فإذا أوقعت القدرة على الجوهر فلا يخلو حين إيجادك القدرة عليه أن يكون موجودا أو معدوما، فإن كان معدوما اقتضت القدرة إيجاده لا غير ذلك. وأن كان موجودا لم تقتض القدرة إلا إعدامه، وكذلك إذا أوقعت على العرض لم يخل أن يكون موجودا أو معدوما، فإن كان موجودا اقتضت إعدامه، وأن كان معدوما لم تقتض إلا إيجاده. وأن أوقعت على ما تشتمل على الجوهر والعرض في حال وجودهما لم تقتض إلا إعدامه بكليته أو إعدام بعض أجزائه التي هي جواهر جسمية الذي تركب منها، أو إعدام بعض الأعراض القائمة به، وفي ذلك إيجاد أضدادها. وهذا ظاهر العيان قائم البرهان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
بيان ذلك: إنا إذا قلنا أن الله قادر على عبده فلان، فليس نريد إلا أن تذهب عينه فيعدمه بكليته أو يميته إن كان حيا، وقي ذلك إعدام عرض موجود وهو الحياة، وإيجاد عرض معدوم وهو الموت، أو يمرضه، ففي ذلك إعدام عرض موجود وهو الصحة، أو يجاد عرض معدوم وهو المرض، كذلك [38] تفريق جسمه وتقصيره وتطويله وتحريكه وتسكينه وغير ذلك من جميع الأعراض القائمة به التي بها تميز بالإنسانية من جميع الحيوانية. وهذا إذا أوقعت القدرة على جملة يجمع أشياء شيء فأبهمتها ولم تخص بها شيئا معلوما من تلك الجملة. وباله التوفيق.
مسألة: وأما إذا عينت المراد بعينه فأوقعت القدرة عليه كان النظر في المعين هل هو واجب أو ممكن أو محال؟ فإنه لا يعدو كل منطوق به أن يكون متطوعا بكون لما قامت الدلالة عليه بأنه كائن من العقل أو السمع من الكتاب أو السنة أو الإجماع، كيوم البعث والحساب والثواب والعقاب وما أشبه ذلك، فقد سمى المتكلمون ما كان بهذه الصفة واجبا، أي مقطوعا بكون لا يدخل الإمكان على غير كونه، أو يكون مقطوعا بأنه لا يكون البتة، وهو تضربان:
أحدهما: محال من طريق العقل كاجتماع الأضداد.
صفحة ٥١