساحات السياسية تبعا للشكل والهيئة، وأخيرا فإن المدخل الوظيفي يهتم بالوظائف والأعمال التي تدور في المساحات السياسية. (1) المنهج التحليلي
إن تحليل القوى السياسية هو منهج يستخدمه الجغرافيون وغير الجغرافيين من دارسي الموضوع السياسي، بل إن بعضهم يعتبر الجغرافيا أحد مصادر القوى في العلاقات الدولية، ومثل هذا المنهج - على سبيل المثال - يقسم القوى داخل الدولة إلى خمسة مكونات هي: الجغرافيا والاقتصاد والسياسة والمجتمع والجيش، ويحدد أصحاب هذا التقسيم المكون الجغرافي بأنه يشتمل على: (1) الموقع (2) الحجم (3) الشكل الذي تتخذه مساحة الدولة (4) مدى ما تقدمه المشتملات الثلاثة السابقة من بعد أو قرب من عزلة أو اتصال بالمجتمع العالمي (5) درجة خصب التربة ونسبة الصالح منها للزراعة والإنتاج الزراعي (6) تأثير المناخ على الإنتاج الزراعي العام وعلى صلابة وطاقة الناس (7) وأخيرا احتياطي الموارد الطبيعية في الدولة.
صفحة غير معروفة
لكن هذا يمثل بدون شك وجهة نظر ضيقة للجغرافيا؛ لأن الجغرافيين عادة لا ينظرون إلى العامل الجغرافي كعنصر محدد لقوة الدولة، فالمنهج الجغرافي المتكامل في الجغرافيا السياسية يقيم العناصر الجغرافية بالارتباط بالظاهرات السياسية البارزة، وفيما يلي قائمة من العناصر الجغرافية المتكاملة:
البيئة الطبيعية:
وتدخل فيها عدة عناصر جغرافية متكاملة مع بعضها، على رأسها أشكال السطح، المناخ، التربة، النبات الطبيعي، المجاري المائية والبحيرات ... إلخ.
الحركة والانتقال:
ويدخل فيها اتجاه حركة النقل للبضائع والأشخاص والتيارات الفكرية.
المواد الخام والسلع المصنعة ونصف المصنعة:
وتشتمل على المواد والسلع المنتجة فعلا بالإضافة إلى تلك المرتقب حدوثها في المستقبل - الكشوف عن المعادن، الأبحاث الزراعية والصناعية، التوسع والتخطيط الاقتصادي عامة.
السكان:
دراسة ديموجرافية شاملة بالإضافة إلى مميزات الشعب النوعية والأيديولوجية.
التركيب السياسي:
صفحة غير معروفة
ويشتمل على دراسة نظم وأشكال الإدارة وأهداف الحكم ومثله الفعلية، وليست مجرد الأشياء النظرية والعلاقات السياسية الداخلية والخارجية.
والأمثلة كثيرة لتطبيق هذه القائمة من العناصر الجغرافية المتكاملة والمتداخلة، وفيما يلي بعض نماذج لهذه الأمثلة.
فيما يتعلق بالبيئة الطبيعية دراسة أطوال السواحل في النرويج وتناسب ذلك مع (أ) مناطق السماكة الغنية. (ب) فقر اليابس النرويجي، وارتباط هذه المجموعة من العناصر لتفسير تأثيرها على توجيه النرويج نحو دولة معتمدة على السماكة وحياة البحر، ومن ثم التجارة والنقل البحري.
ولقياس بعض أشكال الحركة والانتقال يمكن أن تتعرف على مدى إرسال راديو القاهرة الموجه لأفريقيا وتأثيره على الحركات الوطنية الحديثة في تلك القارة، أو حرب الإرسال التليفزيوني بين ألمانيا الشرقية والغربية وتأثيرها المباشر على سكان مناطق الحدود.
وفيما يختص بالخامات والسلع يمكن مثلا قياس موارد الفحم والحديد في أوروبا الغربية على ضوء أفضل استخدام لها في دول أوروبا الغربية كوحدات سياسية منفصلة، فالمصلحة القومية تحتم على ألمانيا استغلال موارد السار الفحمية من أجل صناعات الرور، بينما الاستغلال الأمثل هو تشغيل فحم السار لصناعات اللورين الفرنسية نتيجة للقرب المكاني بين هاتين المنطقتين، فهنا إذن نجد تعارضا بين التركيبات السياسية والاقتصادية، لكن لعل ما تسعى إليه أوروبا الغربية من ائتلاف أو اتحاد في صورة من الصور يعكس القوة التي أصبحت التركيبات الاقتصادية تمارسها فوق قوى القومية، ولكننا في النهاية يجب أن نرجع مصدر القوة المتزايدة للتركيب الاقتصادي إلى قوى خارجية اقتصادية سياسية تتمثل في النمو الكبير لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وإلى نمو القومية والتنمية الاقتصادية في كثير من دول العالم الثالث.
ويتضح من هذا التداخل الشديد بين التراكيب الاقتصادية السياسية والعوامل التاريخية في توجيه العناصر المختلفة داخل الوحدات السياسية.
والأمثلة كثيرة على دور السكان في القوى السياسية، وخاصة في مناطق الحدود، ففي الدول الأفريقية الكثير من التداخل السكاني اللغوي والحضاري مما قد يؤدي إلى ظهور مشكلات عديدة في حدود الدول الأفريقية في المستقبل، وبالمثل نجد أن غالبية سكان إقليم خوزستان الإيراني من العرب؛ مما يؤدي باستمرار إلى علاقات مشدودة بين إيران والعراق.
وكذلك فإن الكثافة السكانية العالية في البيئات الفقيرة تؤدي إلى مشكلات عديدة اقتصادية وسياسية داخل الدولة، مثال ذلك الفقر مع التزاحم السكاني في جنوب إيطاليا الذي يؤدي إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية الاقتصادية داخل إيطاليا، ومثال آخر احتياج جنوب أفريقيا إلى الأيدي العاملة من دولتي ليسوتو وسوازي ومستعمرة موزمبيق، ويترتب على ذلك الكثير من المشكلات الاجتماعية الاقتصادية في جنوب أفريقيا، ويؤدي إلى اعتماد متبادل بينها وبين جيرانها، ونتيجة لسيطرة الأقلية الأوروبية على الحكم سيطرة غاشمة فإن ميزان القوى السياسية في هذا الجزء من أفريقيا قد يتعرض لهزات عنيفة في حالة تغير أشكال الحكم في الدول الأفريقية المجاورة لجنوب أفريقيا.
وأخيرا فإن التركيب السياسي والتنظيم الإداري يكون عنصرا هاما في تحليل الأوضاع السياسية الداخلية، من الأمثلة على ذلك أن تنظيم الدوائر الانتخابية في بريطانيا يؤدي إلى إعطاء أهمية سياسية للمناطق الريفية القليلة السكان أكبر من وزنها الحقيقي، وقد أدى هذا التنظيم إلى بقاء السكان في هذه الدوائر الفقيرة المراعي لأنهم يكسبون كسبا مضاعفا: تخفيف الضرائب عليهم لفقر الموارد، وجذب السياح والمصطافين والمتنزهين في العطلات الأسبوعية مما يعطيهم دخولا إضافية مقابل بعض الخدمات، وأخيرا الأهمية السياسية التي تعلقها عليهم الأحزاب السياسية، ولولا ذلك لكان السكان قد هجروا هذه المناطق؛ لأنها غير مجزية اقتصاديا.
2
صفحة غير معروفة
وإلى جانب هذه العناصر الجغرافية، فإن الجغرافيين يخصون بالدراسة موضوع المكان كعنصر سادس بارز، وهم يدرسون داخل عنصر المكان علاقات الموقع وشكل الدولة وحدودها، ويدرسون أيضا تأثير المكان على العلاقات الداخلية والخارجية للدولة.
وخلاصة القول في المنهج التحليلي الجغرافي أنه ليس من الصعب جمع العناصر الجغرافية فكلها موجودة وفي متناول الباحثين، لكن الصعب هو نوعية هذه العناصر ووزنها بالنسبة للعلاقات السياسية الداخلية والخارجية للدولة. والمشكلة التي نجدها شائعة في كثير من الكتابات أن الموضوع السياسي يتيه ويختفي وسط خضم الدراسة التحليلية لكافة العناصر الجغرافية الطبيعية والبشرية بغض النظر عن الأهمية النسبية لهذه العناصر، والحقيقة إذن أنه يجب أن نبحث عن العناصر التي يمكن تطبيقها بنجاح حتى لا تتحول الجغرافيا السياسية إلى شيء شبيه بالجغرافيا الإقليمية، وفي ذلك يقول فريمان
T. W. Freeman : «لم يعد هناك صراع بين الجغرافيا السياسية والإقليمية، فكلاهما أصبح مساعدا للآخر، وذلك نتيجة للأبحاث السياسية للدول الجديدة في أوروبا - بعد الحرب العالمية الأولى.»
3
وتأثير الدراسات الجيدة لبومان
L. I. Bowman
الأمريكي، وإيمانويل ديمارتون
L. de Martonne
الفرنسي، وماكندر
H. J. Mackinder
صفحة غير معروفة
الإنجليزي، وسفييتش
J. Cvijic
اليوجسلافي.
ومن الأمثلة على صعوبة التمييز في ثقل وزن العناصر الجغرافية ودورها في المنهج التحليلي الجغرافي في السياسية؛ أننا أصبحنا اليوم شديدي الاهتمام بالأرقام والمساحات للتدليل على القوى النسبية للدول والأحلاف والتكتلات السياسية، فهناك مساحات الدول ومساحات الأراضي القابلة للزراعة والاستغلال وأرقام السكان والإنتاج الفعلي والمرتقب واحتياطي الموارد والسكان والطاقة العسكرية ... إلخ، وعلى هذا تظهر الصين والهند على مسرح القوى العالمية إذا نظرنا إلى الموضوع السياسي من زاوية الوزن السكاني العددي.
صحيح أنه يجب علينا أن نهتم بالمساحات والأرقام، ولكن ليس كما يفعل الإحصائيون، فالواجب على الجغرافي أن يبحث عن العلاقات ذات المغزى، فالأعداد الرقمية تترجم إلى الكثافة السكانية، وهذا يعني ربط الرقم السكاني بالمساحة الزراعية التي تعكس لنا صورة أشكال سطح الأرض وعلاقاتها بالمناخ والجريان النهري والنبات الطبيعي؛ أي تعكس لنا خلفية الإيكولوجيا الطبيعية للمنطقة أو الإقليم أو الدولة وقيمتها في إنتاج الغذاء.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إننا نترجم أعداد السكان مرة أخرى إلى كثافة السكن المديني، وهو الذي نراه يعكس لنا صورة عامة للتقدم التكنولوجي وإنتاج الصناعة والخدمات، وبالتالي يعطينا صورة عامة عن توزيع مصادر الدخل القومي عامة: زراعة محضة، أو زراعة وصناعة وخدمات، أو صناعة وخدمات حسب كثافة المدن ومصادر الثروة، وبعبارة أخرى يدخل في التحليل الرقمي عنصر المواد الخام وإنتاج السلع.
والمنهج التحليلي هو منهج دراسة مقارنة عام، وقد طبق بنجاح على دراسة الدولة الواحدة، ويمكن أن يطبق أيضا على مستوى أعلى من الدولة؛ أي على مستوى إقليمي لدراسة الدينامية في منطقة واسعة، ولكن يستحسن في الدراسة المقارنة أن تحول الأرقام المجردة إلى أرقام سياسية أو نسبية
Index ، ويوضح الجدول رقم (
2-1 ) هذا النوع من الدراسة، على أن نأخذ في الاعتبار أن النسب في كل عمود تتخذ أصغر رقم كرقم أساس، مثلا مساحة أوروبا البحرية أو الهند تصبح رقما واحدا صحيحا وتنسب المساحات الأخرى إلى هذا الأساس، فتصبح مساحة الولايات المتحدة ثلاث مرات قدر مساحة أوروبا البحرية، وينطبق هذا على كل الأعمدة عدا عمود الكثافة السكانية بالنسبة لمساحة الأرض الزراعية، فهنا تصبح أعلى كثافة هي الأساس «الصين»، ويعني ذلك أن كثافة السكان في الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي يمكن أن تزيد أكثر من ثماني مرات لتصبح قدر الكثافة السكانية في الصين، وبعبارة أخرى؛ بإمكان سكان أمريكا أو روسيا أن يتزايدوا دون أن نصل إلى مشكلة تضخم السكان في الصين مما يعطينا أيضا معلومات عن إمكان الزيادة بصورة كبيرة في كندا، بينما لا تحتمل أوروبا البحرية زيادات كبيرة.
ملاحظة:
صفحة غير معروفة
الأرقام التي توجد بين القوسين في النسب تعني أن هذا هو رقم الأساس في العمود، وقد يتعدد رقم الأساس لتقارب الأرقام الفعلية، كل الأرقام لسنة 1960 فيما عدا أرقام الصلب التي تعود لعام 1959.
جدول 2-1: قائمة بالعناصر الجغرافية الأساسية في تحليل القوى الدولية.
الدولة
المساحة الكلية (مليون ميل مربع)
عدد السكان (بالمليون)
مساحة الأرض الزراعية (بآلاف الأميال)
كثافة السكان إلى الأرض الزراعية
عدد سكان المدن (بالمليون) ٪ سكان المدن إلى كل السكان
إنتاج الصلب (مليون طن)
الولايات المتحدة
صفحة غير معروفة
3,65
180
700
240
125
70
93
أوروبا البحرية
1,22
300
صفحة غير معروفة
285
1050
180
60
98
الاتحاد السوفيتي
8,65
212
900
235
صفحة غير معروفة
102
48
66
الصين
3,76
700
330
2100
100
14
صفحة غير معروفة
15
الهند
1,26
440
520
845
75
17
3
كندا
صفحة غير معروفة
3,85
18
145
125
12
67
6
البرازيل
3,28
15
صفحة غير معروفة
210
310
25
37
2
نفس المعلومات مترجمة إلى أرقام قياسية
Index
الولايات المتحدة
3
10
صفحة غير معروفة