الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
تصانيف
الخلاصة
إن راتزل يرى في الدولة كائنا حيا تدفعه الضرورة للنمو عن طريق الحصول على الأعضاء التي تعوزه، حتى ولو دفعه هذا إلى استخدام القوة، وهذا الرأي هو نظرة بيولوجية بحتة للدولة.
وفي كتابه «الجغرافيا السياسية» كان فريدريك راتزل أول من درس علاقات المكان والموقع
Raum, Lage
دراسة أصولية للدول المختلفة، ولهذا السبب وحده يعد راتزل مؤسس الجغرافيا السياسية عن جدارة.
ولقد كان راتزل يكتب في أواخر القرن الماضي متأثرا بالجو العلمي العام المشحون بكل ثقل النظرية التطورية في العلوم الطبيعية، ولهذا نراه ينظر إلى الجغرافيا السياسية على أنها فرع من فروع العلوم الطبيعية، ونراه يؤسس فكرة المكان على أنها عنصر مؤثر ومتأثر في ذات الوقت بالصفات السياسية للجماعة أو الجماعات التي تسكن المكان، وأما الموقع فإنه يراه العنصر الذي يلون المكان بصبغة تجعله دائم الاختلاف عن غيره من الأماكن، ومن ثم يصبغ الدولة بصبغة مغايرة لغيرها من الدول.
ولا شك أن أفكار راتزل التطورية قد ظهرت بوضوح في القوانين السبعة التي سبق ذكرها، والتي تحدد الدول في أماكنها ومواقع هذه الأماكن، ومصدر هذه القوانين التطورية في آراء راتزل نابع من اعتقاده أن الدولة كائن عضوي: هي كينونة بيولوجية جذورها في الأرض، وكينونة معنوية وخلقية مستمدة من ارتباط الإنسان بأرض يعمل فيها ويتغذى على مصادرها ويحتاج إلى حمايتها «وحماية حياته».
وعلى العموم فإن قوانين راتزل السبعة كانت أساسا قوانين خاصة بالمكان والموقع، فنشاطات الإنسان وصفاته وكثافة السكان في الدولة ليست - في نظره - سوى نتاج الموقع والحجم والبيئة الطبيعية والحدود، وفوق كل هذا نتاج المكان.
وقد أعطى راتزل للحدود السياسية أهمية خاصة معتبرا إياها العضو الخارجي للدولة «كالجلد بالنسبة لجسم الأحياء»، وهي بذلك تعطي للباحث الدليل على مراحل نمو الدولة أو ذبولها وقوتها أو ضعفها.
ولعل من أهم ما أعطاه لنا راتزل من تراث هو تلك الرابطة التي أوجدها بين المساحات القارية الكبيرة للدولة وبين القوة السياسية، ففي رأيه أن المسطح الكبير - المكان - هو طاقة سياسية يمكن أن تظهر وتبرز مع حسن استخدامها، ولقد كان راتزل متأثرا بشدة في ذلك من مثال حي: نمو الولايات المتحدة كقوة كبيرة داخل إطار من «المكان» الكبير، وكان بذلك يشعر أن دور أوروبا سوف يتضاءل، وأن تاريخ السياسة العالمية سوف تسيطر عليه في القرن العشرين الدول العملاقة المساحة التي تحتل مكانا كبيرا من القارات مثل أمريكا وروسيا وأستراليا.
صفحة غير معروفة